وليد الأسطل
(رؤيا، أن يذوب، في انتظار النور)
رؤيا
****
لستُ مُتَطَلِّباً
لا أُريدُ من الحياةِ
سوى ورقةٍ،
قلمٍ، و قَبضَةٍ مِنْ خيال
صفحاتِ روايةٍ، أقلِّبُها
كأمواجٍ بيضاءَ
تصطدِمُ مبتسمةً،
مُتلاشِيَةً بالضّفّةِ الأخرى
مِنَ الكتاب
أفكارٍ محلّقةٍ فوق رأسي،
كطيورِ النّورسِ،
بأصواتِها البحرِيَّةِ الشّجِيّةْ
تفجِّرُ في كيانِي،
ثورةَ اللّامحدودِ
على المحدود
اِنتصارَ الدّاخِلِيِّ
على الخارجِيِّ
في معركةِ المعاني
ثائِراً لِنفسِهِ
مِن وراءِ قضبانِ الجسد
صائِحاً
ما أظلَمَ سجنَ الفقيرِ لِلغنِيّْ
أنا كوْنٌ مضغوطٌ
في كبسولةِ الجسدِ الغبِيّْ
يتساءَلُ الشَّاعِرُ
مَنْ أكون؟
أعرّافٌ أنا
أم مجنون؟
آخُذُ مِنْ كلِّ شيءٍ
سِرَّه
ثُمَّ أُذِيعُ على المَلإِ
أمْرَهْ
أسرِقُ مِنَ
الفَرَحِ قِشرَهْ
وَ مِنَ الحُزنِ
عُمْقَهْ
ألمحُ صُوَراً واضِحةً،
و غائِمةْ
كَعَجوزٍ تنظُرُ
مِنْ نافِذةِ منزِلِها
ساعَةَ الغروب
أُحاوِلُ معانَقةَ
سِعَةِ المدى
كشَجَرَةٍ
فضحَها الخريف
فَفَرَدَتْ أغصانَها العارِيةَ
كطَيرٍ جارِحٍ
يُريدُ الإِنقِضاضَ
على فريسَتِه
كَكَهْلٍ
يُحاوِلُ معانَقَةَ
أفراحِهِ الغارِبةْ
معَ حبيبَتِهِ الهارِبَةْ
أُبْصِرُ
زُقاقاً باريسِيّاً حزيناً
يَبكي سُيّاحَ الصّيفِ المُنصَرِمْ
أرى وجوهاً
شرقِيَّةً حزينَةْ
كَمَنبوذَةِ الفصلِ الدَّمِيمَةْ
أرى شرقاً شاحِباً
كفِنجان ارْتَسَمَتْ
على قَلْبِهِ
تَجاعيدُ القهْوَة
يستَلقِي إلى جِوارِهِ،
هيكَلُ تُفَّاحةٍ خضراءَ،
أكلَها صاحِبُ الدَّارِ المُقامِرْ
فِنجانٌ
مكسورُ العُروَةِ
مُشَوَّهٌ
وَحِيدْ
لا أنِيسَ لَهُ
سوى أشباحِ البيتِ المُعذَّبَةْ
الباحِثَةِ عن الرّاحَةِ الأبدِيَّةْ.
أن يذوب:
*******
حَنَّتْ إلى عذابِها في القَلْب مشاعِرُ الحُبِّ التي أَصبَحَت قصائِدَ مُهمَلَة؛ فَكيف لها أن تَعُود؟
بَعدَ رَحِيلِهَا لَمْ يَعُدْ صاحِبُها يَشعُرُ بِقَلْبِه.. يقولُ:
سَأُدَفِّئُهُ بِالشِّعر!
وَ هَل يُدَفِّئُ رَجُلَ الثَّلْجِ قَمِيصُ صُوفْ؟!
لا يُدَفِّئُهُ إلا شيءٌ واحدٌ:
أَنْ يَذُوب.
في انتظار النُّور
**************
عندما يأتي اللَّيل؛ تُصبِحُ المدينةُ كَعكَةً مِنَ الشوكولا السَّوداء،
و تُصبِحُ مصابيحُها شموعاً!
أتساءلُ: عيدُ ميلادِ مَنْ؟! أنا لا أرى أحداً؟!
عندما يأتي اللَّيل، يَنَامُ الجميع، وَ تَصحُو المدينةُ راهِبَةً في جِلْبَابِهَا الأَسْوَد..
تُشْعِلُ أضواءَهَا؛ فَتُصبِحُ أيضاً المَعْبَد!
أتَساءلُ: بِماذا تدعُو المدينَةُ و هي تَتَعَبَّد؟!
لا أَعرِفُ الإجابةَ إلّا حِينَ يَسْتَيقِظُ الجميع، بعد أن ترجعَ
المدينَةُ مدِينَةً كَسابِقِ عَهْدِها، حِينَ تُطفِئُ أَضواءَها، و تنام..
لَقَد نُزِعَ عنها جِلْبَابُها الأَسْوَد.
النصوص خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة