المعطف ..قصة قصيرة للكاتب الجزائري أحمد بن قريش

10 يوليو 2022
المعطف ..قصة قصيرة للكاتب الجزائري أحمد بن قريش

أحمد بن قريش

كاتب من الجزائر

                                                   المعطف                                                        

قفز السيد في الثلج. و بقي زمنا يبصر الي العربة  تغادر المكان. قد ارتسمت بسمة عريضة في وجه السائق بعد ما قبض الروبل.

ثم نزع السيد قفازتيه وعدل ذيل معطفه.

كان هنالك قرب الحائط – مازال الثلج يسقط دون انقطاع –طفل صغير ، بساقيه العاريتين، ينظر اليه منذ حين…

  -يا صغيري أهذه  بطرسبرغكم؟

-إنها بطرسبرغكم ، سيدي…

  -أنا غريب، قالها السيد، اود ان أقول إنني روسي و قد أمضيت وقتا بألمانيا…

-ألا تهطل الثلوج بألمانيا؟

ضحك السيد ثم قال: أوه… تهطل..

-ما كنت أظن، سيدي.

-ما هو اسمك، يا صغيري…

-فيدور، سيدي.

-فيدور، ألا تستطيع أن تريني عند من سأقضي ليلتي هذه؟

-عند ناسطازيا، سيدي.

-وكيف الحال عند ناسطازيا، يا صغيري…

-هو فندق يبيت فيه الغرباء.

-أهو بعيد من هنا؟

-غير بعيد، سيدي.

نفض السيد معطفه الكبير كما يفعل غراب بريشه المنقط ثلجا ثم انتصب: أتستطيع أن تريني طريقي، يا صغيري؟

كانت ساعة الغروب على مدينة بطرسبورغ وكانت ندف الثلج تلمع بياضا ناصعا شفافا.

مر بهم طنبور بثقله.

ثم عجوز. كانت تمشي ببطء.

هتفت: نيكولا؟

. -هو نفسه، قالها الصغير

عدلت العجوز خمارها علي رأسها ثم تقدمت من الطفل.

-أمن اجل الارواح عاد بيننا؟

اهتز السيد بمعطفه الكبير الشبيه بثوب كاهن.

-هيا بنا… قال الصغير و تقدم.

إنه نيكولا… إته نيكولا… كانت العجوز تصرخ الآن وبدأت النوافذ تنفتح الواحدة تلوى الأخرى.

في الأمام كان الطفل الصغير يمشى بخطوات خفيفة. 

وكان السيد، تحت ثقل معطفه، يتبعه بصعوبة.

-مازال بعيد… تمتم السيد؟

لفحته هبة ريح قوية في رقبته  حتي احمر أنفه. 

-منذ زمن وأنت ترتدي هذا، سأله الطفل الذي كان يمشي قدامه دون أن يلتفت.

– ماذا؟ قال السيد.

-المعطف.

-ماذا به المعطف؟

-من المانيا؟

-لا من هنا؛ معطف روسي؛ بدلته في القطار بشيء أخف منه.

في بعض من الزقق كان الاثنان ينغسان في خليط من الوحل و الثلج.

وصلا أخيرا عند ناسطازيا.

دق الصبي الباب. انفتح.

تسلل السيد نيكولا و فيدور داخل صالة كبيرة. صالة مستطيلة بجدارين فيهما نافذتان تؤامتان متقابلتان و في طرف الأيمن مدفأة و في طرف الأيسر باب صغير.

القى السيد نيكولا معطفه على كرسي كان في الوسط  ثم خطا أكثر من عشرين خطوة حتى وصل قرب الموقد. فقعد القرفصاء على حذاءه المطاطي و بينما كان يفرك يديه بين السنة النار تسأل من الذي فتح الباب وكيف لهذا الشخص إن هو شخص عبر كل هذه المسافة في رمشة عين وتبخر من هذا الباب.

فجأة التوى أنف السيد نيكولا. فاستدار كلية. 

لا الصبي. ولا المعطف. جرى نحو نافذة.

في الثلج المصفر تحت إنارة فوانيس الشوارع كان معطفه يبتعد جارا كميه.

هكذا، هكذا، رفع السيد نيكولا عينيه نحو سقف لطخه السخام و مشى عدة أمتار ثم استلقى على ذاك الكرسي. فكر أن فيدور الصغير روح حية جدا ثم ضحك طويلا متناسيا البرد والتعب.

فقال بين أسنانه: على كل حال لن يخرج من تحت هذا المعطف.

أحمد بن قريش (1952

متخرج من معهد البترول الجزائري

عملت بالصحراء الجزائرية حتى التقاعد

لدي هنا بالجزائر كتابان بالفرنسية في القصة القصيرة: “السراب” و”مرساة-غاطسة

وفي الخارج نشرت لي “إديليفر” ديوان شعر: “رماح المطر” وديوان ترجمة لقصائد فرنسية : “قصائد مترجمة” و رواية: “انسجام عشائري

أنشر من حين لآخر على صفحات الجرائد والمجلات العربية والفرنسية  الشعر و القصة والترجمة

Les Ecrits, Revue Des Ressources , Algérie/Littérature/Action ,  Actualités de l’Emigration , l’Horizon ديوان العرب ، أصوات الشمال، أدباء الشام، ايلاف، بيت الشعر اليمني، الميادين ، كتابات هي بعض من المجلات والجرائد التي أتعامل معها.

Abahmed314@gmail.com

العنوان: قرية عين أعلام – بلدية الذرعان – ولاية الطارف – الجزائر

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com