هل ممكن استمرار التعايش بين الشيعة والسُنة ؟

4 نوفمبر 2021
هل ممكن استمرار التعايش بين الشيعة والسُنة ؟

جبار عبدالزهرة

– النجف – العراق 

على اثرمجزرتي الاربعاء 26/10/2021م التي ارتكبتها عصابات داعش ضد قبيلة بني تميم الشيعة في قرية الرشاد في قضاء المقدادية في محافظة بعقوبة انطلاقا من قرية الامام السنية المجاورة وراح ضحيتها 15 قتيلا و8 جرحى ؛ ثم قيام اهل قرية الرشاد الشيعة يوم الخميس 27/ 10/2021م وهم من قبيلة بني تميم كما ذكرت بهجوم مسلح على قرية الامام السنية وخلف الهجوم 12 قتيلا ومجموعة من الجرحى 0

على اثر ذلك طفا الى سطح النقاش سؤال سمعته من السنة والشيعة ورايته على مواقع التواصل الاجتماعي وهو سؤال متوتر وخائف ومرعوب وربما لا يخلو من نبرة من كلا الطرفين تتضمن دعوة الى الاستنفار وربما الاستعداد نحو اعلان الحرب على آلاخر .

والسؤال لم يكن وليد حالة الصدام المسلح التي وقعت بين اهل قرية الامام السنة وقرية اهل الرشاد الشيعة المذكور تاريخها اعلاه بل هو قديم برز مع الانطلاقة الاولى للاعمال الدموية الطائفية في العام 2006م والتي حلت بساحة حياة العراقيين وقد لهجت به السنن عراقية كثيرة من مختلف مكونات التركيبة السكانية العراقية وفي مقدمتهم السنة والشيعة بعد كل عمل دموي يحصل في مناطقهم 0 

 والسؤال يخص امكانية العيش المختلط بين الشيعة والسنة على ارض وطنهم العراق ، غير انه لمن الغريب حقا ان يصدر هذا السؤال من العراقيين انفسهم وهم يعيشون بين احضان ارض الرافدين المعطاء سوية منذ اكثر من الف عام وقد اختلفت على حكم العراق الوان الدول منها عربي اسلامي كدولة بني امية ودولة بني العباس ومنها اجنبي استعماري كالدولة العثمانية ومن بعدها الاستعمارالكولنيالي البريطاني الذي ثار ضده العراقييون سنة وشيعة في ثورتهم الكبيرة ثورة العشرين فقد ثار الشيعة في الجنوب تحت قيادة عشائرية ودينية كان يتزعمها شعلان ابو الجون وثار السنة في الانبار تحت قيادة عشائرية ودينية ايضا كان يتزعمها الشيخ ضاري الذي اشتهر بقتله لقائد بريطاني كبير اسمه (المارشال لجمن )0

 لقد كان هناك تنسيق كبير بين الثوار من الجانبين فكان الشيخ ضاري يزور المناطق الشيعة ويجتمع معه قياداتهم من اجل التنسيق والتعاون في الفعل الثوري لمواجهة المستعمر وكذلك كان يفعل القادة الثوار الشيعة رغم ان المستعمر لم يدخر جهدا في اشعال نار الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة عبر سياسته  المغرضة ( فرق تسد ) والتي تعني فرق بين اهل البلد الواحد تتسيد عليهم وتسيطرعليهم وهم يكونون عبيدا لك وطوع بنانك والتي اعتمدها في العراق بشكل كثيف ومركز غير انها تحطمت على صخرة الرفض العراقي لها والتماسك الوطني ببن الشيعة والسنة ضدها 0

بيد ان هذه السياسة اليوم مع الاسف الشديد نجحت نجاحا منقطع النظير على يد المستعمر الامريكي وتمكنت بشكل واسع في تفريق العراقيين على اسس من الطائفية والمذهبية ووفق عوامل التطرف الديني التي اذكت نار عناصر ضغائن واحقاد وهمية لا اساس لها من الصحة في واقع انتماء العراقيين الوطني الحقيقي والمخلص لبلاد الرافدين فتزعزعت وفق ارادتها اللاخلاقية واللانسانية اواصر الاخوة العربية التي كانت تجمع بين السنة والشيعة وتمزقت على محرابها الكريه صلات الرحم التي كانت تصل بين القاصي والداني منهم على اسس من المحبة الاخوية والروح الوطنية والشعور النبيل اتجاه بعضهم البعض والاحساس والكريم المفعم بالود القريب والتفاهم الدانية قطوفه وان باعدت المسافات بينهم 0  

