« ليس وحده في الجب .. » : عناصر نسق الكتابة والحكي

7 يونيو 2022
« ليس وحده في الجب .. » : عناصر نسق الكتابة والحكي

عبد النبي بزاز

عبدالنبي بزاز

ـ المغرب

اسمهان الزعيم

تنماز قصص « ليس وحده في الجب .. » للأديبة المغربية أسمهان الزعيم بوفرة نوعية من عناصر وموضوعات قصصية تمنحها سمات إبداعية جلية في جنس القصة القصيرة التي تمثلت مقوماتها ، وخَبِرت إوالياتها الجمالية ، ومقصدياتها الدلالية بحس تجريبي ، لا تعوزه مَلَكة الخلق والابتكار ، أفرز نصوصا تنم عن مقدرات فائقة ، وكفايات لافتة تجاذبها التكثيف والاختزال في قصص ك « قطعة حلوى » ، و« رحيل» ، والسعة والرحابة في نصوص مثل « حكيم » ، و« أرق الحبال » . ونظرا لطبيعة المقاربة ، وغنى وتنوع قصص المجموعة فسنقتصر على ملامسة جوانب مثل : الجنس القصصي ، وأنماط المجاز ، والمحتوى المعجمي ، ونسق الحكي والكتابة .

ــ الجنس القصصي :  ويمكن حصره في القصة القصيرة من خلال محددات كمية ونوعية تستجيب للشروط الفنية من مقومات  حكي يروم الاختزال والتكثيف كما في نصوص ( عند قمة السلم ، ورحيل ، ووله ) ، أو الطول والاستفاضة في مثل ( صعلوك ذو شأن ، والمهماز)، وقد برعت القاصة وأبدعت في نحت أشكال قصصها دون الإخلال بما يستدعيه المتن القصصي من تدرج وانسيابية يكسبان عنصر الحكي تناغما وتكاملا على مستوى الصياغة والدلالة.

ـــ المـــــجــاز : وهي السمة الطاغية على قصص الأضمومة مما يكسبها نسقا إيقاعيا في قصة« أعاشق أنت ؟ » : ” واللهم كم أنا عشقان .. بل ظمآن إلى علكته بعد الإفطار … ومخدة رخوة بعد العشاء بعيدا عن قلاقل الإنس والجان .. ” ص 21  ، وتعبيري في مثل : ” فانثال من بين حناياه شلال مسرة عارمة ” ص 25  ، وبجمالية أرقى وأدق : ” ثم رسم بين أحداقها مرجا تتهادى أعراشه كمناديل غيمة السماء ” ص 41 ، ليتطور التشبيه في نصوص أخرى ، ويرتفع منسوب  حسن تعبيره : ” واضطربت دواخلها كيم رجت أعطافه ريح عتية … ” ص  10، فينتصب اليم والريح كطرفي تشبيه ( مشبه به ) زاخرين بحمولات رمزية وبلاغية ودلالية ، أو في نص « من ذلك العلو » حيث ينحو التشبيه منحى إيقاعيا : ” كأنما يدوزن على رناته خرير الأحلام . ” ص  15، في استيحاء من حقل « فونوتيكي » لصوت المياه ( خرير) وتدثيره لتجليات الأحلام بغلالة تنضح شفافية ، وترشح رهافة ووضاءة . وما يعدو ينتقل إلى الزمن محددا في المساء بسمات يتداخل فيها اللون بالتشبيه : ” وأقبل قرمزيا كشفاه صبية .. ” ص 151 بتقاطع لزمن «فيزيقي » في شوط نهايته ، وزمن بشري تستغرقه فصول البداية ( صبية ) تجسد بداية العمر ومقتبله . مجاز بصيغ متنوعة ومتعددة ليس بمكنة هذه الورقة المقتضبة الإحاطة بجل مكوناتها وامتداداتها .

