“زينة الدنيا” رواية حسن أوريد .. نبش في الذّاكرة الجماعية وصراع السّلطة في الأندلس

19 نوفمبر 2021
“زينة الدنيا” رواية حسن أوريد .. نبش في الذّاكرة الجماعية وصراع السّلطة في الأندلس

د.مريم الوكيلي

مريم الوكيلي

كاتبة وباحثة من المغرب 

احتضن رحاب دار الثّقافة – بمدينة المضيق (شمال المغرب) قبل ايام، حفل تقديم رواية موسومة بعنوان “زينة الدنيا” للكاتب المغربي حسن أوريد، حضره ثلّة من الأكاديميين، والمثقفين، والمهتمين بالشأن الثقافي.

وفي هذا الاطار، تطرق الدكتور عبد الواحد الدحماني، في قراءة تحليلية دقيقة لرواية “زينة الدنيا”خلال هذا اللقاء الذي نظم في إطار فعاليات الدّورة 8 لملتقى المضيق للكتاب والمؤلّف، المنظمة إلى غاية 21 نونبر/ تشرين الثاني، وسافر الدكتور عبد الواحد الدحماني من خلال دراسته النقدية بالحضور في رحلة شيّقة ماتعة إلى عوالم المتن الرّوائي؛ بدءاً بالجنس الأدبي الذي يمتح من مص

ادر التّاريخ، مروراً  بالحقبة الزمنية الماضية الّتي تستدعي عنصر الّتخييل لتفكيك بنية الاستبداد والصّراع حول السلطة، وصولاً إلى التّجربة الإنسانيّة في بُعدها الزّمني العميق، انتهاءً بالأبعاد الدلالية والسّيمائيّة في تلقي النص السردي وتأويله وفق خط زمني يربط الماضي بالحاضر، ليُنهي رحلته  بسؤال ظلّ مفتوحًا للتّأمل: هل التّاريخ يعيد نفسه؟.

وأكّد الدّحماني، أنّ هذا العمل الروائي يتناول مرحلة مهمّة من تاريخ الأندلس. تمتدّ من نهاية حكم الحكم بن عبد الرحمن، وتولي ابنه هشام الخلافة، وتنتهي باستحواذ الحاجب المنصور لابن عامر على السّلطة.

الكتابة التاريخية :

وقال الدحماني، إنّ رواية “زينة الدّنيا” عمل روائي يمكن تصنيفه نقدياً في نوع الرّواية التاريخية، ولكن عند الحديث عن هذا النّوع لا يُقصد به سرد التّاريخ، أو أنّ الكاتب يتقمّص شخصية المؤرخ ويُحول عمله إلى عمل تاريخي، بقدر ما يصبح مادّة علميّة يستند إليها المبدع ليبني الكون الجمالي للرّواية، لاسيما وأنّ العودة إلى التّاريخ هي عودة للتّجربة الإنسانيّة.  

وبهذا فالعمل، ينبش في الذّاكرة الجماعية للإنسان العربي من خلال التّاريخ، ويكشف في الآن نفسه عن بعض أوجه الصّراع حول السّلطة في الأندلس.

ويضيف الدّحماني في معرض تحليله لمتن الرّواية، أنّ السّارد يكشف عن تاريخ آخر، غير التّاريخ الرّسمي المدوّن؛ عن تاريخ تسود فيه التّناقضات والصّراعات، وهو ما ورد (ص: 100 )على لسان “باشكوال”: “دع ما سيكتُبه الكَتبةُ من تاريخ مُنمَّق”.

من “ربيع قرطبة” إلى “زينة الدّنيا” :

من جانبه، أكّد المؤرّخ السّابق للمملكة المغربيّة حسن أوريد، أنّ “زينة الدّنيا” رغم توظيفها التّاريخ إلاّ أنّها تنطلق من قضايا آنيّة تشغل بال الإنسان البسيط والمتعلّم، والباحث المتخصّص. وهي أسئلة جوهريّة يطرحها في تدريس العلوم السّياسيّة ويحُلّها من خلال الإبداع، من قبيل: كيف نرتقي بمجتمعنا؟ وكيف نبني العلاقة بين الحاكم والمحكوم بناء على عقد اجتماعي يكون فيه الحاكم والمحكوم متكاملين؟ وكيف نستطيع ذلك إن لم نفكّك بنية الاستبداد؟ 

فالرّواية في نظر الكاتب هي الكذب الصّادق، لأنّ السّارد يتخيّل أشياء وقعت، أو لم تقع، بل قد يخلق ويختلق أشياء، ويصوغ شخصيّات واقعيّة أو خياليّة، ولربما هاته هي المساحة التي يتمتّع بها الرّوائي، وتجعله في حِلّ من أي اعتراض من لدن المؤرّخ –حسب تعبير السّارد-.

وأوضح الرّوائي أوريد في معرض حديثه عن “ربيع قرطبة” أنّ “زينة الدّنيا” هي امتداد لها، والاستحسان الذي لقيته حرّضه على تتمّة العمل لتكون هذه الأخيرة عملاً محترفاً، لأنّه بذل جهداّ كبيراً كي يكون دقيقاً في توظيف المادّة التاريخية، وكي لا يتيح لأي شخص من اختصاص التّاريخ أن يلمس خطأ ما، أو اختلافاً ما، أو ما يمكن أن يكون غير قابل للوقوع. لذا يؤكّد أستاذ العلوم السّياسة أنّه حاول الوقوف على أوجه الحياة في الأندلس من حيث: القيمّ، وطبيعة العيش، وطقوس الأعراس، واللّغة… فكان يقوم بعمل سوسيولوجي وأنثروبولوجي، مشيراً إلى أنّ هذا الجانب قد يفيد المؤرّخ والقارئ العادي ليعرف الحياة الّتي كانت تغلب على الأندلس، ولازالت تسكننا وتظهر ملامحها في تطوان، وفاس، وشفشاون…

حسن اوريد

تفكيك بنية الاستبداد من خلال الشّخوص :

وارتباطاً بالأسئلة المتعلّقة بالدرس السياسي، يؤكد أوريد أن “زينة الدّنيا” مشروع في مسار إنسان، وهو ما يمكن أن تكونه أجناس مختلفة، وديانات متعدّدة، تعيش متوادّة في رقعة واحدة، تنطلق من سلطة العقل الّذي يجب أن يسود دون أن يستبد، حتى لا يقع انشطار في علاقة يمكن أن تكون متكاملة، بين العالِم والمتعلّم، والحاكم والمحكوم، والإنسان والطّبيعة….

وحاول الروائي حسن أوريد تفكيك ملامح المستبدّ من خلال شخصية ابن عامر، الذي اعتبره بعض المؤرخين الاسبان “ميكيافيلي العرب”، فقد كان يمنح للدّولة سطوتها على حساب الأخلاق، لأنّ الغاية عنده تبرّر الوسيلة، كما سلط الضوء على بعض الشّخصيّات غير التّاريخيّة مثل: باشكوال، وزيري، وهند… والتي ليس لها وجود في الواقع، لكنها تحيل إلى قيم أساسية في العمل يمكن الوقوف عندها بقراءة وتمحيص متن الرّواية.

ويختم صاحب “زينة الدّنيا” حديثه بالقول: إنّ القضايا الآنيّة التي لم تحل في العالم العربي، وهو ما شكل الكبوات المتتالية الّتي يعرفها في كل فترة يريد أن ينهض، هي عدم تحديده إلى الآن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هاته العلاقة التي ينبغي أن تنبني على عقد اجتماعي يضمن الاستقرار.

مقال خاص لـصحيفة قريش – لندن 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com