حين اتصل الإمامان علي والمهدي المنتظر بالجعفري وطلبا منه عدم الاستقالة

18 فبراير 2022
حين اتصل الإمامان علي والمهدي المنتظر بالجعفري وطلبا منه عدم الاستقالة

معد فياض

معد فياض

كاتب وصحفي عراقي

مَن هو الجعفري؟

إبراهيم عبدالكريم حمزة الأشيقر الجعفري، ولد في 25 مارس 1947 في مدينة كربلاء، ويعيد بعض المقربين منه نسبه إلى باكستان.

بدأ رحلته الدراسية في مدرسة السبط الابتدائية للبنين عام 1952، نظراً لقربها من داره الواقعة في منطقة “باب السلالمة” إلى جانب الدراسة عمل مع شقيقه الأكبر محمد في التجارة بسوق كربلاء حيث وفـّر السوق فرصة للجعفري بأن يواصل نشاطاً اجتماعياً خاصّاً، لتكون تجربة السوق وعملية التعامل مع الناس عاملاً مساهماً في بناء شخصيته الاجتماعية والقيادية، فلم يكن السوق مصدر رزق ومجالاً للتعامل مع الناس وحسب، إنما شكـّل حافزاً ليطلع على عالم الاقتصاد والسياسة، ولا عجب أنه تعامل في كل مراحله السياسية كتاجر أكثر منه سياسياً، واعتبر التجارة رافداً من روافد الثقافة السياسية، لما للعلاقة بين السياسة وتقلباتها وبين أسعار البضائع في السوق من ترابط، وتأثير. تزوّج الجعفري عام 1974، وأنجب ولدين وثلاث بنات.

درس الجعفري الطب في جامعة الموصل، وانتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية عام 1966 وغادر العراق إلى سوريا عام 1980 وانتخب عضواً في قيادة حزب الدعوة الإسلامية، عين رئيساً للمكتب التنفيذي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عام 1982، ثم انتقل إلى لندن وساهم بتأسيس المؤتمر الوطني العراقي، وانتخب متحدثاً رسمياً باسم حزب الدعوة الإسلامية عام 1996.

عاد إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلد، وكان أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي، بحكم التسلسل للحروف الأبجدية، وتسلم عدة مناصب في الحكومة العراقية أبرزها رئيس مجلس الوزراء (2005-2006) ووزير الخارجية (2014-2018).  وكان عضواً في البرلمان العراقي لدورتين انتخابيتين (2006-2010) و(2010-2014) أسس تيار الإصلاح الوطني عام 2008، وترأس التحالف الوطني عام 2010، تسلّم حقيبة وزارة الخارجيّة العراقـيّة في حكومة حيدر العبادي عام 2014.

الطبيب الذي لم يمارس مهنته

عرفت الجعفري عن قرب في نهاية التسعينيات في لندن، قابلته لغرض إجراء حوار صحفي، في منزله القريب من حي بارفيل شرق العاصمة البريطانية، كان بيتاً واسعاً ومترفاً خصص له من مساعدات البلدية، ومن أموال دافعي الضرائب، إذ لم يكن يعمل هناك، بالرغم من أنه حاصل على شهادة الطب من جامعة الموصل، لكنه كان يتحجج بمعاناته من مرض نفسي، وحسب المعلومات المتداولة فانه يملك اليوم ستة فلل كبيرة وغالية الثمن داخل وحول لندن اضافة الى عقارات في بيروت ودبي، وكان ذلك يدير حزب الدعوة في لندن باعتباره أمينه العام، وله مكتب فخم بمقر الحزب (مؤسسة دار الإسلام) الواقعة في منطقة Cricklewood  الراقية شمال غرب لندن. بالرغم من أنه درس الطب إلا أنه لم يمارس مهنته كطبيب على الاطلاق، كما أنه عاش سنوات طويلة في العاصمة البريطانية، لندن، إلا أنه لا يجيد التحدث أو كتابة اللغة الانجليزية بسبب عدم اختلاطه مع الانجليز، إذ انصب اهتمامه على الامور التي تخص المذهب الشيعي.

