رموز ثقافية لمنح البشرية وقاية ضدّ الشر

12 مارس 2022
رموز ثقافية لمنح البشرية وقاية ضدّ الشر

وليد الأسطل

وليد الاسطل

ستظل النزاهة دوما حلم البشرية

أحسبني في غنى عن أن أقول إن من يَضع تعريفات الخطأ و الصواب، الخَير و الشرّ، هو القويّ الغالب، لهذا السبب يقول المثل الأمريكي MIGHT IS RIGHT الّذي هو بالمناسبة عنوان كتاب ل “رنجر ريدبيرد” تكلّم فيه عن الدّاروينيّة الإجتماعيّة. و يقول المثل الآخر WINNER TAKES ALL. ولقد عَبَّرَ “دَان برَاون” عن هذه المسألة باِقتدار في فقرةٍ وَرَدَت في روايته شيفرة دافنشي:”في الحرب بين الرّموز الوثنيّة و الرّموز المسيحيّة، خسرت الوثنيّة، فأصبح رُمحُ بوصيدون الثلاثي شوكَةَ الشيطان، و قُبَّعَةُ العجوز الحكيمة المُدَبَّبَة أصبحت رمزَ السّاحرةِ الشمطاء، ونَجمَةُ فينوس الخماسيّة أصبحت رَمزَ الشيطان”.
من هنا لا أراني مبالغاً إذا قلت إن سؤالاً مثل: أين العدالة؟ سؤال غير مشروع، فالعدالة و أخواتها قيم موجودة في السماء، أما و نحن نعيش في الحياة الدنيا، فالسؤال الوحيد المشروع هو: من الأقوى؟
وقد عبر “كريستوفر مارلو” عن هذا المعنى في مسرحيته “يهودي مالطا”، من خلال مونولوج يفتتح به المسرحية، و هذا جزء منه”إن ما يجعل الملك ملكا ليس الحق، و إنما القوة وحدها، و إن خير ضمان لاحترام القوانين هو أن تكتب نصوصها بالدماء”. ثم يوضح لنا أن الكاثوليكية المتمركزة في جنوب أوربا كثيرا ما اتبعت هي الأخرى – كما يشهد بذلك تاريخ الفاتيكان – مبادىء ميكيافيلي، تماما مثل باراباس بطل المسرحية، الذي لا ضمير له، فهو يسخر مما يسمى الضمير. يقول:”لم أر إنسانا يعمل بما يمليه عليه هذا الضمير، الذي يزعم البشر وجوده”. 
“لا يوجد فن ينفذ إلى وعينا ووجداننا مباشرة وإلى أعماق الغرف المظلمة في أرواحنا ماسًّا مشاعرنا كالأفلام”.”إنجمار بيرجمان”.
هناك مشهد عبقري في فيلم “السبعة الرائعون” The Magnificent Seven حين يدور حوار بين الأشخاص السبعة الذين أتوا لحماية القرية من اللصوص وبين زعيم اللصوص كالبيرا “إيلاي والاك” فيعرض عليهم “كالبيرا” أن يقسم بينهم “بالعدل و القسطاس” ما سينهبه من القرية! فيقول له أحدهم: و كيف سيعيش أهل القرية؟ يجيب كالبيرا متوجها بكلامه إليه و إلى الجميع:”أترك لكم الحكم، هل يهتم رجال يمارسون مهنة كمهنتنا بأشياء كهذه؟! ستكون فضيحة في حقنا إن نحن فكرنا بهذه الطريقة، فلو لم يكن الله يريد لهم أن يُجَزُّوا ما كان ليخلقهم خرافا”.
يريد أن يقول: لا تأسفن على حال الخراف، فالبقاء للأقوى لأن الحياة غابة، والرحمة فضيحة بجلاجل في الغابة.
إذن هذا هو الوضع الطبيعي. القاعدة أن ينتصر مستر هايد على الدكتور جيكل، أن تنتصر المصالح على المبادىء، أن يرى القوي نفسه أكثر إنسانية من الضعيف، و أن يعتبر الشخص الجميل الشخص القبيح أقلّ إنسانيّةً منه، و الأمر ذاته ينسحب على نظرة الغنيّ للفقير، و نظرة العالم للجاهل، و نظرة المشهور للمغمور …إلخ، و دونكم الواقع و التاريخ فتأملوهما.
“وجَدتُ المدينة شجرَةً مسنََّةً هائلة، تغوص جذورها عميقا في الأرض، و تعلو أغصانها فوق الغيوم، أمّا ثمارها فَوَيلٌ و شقاء، و قد حاوَل بعض المصلحين إصلاحها، فماتوا مقهورين” “يوسف الفخري، بطل قصة العاصفة.. جبران خليل جبران”.
