رحموني عبدالكريم
باحث من الجزائر
القراءة محبة ومغامرة، تعاطي وملازمة والكتابة عشق وجنون، ثم إبداع وفنون يبدع الكاتب “العاشق” أشكالا قد تكون نثرا أو شعرا، نصا أو نقدا، قصة أو رواية ثم مسرحية. وفي المحبة والعشق دأبت المحاورة المنبثقة من الذات المتعاطية مع هذه الأشكال المتعددة والمتنوعة في نصوصها و سياقها مادام « النص والسياق كل منهما متمم للآخر، يفترض مسبقا كل منهما الآخر، وتعتبر النصوص مكونات للسياقات التي تظهر فيها أما السياقات فيتم تكوينها وتحويلها وتعديلها بشكل دائم بواسطة النصوص التي يستخدمها المتحدثون والكتاب في مواقف معينة »[1]
فهي نصوص متعددة المشارب، متباينة الأشكال والسياقات عند الناقد بن جلولي ( من مواليد 24 جويلية 1963 ) من قصة وشعر، نقد وفكر حتى محبة الحكمة عشقها وشغف بها فألف دراسته النقدية، المقارنة بين المفكر الفيلسوف الراحل محمد أركون الجزائري والمفكر المغربي سعيد يقطين انطلاقا من كتابه ” الفكر العربي المعاصر، نقد الفكر وفكر النقد” وسنوجز هذه المؤلفات والأشكال التي أبدعها الناقد كالآتي: “الهامش والصدى”، “خرائب الترتيب” في نقد الشعر، “مفاتيح الفهم” قراءة نقدية للكاتب، القاص السعيد بوطاجين، “أشرعة النص وأزمة الذات” قراءة نقدية في شعرية عبد القادر رابحي، “الظل والمقام نوستالجيا اللغة تأملات في سردية جمال فوغالي”
فكيف ينبغي للقارئ المحب أن يحيا مع هذه الأشكال، لتكون محاورته موافقةً للمحبة؟
القراءة مثل الغابة الجميلة، سُبلها عديدة وظلالها وفيرة توقظ الذات المحبة، المحاورة للكاتب، مكتسية فنون التعاطي وآليات التعامل مع هذه الأشكال انطلاقا من القراءة الناقدة برد فعل القارئ وتفكيره حول المعاني المكتوبة، وكيفية الحكم عليها وتقويمها وكشف هذه الظلال.
هكذا أبدع الناقد بن جلولي من انطولوجية اللغة إلى قداسة المكان.فالحنين إلى المكان، حنين إلى سر الكون الذي خلق فيه الإنسان الباحث في ذاكرته و المقلب في الوجدان عن انطولوجية اللغة وقداسة المكان، أنه سر الناقد عبد الحفيظ بن جلولي الذي يعتقد أن حياته لا تدوم، حقا، إلا إذا تعاضد جوهر اللغة المعبرة ووجود المكان الملهم وبالخصوص زقاق الدرب وضريح الولي الصالح سيدي أمحمد أبى زيان القندوسي.
انه تعاضد الجوهر بالقداسة عند سيدي عبد الحفيظ، فإذا استقل الجوهر بجوهريته دون أن يرتكز على الوجود واستقلت قداسة المكان دون أن تسدد نحو الجوهر. كان فناء الناقد عبد الحفيظ بن جلولي الذي يعيش غربة الكاتب الغريبة في عصره كما عاشه أبو حيان التوحيدي في القرن الرابع هجري. الذي قال في كتابه:(ليس الغريب من جفاه الحبيب، ولا الغريب من تركه القريب، ولكن الغريب من كان في زمانه غريب) أنها الغربة الغريبة التي يعاني منها كاتب اليوم في عصرنا هذا، لكن الناقد بن جلولي في عالم الكتابة الإبداعية والأفكار الجمالية يتخطى الغربة من خلال اللغة السلسة، السهلة بلحظات، ثم يرجع باللغة من خلال قداسة المكان بلحظات، وفي كل وثبة من وثباته، أو خلسة من خلساته اليراعية تشعر بتلك اللمسة السحرية التي تشدك لقراءة نصوصه الجمالية القوية، ملكة رمزية لدى الكاتب عبد الحفيظ التي تبلغ تحققها الأعلى في انطولوجية اللغة وقداسة المكان بناءً على الخطاب حيث: « لا نرى أن الخطاب ظاهرة لغوية، وبالتالي لا نرى أنه بالإمكان اختزاله في الجمل التي تكونه. فالخطاب ظاهرة تداولية ويمكن أن يختزل بالأقوال التي تكونه. والتمييز بين الجملة والقول تمييز جوهري، فإذا كان الصوتيم أو الصيغم أو الجملة وحدة لغوية، فإن القول هو وحدة تداولية.»[2] وهي تلك السمة الجلية عند بن جلولي الذي يبدع النصوص ويترك الحرية التداولية للقارئ الإنسان بغية الفحص الناقد القائم على التحليل والتأمل في نص المبدع عبد الحفيظ ونقله من حال الكمون إلى حال العلن.
الناقد بن جلولي من محبة الظل إلى عشق المقام.
الظل الذي استهل به الناقد بن جلولي مقدمة كتابه « الظل والمقام نوستالجيا اللغة، تأملات في سردية جمال فوغالي » فهو ظل الكتابة الإبداعية التي لا تفصح عن مكنوناتها، بل تتستر وراء هذه الظلال الوفيرة، تنتظر القارئ المحب، الشغوف، الآخذ على عاتقه التعامل مع الظلال من خلال مستويات تشكيل المقام؛ هذا المقام يتألف من أطراف ثلاث: المرسل، المتلقي، النص « فالأفعال التواصلية التي يكون النص اللغوي حصيلة إنجازها، تتقصد وظائف يفرضها موقع كل من المرسل والمتلقي في وضعية تخاطبية محددة، ذلك أن موقع المرسل في هذا الحدث يستدعي إسناده فعلا تواصليا نسميه الفعل التعبيري.»[3]
هذا الفعل التعبيري عند الناقد بن جلولي ينتج لنا مقاما في جمالية الخطاب القائم على تعاضد انطولوجية اللغة وقداسة المكان فلا تغيب استطيقا اللغة الحاملة لمضامين المقام التأثيري على المتلقي وأنت تقرأ تلك المؤلفات ولا قداسة المكان في سياق تأليف تلك النصوص وبعثها من جديد في سياق آخر مادام يقدم عنصرا من العناصر باعتباره حجة أو نتيجة هي نص قداسة المكان وانطولوجية لغته.
قائمة المراجع:
- جون لاينز: اللغة والمعنى والسياق، ترجمة عباس صادق الوهاب، دار الشؤون الثقافية العامة، سلسلة المائة كتاب، بغداد، طبعة1987، ص:215 .
- جاك موشلار وآن روبول: التداولية اليوم، ترجمة: سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني، دار الطليعة، بيروت، طبعة أولى، سنة 2003 ،ص: 215 .
- عبد الله الكدالي: المقام والتواصل دراسة لمستويات تشكيل المقام ومبادئه في الدراسات الغربية، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء المغرب، طبعة أولى، سنة 2019 ،ص: 10 .
[1] جون لاينز: اللغة والمعنى والسياق، ص:215 .
[2] جاك موشلار وآن روبول: التداولية اليوم، ترجمة: سيف الدين دغفوس ومحمد الشيباني، ص: 215 .
[3] عبد الله الكدالي: المقام والتواصل دراسة لمستويات تشكيل المقام ومبادئه في الدراسات الغربية، ص: 10 .
عذراً التعليقات مغلقة