ليلة ست وعشرين.. للقاص المغربي محمد بو مهدي

23 نوفمبر 2021
ليلة ست وعشرين.. للقاص المغربي محمد بو مهدي

ليلة ست وعشرين ـــــــــــــــــــ (1)  

  محمد بو مهدي

ـ  قاص من المغرب

    بعد العصر، وفي باحة الدار، التي تسمى “بالدويرَة”، نثرت مِّي طامو حبَّ الذرة حولها، فتجمَّع الدجاج في المكان، وظلت هي تتابع ديكا أشخم تركّز عليه انتباهها. 

أمرت ابنها جَلُّولا أن يدنو بكل خفته للقبض على الديك. أزال جلول حذاءه وظل يترقب الفرصة السانحة. كان الديك ينقر الحبَّ وفي الوقت نفسه يوجِّه عينه إلى جلول ويحذر من أن يباغته كما باغت أقرانه من الدِّيَكة في بعض المناسبات الدينية أو حين يأتي الأضياف فجأة.

كانت لذلك الديك حاسة سادسة لا يشعر معها بالاطمئنان كلما نثرت مي طامو للدجاج الحُبوب بوفرة.

جلول له يدٌ مثل حديدة، يستطيع بها أن يقبض على عنق ثور هائج ولا يفلت، فما بالك بديك، لكن جلولا لا يحبّ الجري وراء الدجاج خاصة إذا هرب وتسلل إلى الدُّور المجاورة واختفى في سياجها من الهِنديّ والعُولِّيق الشائكين.

   طلبت مّي طامو من جلول أن يتنحَّى قليلا إلى الوراء، وأن يتريث قبل القبض على الديك، ثم نادت على ابنتها الضاوية  لكي تقف أمام الباب وتعترضه إن حاول الفرار.

قال لها جلول أن الأمر لا يستحق، نحن لا نريد القبض على جِنيّ وإنما هو مجرد ديك.

أخبرت طامو ابنها جلولا أن أذان المغرب قد اقترب، ولازالت تنتظرها أعمال أخرى، ولا تريد أن يضيع لها الوقت مع ديك.

دنا جلول من الدجاج وبدأ بدوره ينثر له الحبّ. أغلقت الضاوية باب الدويرة القزديري ووقفت أمامه مثل جندي.

الديك المزركش ينظر إلى جلول بعين حذرة وهو ينثر الحبّ، وشَعر بالريبة فقلَّص جناحيه، منذ متى كان جلول ينثر الحب للدجاج؟ إن له عصا غليظة لا تفارق يده، فكيف لهذه اليد أن تحمل الطعام إلى الدجاج إلا إذا كان يضمر في نفسه شَرَّا؟

انتقل الديك من مكانه وسط الدجاجات بالرغم من كثرة الحب فيه، واختار موضعا بعيدا عن جلول. 

أحس جلول بالغيظ، وخشي ألا يستطيع القبض على الديك، وقال لأمه أنه بإمكانه القبض أيضا على تلك “العتوقة” فهي تحمل اللَّحم أفضل من ذلك الديك. لكن طامو رفضت رفضا قاطعا وقالت له:

ـ متى كنا في ليلة ست وعشرين نذبح”عتوقة” ؟

وقف جلّول في مكانه ونظر حواليه فرأى شَبكة من حَبل توضع فوق بردعة في ركن من الدّار، كان يستخدمها في جمع الكلأ من شرقان، فكَّر قليلا، ثم طلب من أمه أن تزيد من نثر الحَبّ للدجاج.

أخذ الشبكة في يده، ووجّه نظراته إلى الديك الذي بدأ يتحرك يمينا وشمالا، اعترضه جلول بجسده العريض مشرعا امامه شبكة الحبل، بدأ الدجاج يفرّ في كل اتجاه، نجح جلول في حصر الديك في ركن من الدويرة حيث توجد كومة من العيدان والقصب. جاءت الضاوية مسرعة ووقفت وراء جلول، نهرها جلول وهَدَّدها بأنها إن لم تبتعد من ورائه سيضع تلك الشبكة على رأسها . هربت الضاوية من امامه وكانت تعرف بأنه يفعلها.

اقترب جلول اكثر من الديك الذي حاول جاهدا ان يطير وهو يصيح بكل قوته، لكنه فوجئ بشبكة جلول تُرمى عليه فأسقطته فوق كومة القصب، ثم قبض عليه جلول بكلتا يديه وهو يقاوم بجناحيه ويصيح.

طلبت مّي طامو من جلّول أن يذهب بالديك سريعا إلى الجامع وهناك سيجد شيوخ الدوّار يقرأون الحزب فليطلب من أحدهم أن يذبحه له. 

خرج جلول من الدار وهو يقبض على رجلي الديك بينما رأسه يتدلى إلى الأسفل، وكان رفض طلب أمه ان يربط رجلي الديك بحبل. وقال لها إنه ليس ثورا!

في المطرح المؤدي إلى دار رقية، رآه علال بوركابي وقال له إن كان يريد ذبح ذلك الديك؟ فأجاب جلول بنعم. فقال له بوركابي: 

– هل معك سكين حاد؟ 

فقال له جلول: 

– لا .. سأذهب به إلى الجامع، هناك سأجد من عنده سكين.

فقال له بوركابي:

– لدي فقط سكين أقصّ به الكيف ولا أظن أنه جائز لذبح ديك العواشر.

فضحك جلول وقال له:

– سمعت الفقيه سي احمد يقول بأنه جائز. المهم هو ان تسمي الله.

فقال له علال بوركابي:

– التقليد عليك، يا بسم الله..

يتبع …

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com