الانحياز للمعنى على حساب المصالح حالة شاذة في التاريخ البشري. يقول جلال -الذي كان يسعى لإقامة العدل في الحارة- في فيلم أصدقاء الشيطان: “أنا ببص لبعيد” تجيبه زينات “يا خويا بص لنفسك”. من بين الأعمال الأدبية العجيبة و الغريبة التي تؤمن بأن البشر مخلوقات لا تفعل إلا الخير إذا تركت لفطرتها، رواية “جزيرة الشعاب المرجانية” ل “روبرت مايكل بالانتاين” ، و هذه فكرة ساذجة، يغني بطلانها عن إبطالها، و قد تبناها أيضا ابن طفيل في حي ابن يقظان. 
لكن “بالانتاين” كان أكثر سذاجة، فالاشخاص الذين يقدمهم لنا في روايته، يفعلون الخير وحده لسببين، أولا لأنهم بريطانيون، و ثانياً لأنهم مسيحيون. أي أن رواية “جزيرة الشعاب المرجانية” تنطلق في الواقع من نعرة قومية دينية، كالكثير من أفلام هوليوود التي تروج لفكرة الرجل الغربي البطل الذي يهزم الشر و يؤسس لمجتمع عادل. في حين أن الغرب منذ الحقبة الإغريقية الرومانية إلى يومنا هذا يتفنن في خلق و إيجاد العدو ليتمكن من ممارسة عدوانيته و شره  و لكي يتسلط على بقية الشعوب، لهذا  صَرَّحَ “ألكسندر أرباتوف” المستشار الدّبلوماسي للرّئيس السوفياتي “ميخائيل غورباتشوف” مخاطباً الأمريكيّين “سوف نقدّم لكم أسوأ الخدمات، سنحرمكم من العدوّ”.
“ويليام جولدينج” نفى نفيا قاطعا في روايته “ملك الذباب” ما حاول أن يروج له “بالانتاين”، حيث قدم لنا مجموعة من الأطفال، والأطفال بالذات، لأننا نصفهم عادة بالبراءة، و هم بريطانيون و مسيحيون، لكن إله الذباب، أي الشيطان، الشر الذي نحاول عبثاً أن نطارده و نقتله، ينجح سريعا في السيطرة على الأطفال و توجيههم، فهو يعيش في نفس كل منهم، لذلك تنتهي محاولات الخير بالفشل، دون أن تنفع الأطفال بريطانيتهم أو مسيحيتهم. 
غادة السمان بدورها تبنت نفس الرأي في روايتها بيروت ٧٥، و يظهر ذلك بسطوع في الكابوس القصير و الأخير الذي يُروَى على لسان فرح:”حين هربتُ من المستشفى كان أوّل ما فعلت هو أنّني سرقت عن المدخل لافتتها :<<مستشفى المجانين>> حملت اللّافتة إلى مدخل بيروت، و اقتلعت اللّافتة التي تحمل إسم <<بيروت>> و غرست مكانها اللّافتة الأخرى. و انفجرت أضحك و أنا أقرأ <<مستشفى المجانين>> و خلف اللّافتة أطلّت بيروت في الفجر مثل أحشاء وحش جهنّمي يتأهّب للإنقضاض.. و عُدتُ هارِباً إلى وكري”.
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم. “المتنبي”.
لا أكون قد حدت عن موضوع المقال، و إنما أكون قد أكدت وجهة نظري إن قلت: أعلم أن الكثيرين سيخالفونني الرأي، الكثيرين من المصابين بما يحلو لي أن أطلق عليه اسم “متلازمة الهَرَم”، و الهَرَم هو تاجر مخدرات في فيلم “الكيت كات” تصدر عنه هذه العبارة “صح، بس هأنكر”، و هي جملة تعبر عن سلوك بشري أصيل، سلوك التمسك بالخطأ و ممارسته، وإنكاره حتى الرمق الأخير، و ليذهب الضمير و الأخلاق إلى الجحيم. تماما مثل “فران كوبليك” في فيلم “الشقة” The Appartement 1960 التي يكون تعليقها على المرآة المكسورة بأنها تحب أن تنظر إلى نفسها فيها لأنها تظهرها على حقيقتها. و لهذا دلالة رمزية عميقة عن تعايش فران مع أخطائها، و أنها لا تنوي التخلي عنها، ف “فران” تخادن رجلا متزوجا.
هكذا هم البشر، فما أحكم قول “زينات” في فيلم “أصدقاء الشيطان”: “طبع الناس ما لوش حل”.
أريد أن أخلص إلى الآتي: أينما يوجد الإنسان يوجد الظلم و القهر، والإنفلات والعربدة، لذا ستظل النزاهة دوما حلم البشرية المُرجَأْ.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com