خمس سنوات على الرحيل ..
محطات في حياة د. حسين نصّار
عبدالجليل الشيخ
فاصلة: في حوار مع شيخ المحققين العرب، قال:” الحياة متغيرة باستمرار واللغة التي نستخدمها اليوم غير اللغة التي كان يستخدمها القدماء، وما دامت اللغة متغيرة فنحن بحاجة إلى معاجم جديدة، فيجب أن يكون لدينا معاجم للتلاميذ ومعاجم للمهندسين ومعاجم للبيولوجيين، معاجم للمصطلحات العلمية، ولعلماء الاجتماع والطب والأدب مثل معجم المصطلحات الأدبية للدكتور محمد عناني ومعجم النفيس لمجدي وهبة..إلخ. وهذا يختلف عن لغة الكلام التي هي متطورة دائما”. (مجلة البيان،رابطة الأدباء الكويتيين في 2016.04.03م).
المولد و النشأة :
أبو أيمن حسين محمد نصّار، أديب، لغوي، معجمي، محقق، مترجم. وُلد في مدينة أسيوط في 25 أكتوبر عام 1925م، و عاش فيها طفولته. حيث التحق بالكُتاب لتعلم القراءة و حفظ القران الكريم. و من ثمّ الالتحاق بالدراسة النظامية حتى حقق الشهادة الثانوية بتفوق في القسم العلمي. و يعود الفضل الى أبيه – كان الابن الوحيد لأبويه -، الذي آثره بالاهتمام والعناية فدفعه إلى التعليم ، وحفَّزه على الاستمرار في الدراسة.
أحب القراءة بتشجيع من مدرس اللغة العربية للستة الثالثة إبتدائي الذي أنشأ مكتبة صغيرة في المدرسة. و تم صقلها في الثانوية من قبل المحقق الكبير محمد أبوالفضل ابراهيم. الذي فتح له الطريق الى مكتبة بلدية أسيوط، و ما فيها من الكتب و العلوم الشرعية و التاريخ و الدراسات اللغوية و الأدبية.
الإسكندرية كبوة جواد :
أغترب الى مدينة الإسكندرية في عام 1943م، حيث التحق بكلية الطب في جامعة فاروق الأول (الإسكندرية حالياً). و ذلك على نفقة الدولة بعد فوزه في مسابقة وزارة المعارف (أنذاك) في اللغة العربية. فكانت كبوة جواد ، حيث غادرها الى القاهرة بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، و كانت الإسكندرية في مرمى نيران الألمان . و مع هذا ظلت رغبته في الطب تلاحقه حتى حققها في تعليم أبناؤه: الدكتور أيمن(أسـتاذ في طب بنها)، و الدكتور ياسر (أستاذ في طب قصر العيني) .
القاهرة و أفاق المستقبل :
التحق بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول(القاهرة حاليًّا). و كانت تعج بكوكبة من الكفاءات في كل التخصصات أمثال: طه حسين، وأحمد أمين، إبراهيم مصطفى، شوقى ضيف، محمود الخضيرى، مراد كامل، عبدالوهاب عزام، محمد كامل، أمين الخولى، ومصطفى السقا. و حصل ليسانس الآداب 1947م بمرتبة الشرف الثانية.
العمل بالاذاعة المصرية و درجة الماجستير:
عمل مذيعاً بالإذاعة المصرية أيام عبد الوهاب يوسف رئيس قسم المذيعين وعلى الراعى كبير المذيعين و أنور المشرى المذيع الأول. و من زملائه أنذاك: صفية المهندس ، تماضر توفيق وعواطف البدرى. و حينها تقدم لدرجة الماجستير بأطروحته :” نشأة الكتابة في الأدب العربي”، و انجزها في عام 1949م بإشراف العلامة المحقق أستاذ النحو مصطفى السقا (1895-1969م).
العمل الأكاديمي و درجة الدكتوراة :
عمل في كلية الآداب معيداً بعد حصوله على الماجستير. و كان هدفه اعداد أطروحة عن ابن الرومي، لكن رضخ لرؤية استاذه السقا ، الذي إصدارها لاحقاً بعنوان المعجم العربي.. نشأته وتطوره”. من أوائل البحوث؛ الَّتي عنيت بتاريخ المعجم العربي، و أغزرها مادّة . و يُعتبر من أهم المراجع عند الباحثين في اللغة العربية. حيث كتب عنه الراحل د. مصطفى السقا المشرف على الأطروحة:”أول بحث من نوعه في اللغة العربية”. كما قال:” لم يقم أحد فيما اعلم ، بتأريخ شامل للمعاجم العربية ، مجموعة في نسق تفصيلي، على منهج علميّ، قبل صاحب هذا البحث”. و حين إصدار المُعجم، تم إهداؤه والده :”إلى أبي”. صاحب الفضل الأول الذي حفَّزه على الدراسة. و كان نصّار وفياً مع الذين ساهموا في طباعة الكتاب في مجلدين، حيث أجزل الثناء على رجل الأعمال السعودي حسن الشربتلي الذي تكفل بطباعة الكتاب على نفقته الخاصة.
قام بتدريس أدب مصر الاسلامية، و أنجز العديد من الدراسات حتى أصبح “أستاذ كرسى” سنة 1969، ثم رئيسا لقسم اللغة العربية 1972م. و أصبح وكيلاً لكلية الأدب للدراسات العليا والبحوث،في سنة 1975م . كما تم انتدابه ليكون رئيسا لأكاديمية الفنون .
