أتركوني لوجهي الآخر
عبد الحفيظ بن جلولي
شاعر من الجزائر
نظر في المرآة
تبسّم كعادته
تحسّس نتف لحيته
نسي المقص هذا الصّباح
اكتفى بشدّ الشّعرات الطويلة
رمى جسده على الكرسي
أشبع فنجانه سكّرا
ووجهه ربّما كان يقرأ ابتسامة وداع
علّق عينيه في المصباح
وتبسّم..
فرح في الرّوح تقافز
آخر موعد مع الجسد
آخر ابتسامة في وجهٍ بالمرآة،
معطوب بشعرات تفاوتت في الطول
نصف ابتسامة
ونصف وجه يخنقه الحزن
لم يعرف كيف يفسّر ابتسامته للمصباح
كان شخصه الآخر يبزغ
شمس الظّهيرة لا تعرفه
حاول خنق نفسه
أيضا كان يسمّي موته
مآلا إلى الله
أتركوني لوجهي الجديد
أنا لست لكم
لا تجعلوني أحب الحياة مرّة أخرى
لا أطيقها
ليست على ما يرام
كل شيء يسير عكس عقارب وجهي الجديد
ماذا هناك؟
ماذا تخفون عنّي؟
أجيء من ضفّة العشق
أعرفها
لكنّها في خطر
الفتاة التي تجيء بين يدي
مفعمةً بالكذب
ربّما لا تحبّني
لكنّي أريدها
بين رِجْلَيّ ومسار التراب
هذا المدى الذي يرفضني
وهرج أصدقاء انفرطوا من حولي
كانوا فقط يلعبون وظلّي
يرسمون على حلمي أطياف ضحكاتهم
التي لم تكن من “الحبّ”
عند بوّابة المسرح
كانت الفصول تتوالى
والستارة تنسدل مرّة تلو الأخرى
ونحن قابعون على الرّصيف
نرخي الصّمت في نبض الحديد
القطار المتتالي في مغادراته
المحطة قريبة من المسرح
والقطعة الموسيقية
عزفتها عجلات “كوراديا”
لكن المسرحية لم تبدأ بعد..
وأمعنّا في الانتظار إلى أن بزغت شمس النّهار
لا يمكن للممثل أن يغادر قناعه
إنّهما شكلا وجهي الجديد،
أمام مرآة الصّباح القديم
أقول وداعا
إن أسعفني الموعد
سأرسم لكم شكل المأساة
أبرهن على أنّها حدثت
ويقيني لم يكن وهما
المدينة تنبت من هواجسي
وحبّ أبي يلعن غضبي
وأمّي شحب وجهها
مضى في الزّمن بند اللحظات
بروتوكولات الوقاية من وبال الوباء
طحين الجدّة حين تشربها الأمكنة
ويشطّ بها الجدل
وتشتهي طبق كسكس للعام الجديد
أزمنة المرض
والسّرير الذي رأيته
مذ أغرقني الوقت في رحم الحياة
رأيتها..
تمدّني في المنام
بحلاوة من فنجان بلا سكر
أفقت
وبيدي الفجر
وعلى يميني نبتت مئذنة
وصمت كأنّه الثلج يلد صقيعا…
القصيدة خاصة لصحيفة قريش -ملحق ثقافات وآداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة