رحموني عبد الكريم
عرفت الكاتب محمد جابري كثير الصمت، قليل الكلام، دائم التأمل والتفكير، طويل القامة، أبيض البشرة، أسود الشعر يعتريه الشيب الذي حاصره على ميمنة وعلى يساره، إذا نظر إليك أسرك وإذا صدح لسانه ونطق أغناك بالجواهر الأدبية الغنية.
قلم القاص محمد جابري مبدعاً، كأنه خلق لكتابة القصة القصيرة، خلق ليشدك بأسلوبه الرائع، الرصين في لحظات التجلي الإبداعية، لحظات البوح والإفصاح عن مشاعره النبيلة وأن تتذوق نصوصه الراقية، الجميلة وتترك العيون تتسلل إلى صفحات قصته « حديث عصا » وتتفاعل معها، وتنجذب نحو كلام العصا التي انطقها قلم الكاتب محمد جابري؛ هذه القصة التي تدور فكرتها الرئيسة حول المعوقين في وطننا الحبيب كيف نتفاعل مع هذه الأشكال والنصوص الإبداعية؟
والأديب القاص محمد جابري غادر الحياة في السابع والعشرين من شهر فبراير من السنة المنصرمة، رحل في ألم الصمت؛ وفي الصمت تتحدث العصا وتخبر عنه، أرجعها يا قاص إلى سيرتها الأولى، إنها القصة الجميلة، الهدية المقدمة لي والتي احتكيت بها ثم قرأتها بشغف كما قرأت للقاص يوسف إدريس الذي قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين : « لقد خلق يوسف إدريس أن يكون قصاصا، وكاتبا للمسرح لا طبيبا » كذلك محمد جابري قصاصا بامتياز وكاتبا يسوق السطور للقارئ كما يسوق راعي الغنم قطيعه.
استهل القاص جابري ” حديث العصا ” بمدخل جميل هو القلم الذي لا يطاوعه لفعل الكتابة، لكن الأديب يمسك به طوعا ويرغمه على النفث يسود الصفحات « فليكن إذن اتفاق بيني وبين قلمي على أن أطاوعه عسى أن ينجلي دافعه الخفي، ويذعن لي عسى أن يتسنى لنفسي من بث ما تضطرم به من رغبة لا تقاوم، ون يدري؟ فلعل دافعه ورغبتي شئ واحد لا يقبل الانفصام أو التجزئة ».[1] فالمحرك القوي، والشعور النبيل للكتابة يلح عليه البوح بالمكنونات الإبداعية مادامت الكتابة نزوع وفنون، قلق وجنون، شدة ومحنة « من ذلك أن الطريق سيكون طريقين ولا بأس أن يكون الطريق شائكاً، المهم في النهاية أن نقطة الالتقاء سيكون في نقطة منشودة واحدة »[2].
فالكتابة مثل الغابة الجميلة، سُبلها عديدة وظلالها وفيرة والقراءة للأعمال الإبداعية توقظ الذات المحبة، المحاورة للكاتب، مكتسية فنون التعاطي وآليات التعامل مع هذه الأشكال انطلاقا من القراءة الناقدة برد فعل القارئ وتفكيره حول المعاني المكتوبة، وكيفية الحكم عليها وتقويمها وكشف الخفي، المحجوب.
والوقفة الثانية عندما قدم لي الأديب جابري كتاب « قطار المغرب العربي وصهيل الذاكرة » هذا القطار الذي لم يتحرك من فاس ليصل إلى تلمسان ثم يعاود الانطلاق من نوا قشط مرورا لسوسة ليصل إلى طرابلس وبنغازي.
رحل جابري وبقي القطار واقفا بفاس وصهيل الذاكرة يتردد صده عند كل رجل مغاربي يسعى لَمَّ الشمل وتحقيق التآزر ورص صفوف البنيان.
تغمدك الله برحمته الواسعة أيها القاص محمد جابري وتغمد روح المفكر محمد عابد الجابري، ورحم الله مالك بن نبي والهادي المنجرة، ويحفظ الله شيخنا طه عبد الرحمن، والشعبين الشقيقين وكل مفكر وأديب يكتب للوحدة والمحبة، الإخاء و التواصل واعتناق الإنسان أين ما كان.
قائمة المراجع:
محمد جابري: حديث عصا، دار البعث للطباعة والنشر، قسنطينة، طبعة أولى، سنة: 1983.
كاتب من الجزائر.
عذراً التعليقات مغلقة