سميرة رامي قاصة مغربية..( قصة قصيرة) الخيمة الكبيرة والأبله كيري

9 سبتمبر 2022
 سميرة رامي قاصة مغربية..( قصة قصيرة) الخيمة الكبيرة والأبله كيري

يوم بالخيمة الكبيرة

سميرة رامي

سميرة رامي

قاصة من المغرب 

عندما ولجت القاعة لأول مرة تخيل إلي أن العدد يفوق مخيلتي ولربما التخطيط لم يحصي إلا ما كان بهذه القاعة…والتي كانت قد شيدت على شكل خيمة كبيرة تعبيراً من المنظمين على سعة الصدر لهذا التنظيم واستقطابه لكافة الشرائح بجميع حيثياته…وعجبـــاً أنّي ظننت أننا اجتمعنا واتفقنا على كلمة واحدة…

الكل يتهافت ليلج هذا المدخل واصطففنا هناك بين شبابيك رصدت لهذه العملية وتتعالى الأصوات كل له معارفه واتصالاته يخرج لينادى على اسمه… 

رأيت أصحاب الحقائب وهي تدخل باحترام ويعملون لها ألف حساب فلها اسما معروفاً أو تعرف عند البعض…أما الباقي… فقد خصص له باب آخر بشبابيك وأناس لا يدخلون حتى يتأكدوا من هوية الشخص… تذكرت آنذاك مدخل باب سبته أو ما يسمى بالديوانة حيث نصطف في ممر طويل ينتظر الواحد تلو الآخر حتى يتأكدوا من هويته وينظرون إليه نظرة تحمل أكثر من معنى… نحن… وأنتم … فيسمح له بالدخول ويتنفس الصعداء…

وهذا ما حصل لي حين دخلت أول مرة مع أناس لم يسبق لي أن التقيت بهم، لكني رأيتهم كأني أعرفهم ،أريد أن يشتغل عقلي بسرعة لأتذكر… لقد رأيتهم بالشاشة الصغيرة هذا المسؤول الكبير عن كذا وذاك مسؤول آخر دخلت معهم وكانت هناك وفود تتكلم باللغة الأجنبية… أجمل ما يعجبني في الأجانب إن أنت نظرت إليهم أو كنتم بنفس الملتقى، تستقبلك ابتسامتهم وتواضعهم… أما الياباني ما تكاد ترمقه بنظرة حتى ينحني ويجمع كلتا يديه احتراماً لك… إنه من بلد أصيل… صرت خطوات بين الوفود حتى وصلت لباب صغير حينذاك طلب منى هويتي التي لم أتلقاها بعد فكان لا بد لي أن أرجع القهقرى وعدت للباب الثاني والذي خصص لأمثالي الدرجة الثانية…

يعلو الهتاف والنشيد ينقطع لتقديم بعض الالقاءات المدرجة في الجدول المخصص لها في اليوم الكبير…

ما أثار انتباهي هي التقبيل …..والاحتضان ما أجملك يا وطني بالأحضان يا وطني….  

الكل يعرف بعضه وكان لقاء للالتقاء بهذه الحميمية وكأنه الوداع الأخير…أكاد أحس بفرحة تنتاب الواحد عندما يجد أحداً كان قد عرفه في ما مضى وربما له حاجة من أجلها يحضنه… أو هذا ما خيل إلي…

لم أصدق هذا الكم الهائل من الصور والفيديو ،حتى إذا ما مر ّأحد من الحاضرين من الذين لهم اسم  يعرف ويظهر بين الفينة والأخرى بالشاشة الصغيرة تهافتت نحوه أناس كثيرون يريدون أخذ الصورة معه وهناك من يضع يده فوق كتفه يا لها من جرأة.. يبتسم رغم أنفه ويمل من أخذ الصور ويعلو وجهه احمرارا إنها لحظة سأم وملل لا تقدر…ربّما يكره نفسه لأن صورته جعلته يضل متسمراً لدقائق يحسبها ردهاً من الزمن ما أصعب أن تحمل نفسك علي ما تكره… ليتباهى آخرون بالوقوف بجانبه إننا لانستطيع الوصول لمستواهم ……. إلا إن كانت كفاءتنا تؤهلنا، أفكارنا، مستوانا، أخلاقنا…أين هي الهمم العالية والأنافة العربية…

أين كل هذا وأين الجرأة للقاء ما لديك من معارف..؟ هذه الجرأة التي أوصلت لا ماكن قد لا يستحقونها، هناك من له من المؤهلات ما تمكنه من تخطي العقبات وإلقاء كلمة منمقة ذات مغزى لكنه تخونه الجرأة في إلقائها ويخونه الوجه… فتنحبس أفكاره بداخل مخيلته قد يحالفه الحظ ويلقيها في ميدان للشعر أو النثر أو مع جمع بسيط من أصدقاءه المقربين.

آه ثم آه من الهواتف المتنقلة كانت تعمل بشكل يفوق الخيال لا يخلو أحد من حمله الهاتف على أذنه ويترك الأذن الثانية تستمع لما يلقى من عروض…

وعندما صعدت القطار عائدة لمنزلي حاملة معي أفكارا كثيرة…كانت قصة كيرى ابن الحي المحمدي الفكرة التي رسخت بذاكرتي. كانت لكيرى قصة بسيطة .

كان كيرى تبدو عليه علامات التشرد، ويحمل ثياباً رثة، يعربد لكنه لا يؤذي أحدا. ينظر إليك نظرة كلها شفقة ولسان حاله يطلب منك معروفا دون أن يقوى لسانه على طلب شيء ما ويأبى كبرياؤه أن يمد يديه ويتسول رغم كونه في أمس الحاجة لبضعة قروش أو خبز ليسد رمقه فإن أنت مددت له درهماً أو اثنين أخذهم  في خجل وتنحى…

أقام أحد سكان الحي ليلة فاخرة بالأكل والشرب ونصبت لذلك خيمة كبيرة وفرشت السجادات والكراسى وأضواء كثيرة ..فالكل مدعو إلا المتشرد كيرى … لم يكن من بين المدعوين…

أراد كيرى أن يلج الحفل فرفضوا أصحابه إدخاله ورموه خارج الخيمة… فما كان من كيرى إلاَّ أن أناط السجاد والكرسي وجلس فوق الأرض، وقال لأصحاب الحفل الذين رفضوه: أنا جالس بدربنــا، وعلى رصيفه سأبقى، ابحثوا عن مكان لكم بعيداً عن حينا فأنتم الدخلاء ولست أنا، أنا ابن هذا الحي وابن المدينة… كانت هذه عبارة متشرد… ويقال في إحدى الأمثال إن الحكمة أو كلمة الحق لا ينطق بها إلا الصغير أو الأحمق… 

القصة خاصة لصحيفة قريش –  ملحق ثقافات وآداب – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com