محاصصة طائفية

كان أول تطبيق لمنهج المحاصصة الطائفية، بعد تغيير نظام صدام حسين، وفي أبشع صوره، قد أقترن بإبراهيم الجعفري عندما أختير رئيساً للحكومة العراقية. وقد شكل ترشيحه لرئاسة الوزراء إثر انتخابات 2005 مفاجأة لغالبية العراقيين، إذ لم يكن الرجل معروفاً على المستوى الشعبي، ولا حتى بين جماهير حزبه، الدعوة، بالرغم من أنه ولد في كربلاء عام 1947، كونه أمضى غالبية حياته خارج العراق. وكان قد تردد اسمه عندما  تم اختياره كأول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي، حسب تسلسل الأحرف الابجدية.

لكن التهديد الأكثر خطورة بسبب إصرار الجعفري على ترشيحه لرئاسة الوزراء، كاد أن يعصف بالائتلاف الشيعي، ويتسبب بمواجهة مسلحة بين جيش المهدي الذي كان تابعاً لمقتدى الصدر، المؤيد للجعفري وفيلق بدر، التابع للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عبدالعزيز الحكيم، آنذاك، المعارض لهذا الترشيح.

بالنسبة للائتلاف الشيعي، فإن زعيمه الحكيم ظل يعمل ضد تولي الجعفري لرئاسة الحكومة بعد خسارة مرشحه للمنصب عضو قيادة المجلس الأعلى عادل عبدالمهدي، في الانتخابات التي جرت على مرشح الائتلاف للمنصب، وفاز فيها الجعفري بـ64 صوتاً مقابل 63 صوتاً. وقد استمر الحكيم يناور لكسب قوى وتشكيلات داخلية ضد الجعفري منها تحالفه غير المكتوب مع الرئيس العراقي جلال طالباني الذي كان يعارض الترشيح أيضاً نتيجة موقف الجعفري من رئاسته (طالباني) للجمهورية حيث كان يدعو إلى أن يتولى هذا المنصب شخصية عربية وليس الطالباني الكوردي، إضافة إلى تلكؤه في تنفيذ المادة 140 الدستورية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها.

وحفاظاً على”البيت الشيعي” فقد تمت الموافقة على ترشيحه ليكون أول رئيس وزراء لفترة دستورية بعد تغيير نظام صدام حسين. وبسبب عدم تأييد الكثير من الكتل الشيعية، والسنية والكوردية له، فإن فترة حكمه القصيرة ازدحمت بالكثير من المشاكل، مما دعا بقية الكتل إلى مطالبته بالتنحي.

unknown.jpg

ابراهيم الجعفري ونوري ا لمالكي في مؤسسة خيرية لجمع التبرعات

الفوضى المخربة

اتسمت فترة حكم إبراهيم الجعفري بالفوضى والتشتت، وهي فترة تشبه شخصيته تماماً، حيث غرق العراق بوابل من المشاكل الامنية والسياسية، اكثرها فجيعة الاقتتال الطائفي وغرق اكثر من 1500 من زوار الإمام الكاظم في نهر دجلة بعد سقوطهم من جسر الائمة، وفضيحة ملجأ الجادرية وتعذيب المختطفين بالدريل الكهربائي وغيرها.

