رسالةٌ إلى أخي في بغْداد
في ذكرى احتلال العراق مارس 2003
عبدالناصر الجوهري
شاعر من مصر
لا تأسفْ
لو نهبوا المُتْحفْ
لا تأسفْ
لو سرقوا حضارةَ ما بين النَّهرين،
المخْطوطاتِ “المسْماريَّةَ”،
والحلقاتِ التُّلموديَّة..
فالألواحُ اسْتُلبتْ ؛
لتُحرَّفْ
لا تأسفْ
لو نقلوها للأرشيف التَّوارتيِّ لديهم،
حين تُوثّقُ كلَّ عُهود السَّبيِّ..
عصاباتُ التَّهريب المُتطرِّفْ
قد تمحو الآثار َ،
وتنقلُ ملْكيتها ،
وتُبدِّلُ في الأحرفْ
ليس مُصادفةً؛
أنْ تُمْحى مِنْ فوق الجُدْران هزائمهمْ
والتاريخُ الكاذبُ منْهم نتلقَّاه
ليس مُصادفةً
لو مرقوا؛
وأزالوا السَّبْيَ المنْقوشَ ،
البارزَ فوق جداريَّةِ “بابلْ “
تركوا الأبوابَ بلا أقفالٍ؛
لولوج المأجور القاتلْ
فالنِّفْطُ تباكى
حتى انفطرتْ عيناه
وسوادُ الشَّام توارى
حين أصرَّ ” قُريْشيٌّ ” أنْ يتولاه
من أحضَرَ جنّيًّا “ماسونيًّا “
لا يقدرُ أن يصْرفه
حين يفرِّقُ بين بيوتِ الله
“إبليس ” مِنَ الجنِّ،
مِنَ العصْيانِ عرفناه
الجنُّ مِنَ النَّارِ اسْتُحْضر،
والنارُ إذا أكلتْ تلْتهمُ الأخضرَ واليابسَ،
من ذا استدعى قرْنَ المأساةْ؟
ماذا يجْمعنا في العيش المُشْترك الآن؛
سوى وطنٍ بايعناه ؟
الجنُّ تلبَّس حين نراه
نيرانُ “المارينز ” بــ مقْبرةٍ “لسلام الوادي “
حتما للقتلى ستخلِّفْ
تدعو شركاتِ المُحْتل الأمنية
في سفك دماء المدنيينْ
وضحايا القصف المنْسيينْ
لا تأسفْ
أكْشاكُ حراسةِ ” كركوكَ ” ..
تغازلُ في نوبتها قمرًا
وتخافُ مِنَ الليل النازحِ أنْ ينزفْ
فــ نوافيرُ شوارعِ حىِّ ” المنْصورِ”
امتلأتْ حُزْنًا لا ينشفْ
سوق “المُتنبِّي ” اكتظَّ المارةُ فيهِ،
لأجل الكتب ،
الشِّعْر ؛
مجلات تراثي المُرهفْ
شرْبةُ ماءٍ لـــ ظماءِ حُسيْنيَّاتي لا تُسْعفْ
“شطُّ العرب” اشتاق “لكرْمته “
مثل التاريخ نجا
لم يتحرَّفْ
وفواختنا لو سقطتْ برصاص قراصنةٍ
تُمْعنُ في القتل ،
وتُسْرفْ
لن تهرب من بين فضاءاتِ بداوتها
قد تتعثر في مشيتها لو سقطتْ
ثمَّ تعاود ثانية
و ترفرفْ
فستعلو ،
وتغنِّي
فوق مذاهب ثأْرٍ أجوفْ
يا لفراسةِ “دجلةَ” ..
يا لمواجعِ قلب الشُّعراء المُرهفْ
لا تأسفْ
حول النَّارِ.. سنشربُ شايًا بالنِّعناعِ،
ووسط أناشيدِ الغُربةِ..
نرشفُ ما نرشفْ
فالألفاظُ توارثها “الجاحظُ “؛
لو دقَّقتُ طويلًا
في خوص الأسْقُفْ
فإشاراتُ مرورِ “الكوْفةِ”..
ترسلُ شاحنةً مُتْعبةً لليلِ الخانعِ..
مَعَ أوَّلِ ضوْءٍ
يزحفْ
ماذا تحملُ قافلةُ العسْكرِ؛
حين ينامُ أبو “سفيانْ” ؟
من قال لـــ “تمثالِ الحريَّةِ”
أنَّ المسجدَ آمنُ ، والدَّارُ
وأنَّ العَتَبَاتِ أمانْ ؟
هل يُغْزى وطنٌ
ويشقُّ نطاقَ العيرِ.. لــ نصفينْ
نصفٌ للمنطقة ” الخضْراء ” ..
و نصْفٌ للعتقِ الضائع من بيع النِّفط ،
وشق الصفِّ بـــ “شطِّ العرب” ؛
حين تلاقى في الماضى حُزْنُ النَّهرينْ؟
لا تأسفْ
فلصوصُ “الفايكينج” تصْحبهمْ ..
لا تعرفُ وِجهتها
لا تعلمُ أنّ القوسَ العربيَّ بنَبْل الموت سيرتدُّ إليهمْ
لو يُقْذفْ
و” السَّمَّاعون الكذبَ” اندسوا بنفس سراويل الماضى
يمحون السَّبيَ،
ولا يخشون الجُنْدىَّ المشْغول بـــأخذ السُّلطةِ
مِنْ مُتسلِّفْ
والهُدْهدُ.. ما أضحى يحملُ أخبارًا
واستسْلمَ “عِفْريتٌ للفصْل السَّابع ” ،
“للفيتو “المُجْحفْ
والنُّملُ .. يخافُ ” مُشاةَ البحريَّة “،
يدْخلُ للثَّكناتِ كعادته
يرجفْ
و”الأسْباطُ ” تراهن حول استسْلامي
بــ قميصٍ يمْلؤهُ الدَّمُ،
تقسمُ أنَّ الذَّئبَ اعتاد القتل،
تحصَّنَ بالوادى المُعْشِبْ
أتذكّرُ حين كتبنا
فوق حوائط ” بغْداد ”
بأنّ “المُتنبِّى” فحْلٌ من عظماء الضَّاد..
