محمدالمنصوري
كاتب من المغرب
يعد موضوع العين وتأثيرها السلبي خاصة من المواضيع التي تشغل حيزا كبيرا في الشعور واللاشعور الجمعي في التداول الإسلامي المعاصر، سواء في المجالين الشعبي التقليدي أو المعاصر.والناس في التأثر به يتوزعون إلى فئتين، فئة تؤمن به بإطلاق وتعتبر أن للعين تأثيرا، وتستدل لذلك بنصوص معتبرة في مجملها.وفئة تؤمن به كذلك لكنها تجعل حدودا لإطلاق الفئة الأولى.والكل مع ذلك يستحضر هيمنة القدرة الإلهية إن قليلا أو كثيرا.ومن المعلوم أن لكل فكر آثارا تبعية تصحبه، إذ أن الفئة الأولى بإيمانها المطلق بتأثير العين على المرء، والعين حق كما ورد في الأثر تجعل نفسها داخل بوتقة من الأفكار التي يغلب عليها طابع التوجس والحذر من الآخر، كيفما كان، فيجعلها ذلك تسقط في دوامة من الأفكار السلبية التي تنغص العيش وتكدر صفوه، إذ أنها تعتبر للعين تأثيرا معنويا مباشرا غيبيا، ولعلي بها تحوم حول ضفاف الشرك الخفي وإن لم تشعر بذلك.
أما الفئة الثانية التي أعتبرها مقتصدة والله أعلم، فإنها تجعل موضوع تأثير العين راجعا في كليته إلى القدرة الإلهية وتعتبر أن التأثير السلبي للعين لابد وأن يصاحبَ بفعل مادي محسوس من الحاسد أو الحاقد، فتأثير العين لا ينفع إذا لم يكن مقترنا بالفعل في مقابل ما بالقوة. فقد أورد القرطبي فى تفسيره لسورة الفلق: “قلت: قال العلماء: الحاسد لايضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه، ويطلب عثراته”، وخير مثال أيضا على ذلك قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته؛ فعندما دخلهم الحقد والحسد اُتجاه أخيهم قرنواْ ذلك بفعل رميه في غيابات الجب.وإذا استعرضنا ما للفريقين من نصوص يعتمدون عليها فسنجد أدلة الفئة الثانية أكثر تعدادا وأرجح حجة من أدلة الفئة الأولى.
ففي القرآن وهو أول مصدر لاستقاء الأحكام دليل صريح وآخر ضمني على الأكثر والله أعلم فيما يدل على تأثير العين، فالدليل الصريح وهو خطاب موجه للكافرين أصالة، قوله تعالى:”وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ”-[القلم:51]. والدليل الضمني في قوله تعالى:” وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ” [يوسف:67].
ومن السنة الحديث الذي رواه أحمد ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين”. قال ابن عبد البر رحمه الله شارحا: “وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له، وأن العين لا تسبق القدر، ولكنها من القدر” اهـ، /التمهيد-(6/240).
وجل آيات الموضوع تكرس وتؤكد على وجوب الالتفات إلى فعل القادر الجبار سبحانه، قال تعالى: “قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ” [التوبة-51]. وقوله سبحانه: “وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا” [النساء-78], بل إن الله تعالى نسب الفعل السيئ إلى فعل المرء نفسه، قال تعالى: “مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍۢ فَمِن نَّفْسِكَ” [النساء-79]. وقوله تعالى: “وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ” [النحل-53].
وخلاصة القول أن الانسان المؤمن الحق المعلق بالله في حله وترحاله وفي سره وجهره، يحسن به ألا يقف عند التأثيرات السلبية للعين التي يسمعها تتردد على ألسنة المخيال الشعبي لوسطه، يكفيه أن يؤمن بأنها حق ويصدق بذلك خبرا، وينسب كل شيء لصاحب الأمر كله ولا يحصر نفسه وعقله ووجدانه عند ذلكم الفهم السطحي الذي يجعل معيشته معيشة ضنكا.
عذراً التعليقات مغلقة