كنت أول من كشف عن فضيحة تعذيب معتقلين في ملجأ الجادرية بطرق وحشية بواسطة استخدام الدريل الكهربائي، حدث ذلك عندما التقيت أحد المحظوظين المفرج عنهم من ملجأ الجادرية، كان ضابطاً شاباً سنياً من منطقة الأعظمية، التقيته في منزل فلاح النقيب، وزير الداخلية السابق، في عهد إياد علاوي، الذي كان قريباً من الملجأ المخصص للهجمات النووية، وتحدث لي عن قصص مرعبة عن تعذيب عراقيين تم اختطافهم لاسباب طائفية، مؤكداً ان المحققين كانوا من ضباط الحرس الثوري لأنهم لم يكونوا يجيدون التحدث بالعربية ويرافقهم مترجمون عراقيون عن الفارسية. بعد نشري تلك القصة في الصحيفة، انتشر خبر الملجأ. بعدها التقيت وزير الداخلية باقر جبر صولاغ، حيث قمنا بزيارته، أنا ومصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي، عندما كان يعمل في مؤسسة الذاكرة العراقية، وسألته خلال حوار صحفي معه عن ملجأ الجادرية، فنفى كل المعلومات عنه، وقال “هذا مجرد مركز أمني”، وعندما طلبت منه السماح لي بزيارة الملجأ، قال: “كيف أسمح لصحفي بزيارة مركز أمني حساس”.

كانت فضيحة الملجأ قد انتشرت مما استدعى اهتمام القوات الأميركية والبريطانية، وشعرت الحكومة العراقية بالاحراج، حيث شكلت لجنة تحقيقية برئاسة روج نوري شاويس، نائب رئيس الوزراء وقت ذاك. بعد فترة قصيرة التقيت الجعفري، وكان ما يزال رئيساً للوزراء، وسألته عن فضيحة الملجأ، فقال: “لم أكن اعرف أي شيء عن هذا الملجأ واستغربت عندما قرأت ما كتبته (أنا) عنه، ولم أصدق، لكنني فوجئت ذات يوم بزيارة جنرالين من القوات الأميركية والبريطانية وحدثوني عن عمليات التعذيب في هذا الملجأ”، سألته: “ماذا شعرت وقتذاك. ألم تشعر بالاحراج من الضابطين الأميركي والبريطاني، وهما يحققان عن تعذيب العراقيين في ملجأ لا يقع بعيداً عنك؟”، قال “شكلنا لجنة تحقيقية”.

الجعفري يجتمع مع الإمام الغائب

اشتدت معارضة الكتل السياسية لوجود الجعفري بمنصبه رئيساً للوزراء، نتيجة الفوضى التي عمت العراق، خاصة بعد تفجير مرقدي العسكري في سامراء واشتعال الاقتتال الطائفي، حيث كانت الجثث تنتشر في شوارع بغداد وتجمعها شاحنات أمانة العاصمة، وبات العراق على شفا هاوية حرب أهلية دموية، في ظل الانفلات الامني التام، مما ادى إلى ارتفاع اصوات الكتل السياسية، وفي مقدمتها الشيعية، لاقالة رئيس الوزراء، الجعفري، لكنه كان متمسكاً بمنصبه. وقتذاك كنت في لندن، واتصلت بمكتبه ممنياً النفس للحديث معه وسؤاله فيما إذا سيقبل الاقالة أم سيبقى متشبثاً بالمنصب؟ لكنني لم أحظ بالحديث معه، بل تكلمت مع مدير مكتبه، خضير الخزاعي، وقال لي، إن (السيد) ويعني الجعفري، مشغول جداً بالتفكير بالموضوع، حيث طاف عليه الامام علي في المنام ثلاث مرات، والامام المهدي عقد معه عدة اجتماعات، ورئاسة الوزراء تكليف شرعي من الامام، ولا يستطيع (السيد) التخلي عنه”. بالنسبة لي صُدمت بما سمعته.. كنت أتصور أن مدير مكتب رئيس الوزراء يمزح فيما قاله عن اجتماعات الجعفري مع الإمامين علي، والمهدي المنتظر، لكنني عندما أعدت سماع الحديث المسجل، لاكثر من مرة تأكدت بانه جاد للغاية، وان تأثيرات الجعفري الغيبية قد اثرت على مدير مكتبه، وعلى رئاسة الوزارة، وانه يستخدم الأئمة الكرام من أجل بقائه في السلطة.

