يوم من فبراير في ميزان النخب والشارع باليمن

13 فبراير 2022
يوم من فبراير في ميزان النخب والشارع باليمن

عبدالواسع الفاتكي

كاتب من اليمن

خاضت أحزاب اللقاء المشترك حوارا ماراثونيا مع النظام الحاكم، قبل الحادي عشر من فبراير 2011م ، كان غاية حلمها ، وأقصى ما تصبو له ، سجلا انتخابيا نظيفا ، واعتماد القائمة النسبية في الانتخابات ، وتحييد الإعلام والمال العام في العملية الانتخابية ، أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس ؛  فاندلعت انتفاضة شعبية عارمة ، غادر على إثرها زين العابدين بن علي ، اتتقلت عدوى الاحتجاجات لمصر ، التي لم يثبت أمامها مبارك إلا أياما معدودة ؛ ليقم الجيش بتنحيته ، التقط الفرصة شباب 11 فبراير ، فدشنوا الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السابق صالح ، متأثرين بماحدث في تونس ومصر ، مدفوعين تحت وطأة الحاجة لإصلاح أوضاعهم ، ناهيك عن فقدانهم الأمل في إحداث تغيير في بنية النظام السياسي ؛ ليستوعبهم ويلبي حاجاتهم ، إضافة لتوجسهم من فكرة التوريث ، التي ظلت هاجسا يؤرقهم ،  ويؤرق النخب السياسية ، يؤيده سيطرة أقرباء الرئيس السابق صالح على أهم الأجهزة الأمنية والعسكرية .
لم يكن في حسبان النخب السياسية المعارضة لنظام صالح أن خروج عشرات الشباب ؛  تأييدا لاتتفاضة الياسمين في تونس.  ستتحول لانتفاضة كبيرة ، تتجاوزها وتمنحها أوراق ضغط سياسية كبيرة ، لم تكن تحلم بها ، تريثت تلك النخب ، منتظرة نضوج الاحتجاجات ، وعندما شعرت أنها في صراعها مع النظام الحاكم أمام فرصة تاريخية ، لا يمكن أن تعوض ؛ قررت الانضمام لساحات الاحتجاح .
افتقر شباب فبراير لحامل سياسي ، يتبنى مطالبهم ، ويوحد رؤاهم ، ولم يكن لديهم خبرة ثورية أو قراءة دقيقة للوضع الداخلي أو موقف المجتمع الدولي من أحداث ما سمي بالربيع العربي ،  وعندما انضمت  أحزاب اللقاء المشترك للساحات ، وأعلنت تأييدها لشباب فبراير ، سيطرت على المشهد برمته ، وتحكمت فيه ، وقدمت نفسها حاملا سياسيا ، يتبنى مطالب الجماهير في الساحات ويتحدث باسمها ويفاوض نيابة عنها .
بينما كانت أحزاب اللقاء المشترك تفاوض وتناور ، وتتعاطى مع المبادرات الإقليمية ، كانت أنصارها تعتصم في الساحات ، وتقود المظاهرات والمسيرات ، كانت تتقمص أسلوب الرئيس السابق صالح في تعامله مع الأزمات الداخلية .
بانضمام أحزاب اللقاء المشترك لثورة فبراير ، وتأييد جزء من النظام السابق لها ، فقد ثوار فبراير بوصلة الثورة ، وتحولوا لركاب في قطارها ، تقوده نخب كانت جزءا من النظام ، الذي ثاروا عليه ؛ لتتحول بين ليلة وضحاها قائدة للثورة ، وملهمة لثوراها ؛ لتتحول الثورة لأزمة سياسية ؛ انتهت بمبادرة ، أزاحت صالح من رأس النظام ، لكن النظام بقي كما هو موزعا مناصفة بين  أنصار صالح  وحلفائهم ، وأحزاب اللقاء المشترك وحلفائها ، ودخلت اليمن في مرحلة انتقالية ، عنوانها الأبرز صراع بين جناحيها ؛  أفضى لانقلاب ، قادته مليشيات الحوثيين بدعم داخلي وخارجي ، قلب ظهر المجن ، وأدخل اليمن في حرب أهلية ، وجعلها مسرحا لتدخلات خارجية إقليمية ودولية .
ذكرى الحادي عشر من فبراير باتت مثار جدل ، بين من يراها ثورة ، ومن يعدها نكبة ، النخب السياسية التي وقفت خلفها وأنصارها ،  بالطبع هي بالنسبة لها ثورة ، إذ أنها حققت من خلالها مكاسب سياسية كانت بالنسبة لها ضربا من الخيال ، كما أن فبراير منحهتا مواطئ قدم مهمة في مفاصل السلطة ، مقارنة بالفتات الذي كان يجد لها به نظام صالح، غير أن من فقد مصالحه من أنصار الرئيس السابق صالح ، والمؤدلجين سياسيا ضد أنصار فبراير يعدونها نكبة .
من المهم أن نشير للمواطن اليمني البعيد عن السياسة ومناكفاتها ،  والذي دفع ويدفع ضريبة الصراع على السلطة وصوره المختلفة ، كان تحت مسمى انقلاب أو ثورة ، هذا المواطن يحاكم نتائج ثورة فبراير ، لا أبجدياتها السياسية وأهدافها ومبادئها الثورية ، فلا يعنيه وسم ثورة أو نكبة ، بقدر ما يعنيه أمنه ،  وتحسين مستوى معيشته ، خطاب المؤمرات الخارجية ، لا يأبه له ، لاسيما عندما يجد بعضا ممن كان محسوبا على ثورة فبراير ، مثخنا بالفساد والثراء المرتبط بالسلطة ، متنكرا لكل القيم التي صدع رؤوس اليمنيين ، في التنظير لها والنضال من أجلها .
أنصار ثورة فبراير ومعارضوها ، بأمس الحاجة للخروج من المكايدات ،  وتصفية الحسابات والتخندقات اللاوطنية ، التي أسهمت بشكل كبير ، في إفساح الطريق لانقلاب 21 سبتمبر 2014م ،  نحتاج لأن نلملم صفوفنا ؛ لاستعادة وطن مسلوب وجمهورية مصادرة من مليشيات حوثية ، جعلت اليمن حديقة خلفية لطهران ، أقلها بكل وضوح ، وبمنتهى المصداقية لأنصار الرئيس السابق صالح :  كونوا عونا للوطن في سبيل الخلاص من الانقلاب المليشياوي الحوثي ، ولأنصار ثورة فبراير ، ومن تربع كرسي السلطة باسمها وبواسطتها،  كونوا رجال المرحلة ، لا ترموا بأي فشل أو عجز على شماعة التآمر ؛ لتخلوا مسؤولياتكم وتتخلوا عن واجباتكم .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com