على اية حالة اعود الى ثورة العشرين الخالدة لكي اقول ؛ لقد تمكن العراقيون وفي مقدمتهم السنة والشيعة من الصمود بوجه سلاح المستعمر العسكري وبوجه سلاحه الفكري والتثقيفي وهي سياسة زرع الفتنة والفرقة بينهم لدفعهم نحو الصدام الداخلي الطائفي والنزاع القبلي والعشائري كما يحصل اليوم في ظل ما يسمى بالحكومات الوطنية الديمقراطية وآخرها حكومة مصطفى عبداللطيف مشتت الشطري  0

لقد تمكن ابناء الرافدين بعدم اصغائهم لسياسة المستعمر في تشتيت صفوفهم وبعثرة قواهم وزعزعة اواصر اخوة الانتماء الوطني والانتماء العربي الاصيل ضافة الى الانتماء الديني التي تربط بينهم تمكنوا بكفاحهم المستمر ونضالهم الدائم الى اجبار المستعمرالمحتل على اعطائهم حقوقهم الوطنية في الاستقلال والسيادة وتم تشكيل اول حكومة وطنية عراقية حديثة في العام 1921م تحت عرش الملك فيصل الاول وكان موضع رضا لجميع العراقيين وفي مقدمتهم الشيعة والسنة الذين التفوا حوله تجمعهم الروح الوطنية العراقية وصلة الرحم العربية التي تربط بينهم وحظي كذلك باحترام بالغ من قبلهم وكان هو خير راع لرعيته وفق امكانيات الدولة المتاحة آنذاك فلم يشعر العراقي من مختلف الطوائف في عهده لا بالحرمان ولا بالخوف ولا بالحاجة الى امر او غاية او خدمة كان بامكان الدولة ان توفرها له وقصرت في هذا الامر او تقاعست في تدبيره ، فلم يمارس الفساد لا هو ولا ابنه ولا حفيده ولم يسرق أي واحد منهم اموال البلد ولم تسفك قطرة دم لمواطن عراقي من قبلهم كما فعلت وتفعل حكومات ما بعد العام 2003م التي تعاقبت على حكم العراق والتي سرقت ولا زالت تسرق الاموال العامة دون هوادة وتمارس الفساد باوسع صوره القبيحة والظلامية وان طالبها الشعب ببعض حقوقه اصدرت الامر لميليشياتها المسلحة لتقتل وتختطف وتغيب وتغتال كل من تصل اليه اياديها الاثمة من المواطنين لافراغ البيوت من الناشطين ضدها واسكات الاصوات المطالبة برحيلها0

لقد كان الملك فيصل الاول نابذا للطائفية كارها لها معرضا عن التطرف المقيت عابرا له  ودليلي على ذلك لم ينشب صراع او نزاع بين السنة والشيعة لا في عهده ولا في عهد ابنه غازي ولا في عهد حفيده فيصل الثاني لذلك يمكن القول ان العراق قد تجاوز الطائفية والتطرف في زمن النظام الملكي ومن شواهدي الاخرى على ذلك انه عندما تم تاسيس الجيش العراقي في 6/ كانون الثاني /1921م تمت تسمية اول وحدة تم تشكيلها منه بطاقة فوج بعنوان (فوج الامام موسى الكاظم ) ومعروف عن موسى الكاظم انه من ائمة الشيعة الاثني العشرية فلم يعترض السنة على هذه التسمية وانتسب الى ذلك الفوج العراقيون من شيعة وسنة واكراد وغيرهم دون الشعور بالحقد الطائفي والتطرف الاعمى او تغليب الانتماء الفرعي العرقي او المذهبي المتطرف من قبل أي منهم 0

هذا عرض تاريخي موجز للحياة السلمية الحرة الكريمة التي كانت سائدة بين السنة والشيعة لذلك فالياس من العيش المختلط بين (السنة والشيعة ) امر لا مبررله على الاطلاق فهل كان العراقيون من والشيعة والسنة قبل زرع الفتنة الدموية بينهم من قبل الحاقدين على انتشار العلاقات الطيبة بين الناس والمارقين عن القيم الانسانية النبيلة يعيش كل مكون منهم بمعزل عن المكون الاخر ؟؟ او هل بامكان الشيعة او السنة ان يعيش كل مكن منهم بمعزل عن اخوانه من المكون الاخر ؟؟ الجواب بالطبع لا وذلك  لوجود الكثير من العوامل التي تصب في مجرى التقارب والاختلاط بينهم فارض العراق كل شبر منها يكمل مواصفات الشبر الاخر ويعزز وجوده على اديم تربة الرافدين اللذين ينبعان من الشمال ويمران عبر اراضي العراق في الغرب والوسط حتى يصبان في الخليج العربي جنوب العراق فيرويان الزرع والضرع والانسان فقطرة الماء في جسم السني هي من ماء الرافدين وقطرة الماء في جسم الشيعي هي من ماء الرافدين ايضا ومن هنا يشكل نهرا دجلة والفرات عنصرا مهما من عناصر الوحدة البنيوية البدنية للشيعة والسنة واما اهلها فكل قطرة دم تجري في شرايين الشيعي انما هي في تواصل دائم مع قطرة الدم التي تجري في دم السني بسبب صلة رحم العروبة التي تجمع بينهم ينضاف الى ذلك ان كل نسمة من هواء العراق العذب التي تدخل رئة الشيعي فهناك ما يماثلها اختا تدخل رئة السني 0