 ـــ المحتوى المعجمي :  ويتوزع بين لغة تراثية كما في قصة « رحلة شهباء » ك ” قطع بين الفلاة والفلاة مسافة يومين وليلة على ظهر ناقته الصهباء ، وحين لاحت له تقاسيم الواحة الغافية خلف الكثبان الرملية عند انبلاج الصبح ، انتشت نفسه بشدو خفي … ” ص 61، وأخرى حديثة : ” ضغطت على زر محول القنوات ” ص 69 ، و” لجأ إلى استعمال كل وسائل التواصل المتاحة من الهاتف إلى الواتساب إلى صفحات التواصل الاجتماعي وهلم جرا… ” ص 23 ، و” سنتناول سويا آيس كريم .. ” ص 35 ، مما ينوع من لغة المتن القصصي ، ويغنيها لتغدو أكثر انفتاحا ، وأدق تعبيرا.

ـــ نسق الحكي والكتابة : يتساوق فعل الحكي والكتابة ويتكاملان انطلاقا من خلفية الساردة الإبداعية، والتي يعتبر الحكي جزءا أساسيا وثابتا محوريا داخل نسق الكتابة فيها لما يخلقه من أشكال  قصصية ذات طابع مختلف ومنزاح : ” وأطل السارد من بين أعطاف الحكاية فألفى القارئ مذهولا من وقع النهاية … ” ص 31 ، حيث تنعتق الحكاية من ربقة خطية القص وتدرجه بخلق حالة من ( ذهول) لدى القارئ مربكة أفق انتظاره ، ومخلخلة منظومة توقعاته ، فيغدو السارد جزءا من مكونات الحكي وليس ما سكا بخيوط وقائعه ومشهدياته وذلك من خلال رسم أشكال سردية مغايرة تصير معها عملية الحكي شاذة عن النمطي المألوف متوسلة باستخدام الفكر عبر اجتراح أسئلة تروم إنضاج التجربة الإبداعية ( قصة قصيرة ) ،وما يستلزمه ذلك من تؤدة و اختمار ، وهو ما يطلعنا على مؤشراته ومفاتيحه نص « اختمار» : ” كيف يشرع بوابة الحكي وكيف يعرج بكياسة إلى صلب الموضوع … ” ص 151 ،وهو ما لا تفقد معه الحكاية قيمتها وجاذبيتها الإبداعية والجمالية : ” ينتظرون عودتي وكلهم شوق لمعرفة تتمة الحكاية !” ص 113 ،وما تلهم به السارد من عشق للحكي وشغف بطقوسه ، وما يتولد عنها من وله ورغبة : ” وما كاد يصل إليها حتى أخذته نشوة الحكي … ” ص 113 ، وما يخلفه من أحاسيس حبلى بالغبطة والعشق لدى المتلقي : ” وكانت تتلقف حكاياته بذهول وقد أخذه الصمت إلى مرافئه البعيدة… ” ص 133 .

كما أنه لابد من الإشارة إلى ما تحفل به قصص الأضمومة من تضمين في شقه الديني  ، وما يستلهم  من عبارات  النص القرآني في مثل قصة « على مرمى هودج » : ” ربوع حياة على عروشها خاوية . ” ص 53، أو في وصف لهبوب الريح : ” فجأة هبت ريح صرصر عاتية … ” ص 127 ، في إحالة لسورة « الحاقة » ، وشقه الإبداعي بذكر أعلام في مجال الشعر  كأحمد شوقي ونزار قباني : ” فشزر بنظراته الساخرة أحمد شوقي … وحملق هازئا بنزار قباني .. ” ص 29 ، أو ميدان الطرب كعبد الحليم حافظ : ” والعندليب الأسمر يدوزن الكلمات ويصولج المقامات … ” ص 165 .

ف « لم يكن وحده في الجب .. » للروائية والقاصة أسمهان الزعيم مجموعة قصصية بطابع إبداعي غني ومتنوع  يؤسس لأفق سردي عبر زخم من  أدوات وعناصر وموضوعات  مختلفة ومغايرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ الكتاب : لم يكن وحده في الجب ..( قصص قصيرة) .

ــ الكاتبة :  أسمهان الزعيم .

ــ المطبعة : كوثر برانت ـ الرباط /  2019  .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com