الطفل الفيلسوف .. سؤال الوعي في الثقافات الغربية

11 يونيو 2022
الطفل الفيلسوف .. سؤال الوعي في الثقافات الغربية

رحموني عبدالكريم

كاتب من الجزائر

الطفل الفيلسوف بين إثارة التساؤل ووأد السؤال

شهدت الآونة الأخيرة في المجتمعات الغربية تنمية روح المساءلة وتشجيع الطفل على التفكير والقانون العقلي، الذي قال عنه هيراقليطس اليوناني «يجب أن يقاتل الناس من أجل اللوغوس أو القانون العقلي كما لو كانوا يقاتلون دفاعا عن أسوار مدينتهم» فدافعت النخبة الفكرية في الغرب على الحكمة الفلسفية للطفل كهيكل شامل، تحظى فيه مكتشفاته المتفرقة هنا والمحيط الخارجي الذي ينتمي إليه هناك، في حين المجتمعات العربية وأدت الحكمة اللوغوسية التي أقام لها أفلاطون عمارة خاصة ذات  طوابق عدة من تأمل ونقد، تساؤل وبناء، تحليل وتركيب وفلسفة عامة تقيم التماسك في مجموع مجال الخبرة الإنسانية. 

الطفل الفيلسوف: 


لم أر فيلسوفا كالطفل يثير السؤال، ينظر من حوله، يتأمل الكون، يعمل العقل في كثرة الكلام والمقال، دائم الأسئلة الكثيرة العميقة،ولا يقنع بالإجابة السهلة البسيطة، ولا يحب الاستخفاف ولا التبرم الظاهر، يعشق الأجوبة الواضحة المقنعة، يولد الطفل مبدعا، مسكونا برغبة الاكتشاف والمعرفة وتحدي المجهول، يولد حرا من قيود الأفكار الجاهزة، القامعة المحبطة، يطرح الطفل أسئلة كثيرة ويحاول دائما اكتشاف العالم المحيط به، وقد يكتشف ذاته كذلك، إذا قارنها ونبهها بهذا العالم الخارجي ، وبقدر التساؤل تنمو قدراته الإبداعية، ففلسفة التربية إذن تضمن التفكير الفلسفي للطفل ولقد وفى جون ديوي هذا الموضوع حقه في كتابه ( تربية اليوم )، فهو يعتقد أن التربية المجدية الحق، هي نتيجة إثارة قوى الطفل عن طريق مطالب الظروف الاجتماعية التي يعيش فيها، « هو إعداد الطفل ليصبح قادراً على ضبط حريته وعلى استعمال قوته في التعليم. »[1]

الطفل ووأد السؤال:

 ما أن يلج الطفل باب القسم في المدرسة العربية، ويجلس في الصف أمام المدرس و وينخرط في المدرسة، يتلاشى السؤال، وتقتل الإرادة، ويتم استئصال المهارة الزائدة، وفي مدارسنا العربية، يروض هذا الطفل الفيلسوف على التلقين وحشو الذهن، ويعطل تفكيره النقدي، ويلقن أنه متخلف بالفطرة، لا يصلح إلا للقمع « فخطيئة الفلسفة أنها تستقطب طريق العقل فتبلغ به غاية مداه، وهو أمرٌ لا تستروحه إلاّ النفوس المتفتحة، وتعافه النفوس النافرة عن عقولها!. تلك هي الوقفة التي وقفها المعارضون إزاء هذا الفكر.»[2] فتبخر حلم الفتى الفيلسوف، وسقطت مقولة كارل ياسبرز الألماني« أيقنت أنني أقف أمام فيلسوف حقيقي.»

يقول الفيلسوف الألماني كارل ياسبرس: « سألني مرة طفل في الرابعة من عمره عن سبب خلق الكلاب، أجبت باستخفاف وتبرم ظاهر لحراستنا من اللصوص، فقال: هل اللصوص أشرار؟ فأجبت بنعم دون اهتمام، بغية وضع حدا لسيل الأسئلة الجارف، سكت الصغير هنيهة ثم عاد ليسأل من جديد، إذا كان اللصوص أشرار، فلماذا خلقهم الله؟ »

سؤال يطرح مشكلة فلسفية ليس لها حل، فالطفل يولد فيلسوف، يحاور وينقد، يفكر ويتأمل، ويواجه زيفنا نحن الكبار، ويعري جهلنا، لكننا منعنا السؤال، قتلنا الفيلسوف بداخله، قمعناه، خنقناه، بامتلاكنا الحقيقة و المعرفة، وادعائنا الأجوبة الصحيحة اليقينية، فحين يستفسر محاورنا الصغير في حجرة التعليم، يلقن بالترغيب والترهيب، فنحن الأشرار، ونحن اللصوص اللذين سطونا على سؤاله.

قائمة المراجع:

  1. روني وبير: التربية العامة، ترجمة: عبد الله عبد الدايم، دار العلم للملايين، بيروت، طبعة ثالثة سنة 1977 .
  2. جعفر آل ياسين: المدخل إلى الفكر الفلسفي عند العرب، دراسة في التراث، دار الأندلس، طبعة أولى سنة 1980 .

كاتب من الجزائر.


[1]  روني وبير: التربية العامة، ترجمة: عبد الله عبد الدايم، ص: 23 . 

[2]  جعفر آل ياسين: المدخل إلى الفكر الفلسفي عند العرب، دراسة في التراث، ص: 114 . 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com