لكن ضغوط الكتل السياسية، واكثرها قوة كانت من جانب الائتلاف الشيعي، والكورد والسنة، اضافة إلى الضغوط الخارجية، الأميركية والإيرانية التي كانت تخشى على تشتت الصف الشيعي، ووصول الحالة إلى هاوية الاقتتال بين الفصائل الشيعية نفسها، رضخ الجعفري للتخلي عن منصب رئاسة الوزراء، حيث دعا في أواسط نيسان 2006 إلى اجتماع عاجل لقيادة حزب الدعوة استمر ساعات طويلة لبحث الأمر، وتقرر خلاله دعوة ممثلين عن التيار الصدري الذي صوت أعضاؤه لصالح الجعفري، إلى الإجتماع فتقرر إعادة الترشيح إلى قيادة الائتلاف وليس التنحي عنه، ثم فهمت الرسالة على انها تعني التنحية،  ثم حصلت أحداث متسارعة.. جعلت من التنحي أمراً واقعاً قبل به الجعفري أخيراً. لكن الجعفري اشترط لإعلان قبوله التنحي رسمياً اختيار نوري المالكي القيادي في حزب الدعوة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة والتي شكلها فعلاً في العشرين من أيار عام 2006.

unknown_1.jpg

ابراهيم الجعفري ودونالد رامسفيلد

 تصريحات مثيرة للجدل

عرف الجعفري بكثرة أخطائه في الكلام بين العراقيين، حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مثلا، مقطع فيديو يتضمن جزءاً من كلمة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري خلال مجلس عزاء الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وأشاد الجعفري في كلمته بالمواقف الوطنية للراحل جلال طالباني، مضيفًا “إنني أتمنى له الموفقية!”.

عندما فاز أئتلاف العراقية في انتخابات 2010، وحصل على 92 مقعد في مجلس النواب، وكان من المفترض تكليف اياد علاوي، باعتباره زعيم الائتلاف، تشكيل الحكومة العراقية، لكن الجعفري كان قد حصل وقتذاك على مقعد واحد وطالب بترشيحه لرئاسة الحكومة، فسألته وقت ذاك “انت حصلت على مقعد واحد وتريد ان تشكل الحكومة وترفض ان يشكلها علاوي الذي حصل على 92 مقعدا؟”، فاجاب بثقة “لكن المقعد الذي حصلت عليه انا هو المقعد النوعي، وهو افضل من 92 مقعدا”.

ويعرف عن الجعفري أخطاء كثيرة أثناء اللقاءات التلفزيونية ولقائه بالمسؤولين، كان آخرها قوله إن هناك محافظة عراقية باسم “محافظة الإرهاب”. فضلاً عن وصفه مدينة أربيل بـ”المدمّرة” التي يجب أن تمتد لها يد الإعمار!

وأيضاً قوله إن نهري دجلة والفرات ينبعان من إيران! وقصة سرجون الأكدي وذكره لبغداد أنها قبة العالم، على الرغم من أن بناءها تم بعد وفاته بأكثر من ثلاثة آلاف سنة من قبل الخليفة العباسي “أبو جعفر المنصور”، الأمر الذي تسبب بموجة سخرية كبيرة على مواقع التواصل، وغيرها كالقمقم الذي هشم زجاجة القمقم! واستعارته عبارات ألف ليلة وليلة مما جعل الامر محلاً لتندر العراقيين.

لكن أخطر تصريح لوزير خارجية بلد ما، قاله الجعفري من ان قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني أهم مستشار للحكومة العراقية، عندما أقر بان سليماني متواجد على الأراضي العراقية في مهمة استشارية بعلم ودراية وطلب من الحكومة العراقية، مشيراً إلى “الاستشارات الأمنية نمط معمول به في كثير من دول العالم ومن بينها العراق”، متابعاً: “الذي لا نسمح به هو أن تكون هناك قطع عسكريّة، ومجاميع ميليشياوية تأتينا من خارج الحدود، ولكن أن يأتي مُستشار، ويحمل روحه على راحة كفه فنرحب به”.

روداو

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com