تولاه بالرعاية و التوجية المعنوي، و علمه أصول التحقيق حتى حصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى في عام 1953م عن رسالته العلمية المعجم العربي. تم
أصدقاؤه:
عاصر في كلية الآداب كوكبة من الأصدقاء الذين صاروا نجوماً وعلى رأسهم: عبدالحميد يونس، وشكري محمد عياد، ولطفي عبدالبديع، ويوسف خليف، وآمال فهمي، وناصر الدين الأسد، وإحسان عباس، وشاكر الفحام، وعزالدين إسماعيل، ونعمان طه، وعواطف البدري.
تلاميذه :
د. وفاء كامل – عضو مجمع اللغة العربية، أول امرأة تشغل هذا المنصب -، عوض الغباري من جامعة القاهرة، وعبدالخالق محمود من جامعة المنيا، و محمود الربداوي من سورية، و من السعودية فهـد سنبل ، يوسف بكّار من الأردن. الذي كتب عنه نصّار:” تلميذي الدكتور يوسف حسين يكّار، صاحبني شوطاً بعيداً. أعدّ الماجستير تحت اشرافي في” اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري” ثم الدكتوراة . فكان نعم التلميذ تحديداً لما يبغي، و تصميماً على ما يريد ، و فهماً للنصوص القديمة”.
و كانت رسالة الدكتوارة التي أشرف عليها نصّار، و حازها بكّار بمرتبة الشرف الأولى عنوانها:” بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث “.
و قد أجتمع الأستاذ و التلميذ في عام 1986م في محراب جامعة قطر. حيث كان بكّار أستاذا فيها منتدباً من جامعة اليرموك. و جاء اليها نصّار أستاذاً زائراً بقسم اللغة العربية بكلية الإنسانيات و العلوم الاجتماعية بجامعة قطر. و ألقى محاضرة ثقافية – مع التراث العربي -، التي أقيمت في الفاتح من ديسمبر 1986م في الجامعة. كما شارك في الندوة الثقافية المسجلة للتلفاز القطري من نفس العام، حيث كان بكّار المشرف على ندوة “اللغة العربية و الإبداع”، و شارك في الحلقة الشاعر و الدبلومسي السوري عمر بهاء الأميري.
مؤلفاته :
حسين نصّار، شخصية موسوعية، أنجز خلال مرحلة التلمذة بين يدّي استاذه السقا و ما بعدها ، عدداً من الأعمال، حيث باكورة تحقيقاته في مجال التراث ديوان “سراقة البارقي” عام 1947، ثم توالت الدواوين التي حققها مثل: ابن وكيع التنيسي (1953)، عبيد بن الأبرص (1957)، جميل بثينة (1957)، قيس بن ذريح (1960)، الخرنق بنت بدر بن هفّان (1969)، وظافر الحداد (1969). وغيرها من الدواوين. و حقق الجزء الأول من معجم (المحكم) لابن سيده (1958) بالمشاركة مع آخرين، والجزأين: السادس، والثالث عشر من معجم (تاج العروس) للزبيدي (1969، 1974)، الذي نشر ضمن سلسلة التراث العربي في الكويت. كما حقق معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية(6 مجلدات)، الذي نشرته الهيئة العامة للتأليف والنشر 1971، وطبعته دار الكتب في ستة مجلدات عام 2002م.بالإضافة الى كتب كتبا تراثية منها النجوم الزاهرة في حلي حضرة القاهرة، لابن سعيد الأندلسي. المختار من الموشحات، لمصطفى السقا.. و ولاة مصر، رحلة ابن جبير. الوقف على «كلا» و «بلى» في القرآن، لمكي بن أبي طالب القيسيي الجزء الثامن من مختار الأغاني، لابن منظور. رحلة ابن جبير. ولاة مصر، للكندي
و له دراسات وترجمات كثيرة لعدد وإعجاز القرآن: الفواصل، وفواتح سور القرآن ، والقسم في القرآن الكريم ، و معجم آيات القرآن، فهرس تفصيلي مرتب على حروف الهجاء. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1965م. وكتب غريب القرآن ، اصدار مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.من أبرز أعمال المستشرقين، وله الكثير من المؤلفات منها 9 كتب مترجمة منها كتاب تاريخ الموسيقى العربية إلى اللغة العربية. و كتابان حول نشرة الكتابة الفنية في الأدب العربي. و أهتم بالدراسات القرآنية في أخريات حياته ، فاصدر الناسخ والمنسوخ في القرآن ،
مناصب خارج الجامعة :
عمل رئيساً في الجمعية اللغوية المصرية. و رئيساً في الجمعية الأدبية المصرية. و كان عضواً في الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العلمية ، لجنة الدراسات الأدبية و اللغوية في المجلس الأعلى للثقافة. ومقرر المجلس القومي والآداب والإعلام واتحاد الكتاب، الإشراف على مركز تحقيق التراث بدار الكتب.
الجوائز :
حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب 1968م. جائزة الملك فيصل العالمية في الآداب 2004م.
جائزة الرئيس مبارك في الآداب 2006م.
وفاته :
وافاه الأجل صباح يوم الأربعاء ١١ ربيع الأول ١٤٣٩هـ الموافق ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧ م. تاركاً وصية لأبنائه بأن تهدى مكتبته بالكامل الى جامعة اسيةط بعد وفاته. و كان قد أهدى جزء من مكتبته جزء من المكتبة بمساعدة تلامذته. رحل بصمت أول من ألَّف في متن اللغة ونشأته وتاريخه (كتابه المعجم العربي) لم يدخل مجمع اللغة العربية . هذا المعجم الذي أصبح بصمة علمية لا تفارقه في حياته و بعد مماته.
رحل و ظل المُعجم بين أيدّي أهل العلم و المعرفة .
عذراً التعليقات مغلقة