لقد تنبه الفيلسوف اليوناني ارسطو طاليس الى هذه الامور التي تدخل في تكوين نسيج جسم الفرد العراقي وتدخل في بنية شخصيته فجعلت الانسان العراقي واحدا في جسمه وشخصيته في أي مكان من ارض العراق وذلك حين طرح عليه الاسكندر المقدوني قراره الذي عزم عليه وهو قتل العراقيين وابادتهم عن بكرة ابيهم لكونه لم يستطع السيطرة عليهم كباقي اهل البلدان التي غزاها وبسط سلطانه فيها فان العراقيين لم يقبلوا بالغزو والاحتلال والاستعمار وشرعوا في مقاومة الاسكندر لذلك عزم على ابادتهم فلم يسمح له الفيلسوف ارسطو وكانت ذريعته ان ماء العراق وتربته وهوائه هذه العوامل مجتمعة كونت شخصية الانسان العراقي فان قتلهم والمجيء بغيرهم فانهم سيتطبعون بطباعهم فثورية العراقي وقوة شخصيته وطاقة انتمائه متأتية من مواصفات ارضه ومياهه وهوائه ، وطلب اليه ان يجعل منهم بلدانا ويكون هوعلى راس هذه البلدان فعاد الى العراق وجعل الاسكندرية عاصمته وقسم اهل العراق الى بلدان وبقي في العراق الى ان مات ودفن في الاسكندرية بين بغداد وبابل وبذلك يكون اول حكم فيدرالي على وجه الارض تمت اقامته في العراق على يد الاسكندر المقدوني 0

ان العيش الاخوي المختلط بين السنة والشيعة هو متجذر في النفس العراقية والارض العراقية والمياه العراقية والهواء العراقي لذلك فهو تحصيل حاصل ولا يمكن للعراقي ان يعيش بمعزل عن ابناء جلدته واشقاء لحمته اضافة الى الانتماء الوطني لهذه الارض هو الاساس في التقارب والتواصل بين اهلها وياتي بعده الانتماء العربي وياتي بعده الانتماء الديني فالمذهبي 0

وتاسيسا على كل هذه المعطيات الايجابية  لا بد من التخلي عن الحقد الاعمى الوافد من الخارج ولا بد من ترك الاخذ بالدعايات الافتائية التي يروج لها الميليشيلت وداعش بهدف توسيع هوة الخلاف بين الطرفين وحملهم على الاقتتال الذي لا مبرر له ولا طائل من ورائه غير سفك الماء وتدمير الوطن وتخريب الحاضر والاضرار بالمستقبل 0

ان مصير العراقيين الراهن والمستقبلي يحتم عليهم فتح باب الحوار الاخوي الواسع فيما بينهم والعمل من خلال لقاءات تعقد بين الجانبين لاصلاح ذات البين عبر ازالة الشوائب التي كدرت صفوة علاقتهم الوطنية والعربية والعراقية واعادتها الى طبيعتها وهي العيش بامن وسلام واستقرار وامان على ربوع ارضهم وبين ظلال احضانها الوارفة فهذا هو الهدف الذي ينشده كل انسان ويعمل على تحقيقه لنفسه وللاخر ليس الشيعة والسنة فقط  0

كما يجب ان يعمل جميع العراقيين دون استثناء على طول المدى على راب أي يصدع حل في بناء عراقيتهم وكذلك تبني المساهمة الفعالة في كل خطوة لاعادة مد جسور التلاقي بينهم جميعا ودون استثناء وتمتين اواصر العلاقة الانتمائية لارض العراق المعطاء بينهم والاستمرار في وضع الحلول الناجعة للازمة الدموية التي عصفت رياحها الصفراء وما زالت تعصف بالعلاقات الطيبة الاخوية والوطنية التي كانت سائدة بينهم منذ آلاف السنين من هنا ممكن التعايش السلمي بين الشيعة والسنة في وطنهم العراق اضافة الى المكونات الاخرى 0

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com