حاصره الموتُ،
ولم يهربْ
أتذكرُ حين تراشقنا
بقصائد شِعْرٍ لـــ “جرير ،
أو “أخطلْ”
أتذكّرُ حين كتبنا
أنَّ “عليًّا ” بسط رداءَ العدْل،
على أيدي – نفس – خوَارجهِ يُقتلْ
أتذكرُ حين قرضنا أشعارًا ألَّفها “دعْبلُ ” عن آل البيتِ،
وأشْعارًا عن محْبوبة عاشق ..
حين مررنا قُرْب ” النَّجفِ الأشرفْ “
أتذكّرُ.. أعْمدةٌ لإنارة دارات الفقْهِ،
فما ارتحلتْ “للكوْفةِ” إلا قافلةٌ من نسْل الزَّهراءْ
وانقسمتْ عينُ الأُمُّةِ بين عشيَّاتِ الفُرقاءْ
أتذكّرُ..
خيلَ الغاصبِ “هولاكو”
حين تلوكُ نتاج العلماءْ
أتذكّرُ..
حين اجتازتْ أتباعُ القاتل كل الأسوارْ
أخْذُ البيْعةَ ورَّطنا في قتل الأحرارْ
ويشقُّ عصا الطَّاعة مُحْتلٌّ
في غفلة توريث الأمصارْ
والصِّبيةُ تعرفُ وجْه المُحتلِّين ،
وليستْ لتفرِّقَ بين “التترىُّ” ،
ولا راعي البقر المُتعجرفْ
وإذا اشتدَّ القصْفُ عليهمْ تقرأُ في المُصحفْ
أتذكّرُ..
حين أكلنا أسْماكًا جفَّفها الخوفُ،
وحينَ رأينا جِنِّىَّ الفُرقةِ..
لا يُصرفْ
كم كانت “أورُ ” مصبُّ فُراتي بالأمْسِ تهبُّ علينا
منها نسماتُ خليجٍ عربىّْ
كم كُنَّا بالكتَّابِ ندوِّنُ فى كلِّ دفاتِرنا
كيف ” النمروذ ” المُتغطرس روَّج للعهدِ الوثنىّْ
لكن فارقنا الخيلَ الأندلسيَّةَ،
لو عادتْ نعقرها وسط الحىّْ
مازلنا نقتتل الآن ،
ولو نادينا وقف القتل الأعمى؛
لرفعنا المُصْحفَ فوق سيوفٍ
يأمرها أموىّْ
وكيف نودِّعُ كلَّ جنازاتِ الشُّهداءِ
بأطواق الحُزْنِ ،
وبالدمعِ القبليّْ
أخبرنا نقْلُ الرَّاوي:
سرْجُ المُهْرِ عراقىّْ
عرجونُ النَّخلِ عراقىّْ
الطَّمْىُ عراقىّْ
عجْزُ البيت عراقىّْ
صحْنُ الدار عراقيّْ
وغطاءُ المخْطوطات عراقىّْ
فضتها خالصةٌ ،
ومرصَّعةٌ ،
والخزرُ اللألاء عراقىّْ
لو نقلوا ملكيتها
أصغر من فينا يعرفها من :
أوراق البرديِّ ،
وجلد الغزلان المطوىّْ
لا أنظرُ مِنْ ثُقْبِ دنانير هزائمنا
أنْظرُ من ثقبِ جدارٍ للمشْفى ،
ألمحُ مجْدًا يتلوَّى من وجعٍ فوق سريرٍ أسفنجىّْ
وسط ركام قنابل فسفور أبيض
أمُّى لا تعرفُ جلْبابى ،
رنَّةَ صوتى
أمِّى حاصرها الفشلُ الكلوىّْ
نفسُ الدَّاناتِ تحاصرنا
و كوابيسُ الآباتشى
والليلُ العنْقودىّْ
أخذوا غضبى للمخْفرِ..
وبـحجةِ حظرِ التجْوالِ..
ومقْلاعى صادرهُ الشرطىّْ
ما زلنا نعشقُ تنغيم الكركىّْ
طابت كل جروحي
لو طاب عراقي ؛
أنسى جرحي الأزليّْ
قد يتألم جُرْحٌ لمكونه الإنسانيّْ
لكنْ وطني في وقت الإثنيات عراقيّْ
وطني في فقْه الأعراق عراقيّْ
كيف للصِّ المخْطوطات بأن يبني أبراجًا
في “بابلْ”
فالألواحُ تكذِّبهمْ
تفضحُ كلَّ روايات السَّبي
وآلافُ المخْطوطات المسْروقة تُثْبتُ..
كيف اندمج المسْبيُّون “ببابلْ”
قد يُرْهنُ ريشُ النِّسْرِ ،
تُباعُ حضارته بمزاداتِ “رعاة الأبقار “،
ويُحرقُ طوْطمُ آخرُ “هندىّْ”
ما بالُ العربىّْ
قدَّاحتهُ تُشْعلُ ” سيجارَ ” الشجْبِ العلنيّْ
لكنْ ؛
لا يقْدرُ أنْ يصْرفَ هذا الجِنِّىّْ .
القصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة