هل نصدق انّ تنظيم داعش إيراني وليست سعودياً؟

7 يونيو 2022
هل نصدق انّ تنظيم داعش إيراني وليست سعودياً؟


: الدكتور نزار محمود


نعيش نحن العرب والمسلمين في منخفض، لا أريد أن أسميه مستنقعاً، تجمعت فيه مياه مختلفة في درجات نظافتها وطهارتها. هذا المنخفض حفرته سنين من التخلف الاجتماعي والثقافي والضعف الاقتصادي والسياسي، فتحول الى مكب للنفايات وحفرة لتجمع مياه المجاري والسيول المتعددة.وفي مثل هكذا بيىء تنمو من الديدان والطحالب ما تهوى اليها افواه الحيوانات المفترسة وحتى الأليفة، ومرتعاً لكل من هب ودب من أعداء وصيادين ومتربصين ومخبرين ومخربين ومن باحثين عن ما  تحتويه تلك الحفرة من لؤلؤ ومرجان كذلك!
حكايتي اليوم عن ما يصدر هنا وهناك من أمر علاقة طهران الشيعية الاثني عشرية غير العربية، وبين حركات القاعدة وداعش السنية السلفية الجهادية المتطرفة، التي تكفر فكر ولاية الفقيه والامامة.

انه لمن المنطقي أولاً التعجب عن ما نسمعه من ان ايران الملالي هي من شارك في تأسيس كل من القاعدة وداعش ودعمتهم وما تزال لأغراض مختلفة، سأتي الى الاشارة لها. هذه الآراء تعمل على دعم حججها بواسطة أحداث ومواقف يمكن أن يقرأ منها ما يدعم ذلك، أو من خلال تصريح لجهة امنية اجنبية، أو حتى لقاء مع شخصية يشوبها الغموض في هويتها، أو تحليل يتوسل ربط احداث ببعضها.
نحن ننسى أو نجهل أو نتجاهل أحياناً ما تقوم به دوائر ومراكز المخابرات والاستخبارات من أدوار، متناقضة أحياناً، لبلوغ غاياتها. وبهذا المعنى علينا ان لا تخدعنا مواقف أو تصريحات هذا وذاك في الحكم على الامور اذا اردنا توخي الحقيقة من جهة، والتعامل مع الواقع من جهة أخرى.فايران لها أهدافها التوسعية المعلنة والمزينة بشعاراتها الدينية وواجبها بتصدير الثورة الاسلامية الشيعية، فكيف بها اذن تقوم على رعاية أفراد وقيادات من القاعدة وداعش ذات التوجه السني المتطرف؟ازاء هذه الحال يجب ان لا ينتابنا التعجب. فعمل الدوائر السياسية والأمنية يتمثل، أحياناً كثيرة، بطيف من الألوان المتناقضة، من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها، سالكة طرقاً منطقية وأخرى تبدو غير منطقية، أحياناً مشروعة وأخلاقية، وأحياناً أخرى غير مشروعة ولا أخلاقية. فاجهزة المخابرات تتعامل مع الأحمر والأخضر، ومع الشريف وغير الشريف بمفهوم اخلاقنا العامة. كما انها تتخذ من أعداء أصدقاء، اذا ما اقتضت الضرورة، وقد تغدر وتضحي باصدقاء وعملاء لها حين تحكم عليها اخلاقيات عملها.ولما كانت ايران تعيش حال مخاض سياسي وعقائدي، ولها من الأهداف ما يدفعها لتبني سياسات معقدة وملتوية أحياناً كثيرة،  فانه لا يستبعد انها تتبنى سياسات مزدوجة تجد في دعم خصومها في حال عدم استهدافهم المباشر لها، طالما كان أولئك الخصوم في صراع مع أعدائها، او على الأقل ضد من تدعي.ولعل المجالات التي نشطت فيها كل من القاعدةو”الدولة الإسلامية” داعش، في العراق وتحديداً في المناطق التي تقطنها الغالبية السنية، وتحاشيها تقريباً لمناطق سكن الشيعة، اضافة الى ما قامت به في بلدان عربية واسلامية سنية أخرى، ما زاد من الشكوك حول دعم ايران لكل من القاعدة وداعش، أو على الأقل يفسر علاقتها بها وموقفها منها.وقد يذهب البعض الآخر في تفسير موقف ايران من القاعدة وداعش بالعلاقة مع ما تقوم به في داخل العالم العربي السني أو في الخارج تمشياً مع مقولة: فخار يكسر بعضه! أليست كل من القاعدة وداعش على خلاف وفي تناحر مع النزعة والرؤية القومية العربية، وهو ما يتفق تماماً مع نزعة الطائفية الخمينية!

أليس من مصلحة طهران الطائفية تأجيج الخلاف والصراع بين القاعدة وداعش من جهة، ودول كالسعودية ومصر العربية السنية مثلاً، من جهة أخرى؟
انّ من يقرأ بتمعن تاريخ وممارسات وكالات الأمن والاستخبارات الأمريكية، على سبيل المثال، أو حتى السورية سيقف على العجب العجاب!! ان مثل هذه الأساليب والسياسات لا ينبغي ان تكون حكراً لها، وانما يمكن ان تمارسها مؤسسات أمنية واستخبارية اخرى ومنها الايرانية.
انتهي من طرحي هذا الى اننا يجب أن لا نكون ضحية سهلة لخداع البعض من ناحية، ومن تصريحات البعض الآخر في الجهة المقابلة، من ناحية أخرى، وأن نقرأ ونسمع ونشاهد ونحلل بوعي وفطنة وتأن، كي لا تؤذينا السذاجة ولا يأخذ منا الجدل وطول الحديث الزمن الثمين، ويحفر بيننا الخنادق أو يعمقها!
برلين، ٦/٦/٢٠٢٢

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com