رحموني عبد الكريم
باحث من الجزائر
في قرية صغيرة تحيط بها الكثبان الرملية، وغابات النخيل القوية، بَاسِقات لها طلع نضيد وجد الرجل، لحيته عامرة بالشيب، خُضبت بالحناء، فتغير لونها إلى احمرار يسر الناظرين، يلبس البياض على مدار السنة ويضع عمامة الأتقياء، الأولياء، إذا تكلم الرجل يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويسحرك بكلامه كأنه الوليد بن المغيرة أشهر الفصحاء، البلغاء، أتانا بالذبيل، فأتانا بالداهية والعجب، يتكلم عن العارفين والسالكين والمهاجرين للرحمن، ويشرح التخلية ويوضح معنى التزكية، وفي مواعظه عناوين تجذبك للإنصات والإصغاء إليها فهذه موعظة في إصلاح القلوب، وتلك في إحياء موطن الأسرار بالذكر، وأخرى إصلاح القصد مع الله، والطريق إلى الله موروث نبوي، والمباحث الستة في المعرفة، ثم صدق المعرفة وحقيقة هذا الأمر الذي ينتسب إليه السالك، المريد وموعظة أئمة الهداية.
وحول حلاوة لسانه وسحر بيانه وغزارة علمه يجتمع الكثير من شرائح المجتمع: طلاب وأساتذة، أطباء وإطارات سامية، والدهماء من الناس والبعض الأخر انتسب لهذا الرجل بدافع القبيلة وبناء على المصلحة ونسوة متزوجات رفقن الرجل في رحاله وترحاله أين ما درج وحيث ما حل حتى العنقاء التي اغرم بها الرجل كانت عينه التي لا تنام.
في بداية السلوك والتربية تزاوجت الشريعة بالحقيقة وكانت الدعوة والاستقامة « فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير » (هود الآية 112)،لكن حاد الأمر عن طريقه وزاغ السلوك عن سكته، فوجد الدجل والشعوذة واستحضار الأرواح وعمل الجان والشياطين فزاغ الشيخ المربي وادعى المهدية وبارك المريدين ادعاءه وأصبح المهدي المنتظر ، المنسوب إلى أهل بيت النبي المقامي والطيني عندهم لا يعُصى له أمر ولا يُرفض له طلب، وبدأ وفود المريدين من كل حدب وصوب يحجون له في قريته الصغيرة ويغدقون عليه بالمال والهدايا وكثرة العطايا وأضحى بيته الكعبة الشريفة.
هكذا بدأ الإمام المهدي يصول من شلغوم العيد بولاية ميلة إلى ولهصة بولاية عين تيموشنت، من عقاز والمحمدية بولاية معسكر إلى بوذا بولاية أدرار ثم تبلبلة وتندوف مرورا بولاية بني عباس ليستقر بقريته ذات الكثبان الرملية وجنان النخيل القوية بمنطقة بوحديد.
تهافت المريدون يباركون افتراء المهدي كتهافت الجراد على الخضرة، والتفوا من حوله كنحل سلك سُبل الرحيق، فقُرب أصحاب الكشوف وهم شلة من الشباب الطائش، صلاة الفجر لا يمتثلون لها فالصادق الوعد الأمين عليه الصلاة وأزكى التسليم يقول: « إنَّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يَعلمون ما فيهما لأتوْهُما ولو حبواً، ولقد هممتُ أن آمُر بالصَّلاة فتقام، ثمَّ آمُر رجلاً فيصلِّي بالنَّاس، ثمَّ أنطلق معي بِرجالٍ معهُم حزمٌ من حطَب إلى قومٍ لا يشْهدون الصَّلاة، فأحرق عليهم بيوتَهم بالنَّار. »
هل بإمكان هؤلاء الشباب المُتَثاقَل عن صلاة الفجر أن يتكشف له؟
قد يكون كشف نفوس (يعتمد على عزيمة ورغبة ) وفيه تظهر معارف عديدة عن طريق الاتصال بعالم الجن، أو ما يصطلح عليه بالكشف الروحاني، معارفه مأخوذة عن عالم الجن تستوجب العهد لمملكة الجن الروحانية فالبون شاسع بين الكشفين، الأول كشف ناري يعتمد على الجن يتم فيه إدراك العالم الناري بصور وتخيلات يستطيع العقل الإنساني أن يتعامل معها، ويفهم منها أنه يتكلم مع هذا العالم ومنه ما يكون خيالات فقط، ومنه ما يكون أصوات، ومنه ما يكون خيالات وأصوات، والثاني كشف رباني يستقم بطهارة القلب الذي يحبذوه أرباب السلوك والعارفون بالله.
مع هذه الكشوفات الروحانية صدق الرجل أنه المهدي المنتظر في لقاء عقاز بولاية معسكر، ومع هذه الضلالات و الكشوفات النارية المتصلة بعوالم الجن والمردة من طرف كاتب وحي المهدي والشباب المتثاقل عن صلاة الفجر بدأ الانحراف والزيغ والبدع وظن صاحب اللحية الحمراء أنه الأمام المهدي الذي يخلص العالم من الشرور ويملأ الأرض عدلا بعد ظلم و جور.
.
عذراً التعليقات مغلقة