إسرائيل تهتز بفدائي واحد

28 يناير 2023
إسرائيل تهتز بفدائي واحد

د. عماد الدين الجبوري

في اليوم الذي زف فيه الفلسطينيون 12 شهيدًا، جراء الهجوم البربري الذي شنه جيش العدو الإسرائيلي على مخيم جنين، نفذ المقدسي الشهيد الشاب خيري علقم خيري (21 عامًا) عملية فدائية في شرق القدس، مساء الجمعة المصادف 27 من الشهر الجاري، على مستوطنة النبي يعقوب، ليوقع برصاص مسدسه 7 قتلى و10 جرحى من مستوطنين وحاخامات قرب كنيس وسط الحي الاستيطاني، وحاول الانسحاب بسيارته، لكن الشرطة وصلت إلى المكان فاشتبكت معه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، رحمة الله عليه.

وقبيل أن ينفذ الشهيد علقم عمليته الفدائية، كتب على حسابه في تطبيق “تيك توك” ما يلي: “يا نفس إن لم تُقتلي فموتي، ونحن لا نرفع أيدينا إلا لله، ولا نسجد إلا لله، ولا نسمع إلا من رسول الله”. 

وهذه العملية التي هزت الكيان الصهيوني وأربكته، إذ أنها الأكبر منذ عام 2008، ما دفعت برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يقطع زيارته في واشنطن ويعود هرعًا فزعًا متجهًا إلى موقع العملية، الذي وصفها بأنها “هجوم قاس ومن أصعب ما شهدته إسرائيل خلال السنوات الأخيرة”. وأضاف أنه جمع أجهزة الأمن كافة في جلسة تقييم للموقف، وتم اتخاذ قرارات بشأن إجراءات فورية عدة. 

وفي هذا الصدد، توعد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير برد قوي وبتغيير الأوامر المنظمة لإطلاق النار. أما وزير الدفاع يوآف غالات، الذي عاد مع نتنياهو، أصدر أوامره بحماية المستوطنات والاستعداد لأي تطورات ميدانية أخرى. وجلبت قوات العدو الإسرائيلي كتيبة إضافية في تعزيز فرقة الضفة الغربية بناء على تقييم الوضع.

إن المشكلة المزمنة التي تعيها إسرائيل لكنها لا تريد التسليم بها، بأنها مغتصبة لأرض شعبها أصيل التجذر فيها، وأن استخدام القمع والقتل والتهجير بحقهم من جهة، وجر بعض الأنظمة السياسية العربية للتطبيع معها من جهة أخرى. فإنّ ذلك لا يؤدي إلى الاستقرار والأمان وفق التخطيط الإسرائيلي ونفوذها الدولي عبر الحركة الصهيونية العالمية. إذ أن الحل الواقعي لهذه المشكلة المزمنة، وفي أقل تقدير، تطبيق إسرائيل إلى قرارات “مجلس الأمن الدولي”، والتجاوب الإيجابي مع “مبادرة السلام العربية”، والتخلي عن “اتفاقيات إبراهيم” أو غيرها من المخططات التي تهدف إلى خدمة وديمومة الوجود الإسرائيلي على حساب العرب وأرضهم. 

إنّ ما تحققه إسرائيل عبر النفوذ والضغط السياسي الغربي على بعض الأنظمة العربية، فإن نفسية وعقلية العربي رافضة كليًا إلى هذا الكيان الدخيل على أرضه وتاريخه. ومثلما اندحرت الصليبية من فلسطين بقوة الجيوش العربية، فكذلك ستندحر إسرائيل مهما امتد العنصر الزمني، أنها حركة التاريخ التي لا يبقى فيها راسخًا إلا الشعوب الأصيلة الثابتة على أرضها عبر مراحل ومتغيرات وتطورات التاريخ نفسه.

ومن الحقائق الواقعية التي تدركها إسرائيل جيدًا، هي التطبيع مع مصر، فمنذ عام 1979 ولغاية اليوم لم تحقق هدفها المنشود تجاه الشعب المصري، الذي ما زال بأغلبيته رافضًا لهذا العدو المغتصب للأرض العربية والقاتل للشعب الفلسطيني. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن، فبالرغم من التطبيع مع إسرائيل عام 1994، فإن الأردنيين عندهم الموقف ذاته تجاه الكيان الصهيوني. لذلك، كان العاهل الأردني الملك حسين متيقنًا من هذه الحقيقة، عندما قال عن معاهدة السلام مع إسرائيل، بأنها صُلح بين الحكومات.

ومن هذا المنطلق، فإن التحرك الإسرائيلي بالتطبيع مع دول عربية أخرى، فإن بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي استضافتها قطر بكل نجاح وجدارة، فالصدمة المريعة للكيان الصهيوني، أن المواطنين العرب كلهم رفضوا رفضًا باتًا التحدث مع البعثة الإعلامية الإسرائيلية في العاصمة القطرية الدوحة، فكانت نكسة مخزية للمراسل الإسرائيلي، وحقيقة ساطعة تدحض الادعاءات الصهيونية بأن التطبيع حقق الاختراق الشعبي، ما جعل بعض السياسيين في إسرائيل أن يلقوا باللوم على الحكام المتطبعين بأنهم كذبوا في نقل الصورة عن حقيقة موقف شعوبهم.

عود على بدء، فإن العملية الفدائية التي نفذها الشهيد علقم، الذي أذاق الإسرائيليين العلقم الحنظل، فإنها حلقة نبراس جديدة تضاف إلى سلسلة الكفاح المسلح بأيدي فردية أو فصائلية في مسيرة طريق التحرير، فالمسألة الراسخة والقناعة التامة عند الفلسطيني وعند كل عربي أصيل، أن صراعه مع إسرائيل يخص الأرض والدين والتاريخ، وإذا ضعف النظام الرسمي العربي في هذه المرحلة من مواجهة العدو الصهيوني الغاصب، فإن إرادة وعزيمة عموم الشعب العربي من محيطه إلى خليجه لن تنكسر ولا تندثر مهما اشتدت عليه صروف الدهر، ويكفي أن عملية فدائية فردية هزت الكيان الإسرائيلي، وهي بين الأدلة الساطعة على أن المستقبل للأصلاء لا الدخلاء والعملاء.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com