ما معنى الثلث المُعطل العابر للمعارضة التقليدية؟

2 يناير 2022
ما معنى الثلث المُعطل العابر للمعارضة التقليدية؟

هشام استيتو 

خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب

الديموقراطية كبناء مجتمعي وطرح كوني للتدبير النموذجي لمختلف المجتمعات والتجمعات، التي يفترض تأسيساً على قيم تعاقدية، تؤسس لإرادة الأفراد في نسق جماعي يترجمها، باتت تعرف أزمة عميقة بالنظر لقدرات التعطيل التي يمكن أن تؤسس لها تيارات المعاكسة التي تفرض ذاتها بسبب عيب بنيوي في هذه الديمقراطية.

ليس المجال أصيلا لبحث مسألة الديمقراطية بتجلياتها المتجاوزة أحيانا، لأنَّ أعتى الكراسي العلمية في العالم ما زالت عاجزة عن تجاوز عثراتها البنيوية، وإن استطاعت بعض التجارب التحايل على مطلق الإرادة الشعبية والجماعية عبر أطروحات التوافق المتعددة، لكن النوايا المبيتة للبعض تجعل هذه التوافقات مجردة من الحس الشعبي والجماعي لفائدة رؤية موغلة في الأنانية والفردانية.

عند محاولتنا إخضاع مظهر الثلث المعطل للتمحيص العلمي يلزمنا بداية التأصيل للمفهوم،الذي أسس بلبنان بعد سنة 2008 بهدف فرض تعطيل التدبير السياسي للحياة العامة، ومن أجل إعطاء قيمة أخرى لواقع المحاصصة الطائفية والتوافقات المتعددة التي تَمْحتُ من التشكيل الطائفي للمجتمع اللبناني، والذي تحرك ضده الشارع مؤخرا في تململ غير واضح، هذا الوضع الذي يَمسُّ السّيادة اللبنانية عندما يوظف في إطار عواصف يشهدها لبنان بشكل مزمن في سياقات خصوصيتها الإقليمية والدولية.

هذا المفهوم ؛ أصبح مستعملا في حالات مماثلة من حيث قيم الديمقراطية، ونسبيتها وخصوصيتها، أو على الأقل؛ أكاد أجزم بأنه يشكل نموذجاً دلاليا على انرياح قيم الديمقراطية، ومصادرتها في مختلف التنظيمات التي يتصور أنها قائمة على التدبير الديمقراطي المُؤسس على انتخابات يفترض أن تكون ديمقراطية.

إن حقل المصطلح السياسي غير جامد لارتباطه بحركة التاريخ والاجتماع والقانون، لذلك يبقى عصيا عن الجمود، وإلاّ لكان علم السّياسة وما يدور في فلكه علم آلة والعكس هو الثابت.

إن المصطلح تصالح معه الفاعلون في لبنان، وهذا ناتج عن إيمانهم بمرجعيات التحكم في المواقف، والتي لا يمكن لأحد هناك أن يسلم بعبثيتها وإن تبادل الفرقاء الاتهامات بالتبعية والعمالة وسرقة الوطن، إلاّ أن المبادرة في التعطيل تبرر بالمصلحة العامة.

على هذا المستوى، وبإسقاط المفهوم على تجارب مقارنة، فإننا نقف على عمق الضبابية الديموقراطية أو التسليم بالرأي الفوقي الذي يرفض الاختلاف.

لكن ؛ ولكي تكون ديمقراطياً عليك أن تتصالح مع قيم التعطيل ضمن معادلة ديمقراطية ذات جدر حسابي، بشكل أو بآخر، يمكن أن تعطل مسارات مختلفة، كما يحق لك الدفاع عن التعطيل بمبررات مستمدة من الاختيارات النبيلة،  وعندما ترفض هذا التوصيف فعليك أن تتهم نفسك، وتعيد النظر في تقديراتك لقواعد اللعبة، لأنك تنطلق من حسابات شخصية لا تمت بصلة للمصلحة الجماعية.

بالمحصلة يمكن اعتماد المصطلح في علم الاجتماع للتجمعات التدبيرية دون التقيد بنسب حسابية، فقط يجب أن يسلط الضوء على مفهوم عربي أصيل من أجل اعتماده ميزان فاصل بين التعطيل المؤسس، والتعطيل العبثي، ولأننا نعيش ضمن مجتمعات ضحلة في إبداع المفاهيم يوجد من يعتبر هذا الوصف سبة في حقه. 

مقال خاص لصحيفة قريش – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com