: النقيب مهندس رضا يوسف أحمودى
تونس
عدت لقراءة مجلاّت الماضى ووجدت فيها من المتعة والإفادة ما لم أجده فى مجلاّت الحاضر.
تحت عنوان “ماليزيا … التسامح جوهر الحضارة” نشرت مجلّة العربى الكويتيّة بقلم السيد ابراهيم المليفي مقالا مطوّلا عن ماليزيا (عدد 208 بتاريخ 2009).
يعترف الكاتب بأن البلد الجيّد يقع استكشافه خلال فترة قصيرة … زار ماليزيا فى اواخر التسعينات وفى زيارته اليوم لاحظ ان تطوّرات كبيرة حصلت فى البلد بعد ان تحوّلت الى بلد سياحيّ خدماته لا تقلّ عن خدمات الأجوار كتايلندا مثلا … مطار تنزل فيه وتقلع 70 طائرة فى الساعة الواحدة ليربط البلد بأكثر من 100 محطّة رئيسيّة فى آسيا.
الاستنتاج : صناعة السياحة لا تتطوّر بدون مطارات كبيرة و”سماء مفتوحة” تسمح للطيران العالمى بالنزول دون قيود تخدم مصالح أقليّة تتمعّش من السيطرة على أهمّ مرفق تواصل بالخارج.
شجّعت ماليزيا السّياحة بثقة كبيرة فى حصانة الهويّة المحليّة التى يخشى عليها كثير من المحافظين العرب الذين يجهلون بأن السائح القادم إلينا يمكن أن يتأثّر بنا أكثر من أن نتأثّر به إن توفّرت الإرادة وفي عالم مفتوح يحكمه قانون العرض والطلب فى الأفكار والمعتقدات والعادات والتّقاليد.
يكتب الكاتب ان برجي بتروناس وتوين تاور بالعاصمة كوالا لمبور أصبحا أعلى برجين فى العالم (88 طابقا) بعد سقوط برج التّجارة العالمى وفيهما تأجّر مكاتب تجاريّة عالميّة بمبالغ باهظة … مع تحديث شامل للمدينة أصلح بنيتها التحتيّة وشبكة المواصلات.
الاستنتاج : زيادة على دوره فى الحفاظ على العقارات يقرّب البناء العمودى بين مختلف المكاتب والمصالح بما فى ذلك من ربح للوقت واجتناب للتنقّل والزّحام فى الشوارع دون نسيان البعد الجمالى لهذه النّاطحات التى عادة ما تكون تحت اشراف معماريين عالميين… اصلاح البنية التحتية فى المدن الكبرى وكذا طرق المواصلات يؤدّيان الى سرعة انسياب الموجات المرورية بكلّ ما يعنى ذلك من ربح للوقت وتسهيل للخدمات.
كتب الكاتب عن فرصة مشاهدة سلطان البلاد وهو يشرف عن انتقال السلطة الى رئيس الوزراء والحزب الحاكم وفق الدستور … الملك ينتخب من بين تسعة سلاطين لمدة 05 سنوات بشكل دورى فى بلد فيدرالى به 13 ولاية.
الاستنتاج : نظام سياسي يمتاز بالبساطة والفاعليّة بعيدا عن الغموض والمؤامرات والجدل العقيم … كبر مساحة البلاد جعلت قادتها يختارون النظام الفيدرالى الذى يمكّن الجيهات من تسيير ذاتها دون حكم (فرق بين الحكم والتسيير) فى ظلّ نظام مركزي قويّ مسيطر على السّلطات التنفيذية وحاكما بما يشرّعه القانون.
