رحموني عبد الكريم
لست أتردد لحظة إذا قلت أن الكتابة ميكانيزم الحياة، ونبض الكاتب في لحظات التجلي الإبداعية، لحظات إخراج فعل الكتابة على شكل نصوص وروايات، قصص ومسرحيات، أشعار ومقالات من دائرة الكتمان والتستر إلى دائرة البوح والتصريح وليس فعل الكتابة مجرد فكر بلا زمن ومكان، بل يستدعي المدة الزمنية التي ينبثق فيها والمكان الذي يوجد فيه فلولا الأماكن وأطلالها ما كتب الشعراء وما ألف أبو القروح « قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ » وما استطاع فنان العرب محمد عبده أن يصدح بالغناء « الأماكن كلها مشتاقة لك، كل شيء حولي يذكرني بشيء » فالمكان دافعا قويا للكتابة والتأليف والزمن المحرك القوي لفعل التأليف والكتابة، لهذا اليراع تنفيس ليعبر عن كل لحظة إبداعية جميلة في الزمن الذي عايشه المؤلف وقداسة المكان الذي ألهم الكاتب أن يفصح عن مكنوناته النبيلة لتظهر للقراء في شكل كتابات تستشعر القارئ، الشغوف بمخاطرة القراءة النقدية.
إننا نعيش مع القلم، نميزه عن بقية الأقلام المبدعة الأخرى برمزيته ومفاهيمه، بناءه وأدواته، أفكاره ودلالاتها، لغته وأنساقه، وظيفته وكلماته التي تنبثق من وجدان الكاتب، وتتحقق عن طريق امتلاك ناصية اللغة « هذه القوة السحرية التي تكمن في اللغة – و لتي تقوم كون اللغة تستبدل بالواقع ذاتها حين تحيل ما تسميه إلى شيء واقعي موجود- هي أيضاً أساس كل نميمة مثلما هي أساس كل إطراء.»[1]
يعيش الكاتب في عالم الكلام ؛ وقد يكتسي الكلام التعبير والبوح والانفعال أو التستر والكتمان وبين هذا وذاك تنزع الذات المفكرة الواعية إلى تخريجه عن طريق كتابات وإبداع نصوص مثيرة مشوقة للقراء ما انفكت متعة الأنس والاستئناس تنقضي إلا واليراع مطر مدرار من مفردات حبر سودت بياض الورقات، آبى اليراع يقذف بها، يملأ الصفحات، تغشي الكلمات القلم تطلبه حثيثا. أنه عشقاً للكتابة، يبدع الكاتب “العاشق” أشكالا مميزة؛
في الميزة يؤسس المبدع ملكته الرمزية التي تمتلك دلالات قد تجد القارئ الواعي بهذه الرمزية، ينفتح على لغة المبدع ويشعر بخطورة اللغة وما تحمله من شمولية؛ شمولية التفكير الحر المرتبط بالتساؤل الذي يؤسس للتجربة الإنسانية؛ تجربة المبدع، المفكر في الإنسانية جمعاء والمعتنق للإنسان أين وجد وفي كل مكان « ومن هنا يمكن القول أني وقلمي نستطيع الرحلة معاً بعد أن تنازل كل طرف عن حق كان يعتز به، ولكن مادام الاتفاق قد وقع فالأمر يحتاج إلى مراجعة، ومن هنا أستطيع القول أن الموافقة بين دافعه ورغبتي سيتولد عنها سلوك طبيعي وقع فعلاً في فترة معينة وسط دائرة زمن معين يرضى عنه المجتمع. »[2]
وما بالي أتحدث عن الكتابة والقراء في مجتمعنا؟ إذا كان حظ القراء من الكتابة وقراءة النصوص في عصرنا قليل، لكن لا يمنع ذلك القلم بل يجب عليه أن ينادي الإنسان المبدع ويدعوها للوجود رغم استقامة الرأي ومتعة القراءة« فهذا ما ليس يصنعه إلا الفكر، ذلك الجوهر الخالد الذي لا مكان له ولا زمان، والذي لا قرابة أقرب منه بين إنسان و إنسان.»[3]
قائمة المراجع:
- ميخائيل نعيمة: الغربال،الطبعة الخامسة عشرة سنة 1991 ، مطبعة نوفل، بيروت- لبنان.
- نكولا غريمالدي: الرغبة والزمن، المطابع الجامعية الفرنسية، باريس سنة 1971 .
- جابري محمد: حديث عصا، الطبعة الأولى سنة 1983، دار البعث، قسنطينة، الجزائر.
كاتب من الجزائر.
[1] نكولا غريمالدي: الرغبة والزمن، ص: 426 .
[2] جابري محمد: حديث عصا، ص: 09 .
[3] ميخائيل نعيمة: الغربال ، ص 05 .
عذراً التعليقات مغلقة