الشاعر مصطفى الحناني.. انتشاء الحرف لسحر المتلقي
عبدالكريم رحموني
كاتب من الجزائر
يهتم علم الجمال بالقيم الجمالية كما تتضح من خلال الأعمال الفنية، فهو يتناول الإنسان في نشاطه المبدع لهذه الصور الجميلة من نثر وشعر، خطابة وحكمة، قصيدة عمودية و شعرية نثرية، قصة أو مسرحية، فموضوع علم الجمال ليس الأشياء الجميلة المدركة بشكل مباشر فحسب، بل تفسيرا للتعبير الجميل عن الأشياء سواء كانت طبيعية أو مستمَدة من الحياة الإنسانية.« فمن خلال التعبير الجميل الفني يظهر إحساس الإنسان وذوقه وقيمه، وكذلك يمكن لأي شئ سواء كان طبيعيا أو صناعيا أو موضوعا من الحياة العادية أن يتحول إلى موضوع له قيمة جمالية إذا أحسن الإنسان التعبير عنه »[1] وهي سيمة جوهرية لصيقة بالشعر جديرة به.
الشعر سحر، وكلماته أشد وقع وحروفه تعاويذ ورقى يلقيها الشاعر على خاطر المتلقي، يسحر بها الألباب ويخطف بها العقول، ويجعل القلب يرقص طربا، والفؤاد يَنتَشي لحروف الشعر المبنية انتشاءً، وينجذب نحو القصيدة ذات الأحكام الجمالية والأبعاد الأستطاقية، فإذا كان هربرت ريد: «عرّف الجمال بأنّهُ وَحْدةُ العلاقات الشّكليّة بين الأشياء التي تدركها حواسّنا »، في حين يعتقد هيجل، بأنّه ذلك « الجنّيُّ الأنيس الذي نصادفه في كلّ مكان» فشعر مصطفى الحناني ليس وحدة العلاقات الشكلية بين الحروف في القصيدة النثرية فحسب، ولا الجنّيُّ الأنيس بل تعدى ذلك إلى ساحر في محراب معبد القصيدة النثرية ليجعل منها حوزيقيال في محراب الحرف ينَتَشي به كل سقيم الفؤاد، عليل القلب، يشفى من الوجع.
الشاعر الحناني يستنطق الحرف، ليجعل بقية الحروف تنصاع له بأبجديتها، لتهلل قصيدة نثرية قلما نجد لها النظير في القصائد الأخرى.عرفت الشاعر الحناني عبر صفحات التواصل الاجتماعي، مرهف الحس، قوي الشاعرية، كثير العبارة، غزير الكتابة، شديد الملكة الرمزية، يكتب بإسهاب ويرتجل الخطاب؛ وبين الإسهاب والخطاب تنثر الحروف درر وجواهر إبداعية، تعبر عن نزعتها الإنسانية التي تبلغ تحققها الأعلى في اللغة الرمزية، وهذا التحقق نجده جليا عند شاعرنا مصطفى، مصطفى الإنسان كذلك.
نحن نكلم أناسا، والحناني يكلم الحرف يطلبه حثيثا، يفكر داخله ويبتكر منه جواهر منسية بلغة رمزية، فكأنما خلق الحناني ليكون شاعرا.
ولما كان علاج الجسم يتطلب التخلص من العناصر الضارة به « فكذلك يمكن علاج النفس وتحقيق توازنها بتخليصها من زيادة الانفعالات الضارة بها ».[2] وهي السيمات الغالبة على الشعر الجمالي عند الحناني والبحث في خصائص التعبير الفني الجميل للقصيدة النثرية ،لأن الإنسان حين يستجيب للجمال فإنه يستجيب بجميع مشاعره لأنه يخاطب الخيال والفكر معا.
هوامش:
- أميرة حلمي مطر: مدخل إلى علم الجمال وفلسفة الفن، دار التنوير للطباعة والنشر، القاهرة، طبعة أولى، 2013.
- أميرة حلمي مطر: فلسفة الجمال، دار المعارف، القاهرة، مصر، دون سنة الطبع.
عذراً التعليقات مغلقة