يخطّ الكاتب ان جولته داخل العاصمة جعلته يتعرّف عن القوميّات الثلاثة الرئيسيّة بالبلاد وهم الملايو(60 فى المائة) والصينيون (30 فى المائة) والهنود (10 فى المائة) مع انتشار دور العبادة لمختلف الدّيانات … كانت العلاقة متوتّرة بين القوميات عهد الاستعمار الانجليزى الذى لغّم تركيبتهم الاجتماعية والاقتصادية : أجبر الملايو وهم الاغلبية للسّكن فى الريف وزراعة الأرز وأسكن الصينيين فى المدن لممارسة التجارة وترك للهنود وظيفة جمع المطّاط … طبقا لهذا التقسيم أصبح الصينيون هم الاغنى والملايو المسلمون الأفقر … بعد الاستقلال اهتدى عقلاء السلطة الى الحل وهو عدم طرد الصينيين ومنح الملايو والهنود فرصة جمع الثروة والعمل على تقسيم السلطة بينهم مع بناء نظام تعليمى عصري يخدم وطنا يتّسع للجميع … مع تجريم المساس بالعقائد المختلفة ولو على سبيل المزاح.
الاستنتاج : تجنّد وسعي من البداية فى بناء دولة الجميع مهما كانت اعراقهم واديانهم وقطع الطريق أمام المفتّنين الذين يسعون الى الخراب وإلهاء الناس وإضاعة وقتهم فيما لا ينفعهم ويضرّهم … الماليزى يفكّر دولة قبل ان يفكّر حزب او جماعة او جمعية او منظّمة.
يضيف الكاتب : في الازمة المالية العالمية التى اصابت الاقتصاد العالمى أتّخذت مجموعة من الإجراءات مثل تحديد قيمة العملة الماليزية مقابل الدولار الأمريكى ثمّ منع تداوله ثم اعطى رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد رجال الاعمال مهلة بثلاثة أشهر لإعادة أموالهم بالدولار الماليزى من الخارج والاّ اعتبرت اموالهم غير شرعية … فى الأسبوع الأوّل من تلك القرارات دخلت ثلاثة مليارات دولار الى ماليزيا من سنغافورة فقط.
ونظرا لانخفاض قيمة الدولار تم تقليص الاستيراد الى الحد الادنى الا الضروريات مع الاكتفاء بما يوفّره السوق المحلّى … تمّ اعطاء البنوك الصغيرة قروضا للاندماج مع البنوك الكبرى مع امتناع الدولة عن اخذ القروض ورفع قيمة الفائدة على الودائع وبذلك استطاعت ماليزيا مواجهة الازمة بأسلوبها الخاص رغم كثرة الانتقادات الخارجية والدّاخلية.
تمّ تشكيل لجان لمحاربة الفساد الاولى كانت فى حزب أمنو الذى يمثّل الحزب الحاكم والثانية فى الأئتلاف الحاكم واللّجنة الثالثة لجنة عامّة لها القدرة على استدعاء اكبر مسؤول في الدولة بمن فيهم مهاتير محمد نفسه … تمّ وضع نظام قضائى به محكمة خاصّة للإختصام من الملك والسلاطين وابناء الأسر الحاكمة.
الإستنتاج : كل الاجراءات المذكورة ساهمت فى تحصين الاقتصاد الماليزى وبالتالى منع الدّولة من الإنهيار… رضي الشعب بأن يضحّى برفاهيته فى فترة زمنية متوسّطة مقابل ضمان عيش كريم لأبنائه وهذا ما هو محقّق اليوم.
بشجاعة نادرة من أكفّاء وببرنامج طموح وواضح وبعيدا عن الشعوذة السياسية والشعبويّة الشعوبيّة المقيتة تمكّنت ماليزيا من تبوّإ مكانة هامة جعلتها ضمن أقوى عشرين اقتصادا فى العالم … بنظام سياسيّ عمليّ وعمليّاتيّ حافظت عن السّلم الإجتماعى بهويّة محليّة محافظة تجمع هويّات القوميات المتعدّدة التى يفرض عليها قانون الدولة احترام الأديان والمعتقدات.
قوّة ماليزيا فى تركيزها على جبهتها الداخليّة دون عدوانية للخارج.
أكثر من جهاز خارجيّ مشبوه حاول اختراقها لكنه فشل … وآخرها محاولة اختطاف شخصية علميّة فلسطينية.
رفعة الفكر والأخلاق يصنعان العجب… وصفاء القلوب يجمع الناس لتحقيق هدف واحد … وهذا مفقود مع الاسف فى أكثر من دولة.
sad.ser@hexabyte.tn
عذراً التعليقات مغلقة