المطعون.. لقطة سردية للكاتب الجزائري عبدالرحيم حمام

28 مايو 2023
المطعون.. لقطة سردية للكاتب الجزائري عبدالرحيم حمام

سرد

المطعون

 عبدالرحيم حمام 

عبدالرحيم حمام

كاتب من الجزائر


” اليوم.. اليوم، في الرّاهن، في الآن، تسونامي من الأحاسيس الرّهيبة اجتاحت روحي الشّبيهة بمدينة الجن “سفار”  عواصف تضاهي عواصف القيامة، دكّت كلّ الدّعائم والكيانات، حكمت عليّ بالقفر والفناء دون رحمة، مصدره ذاك الإنسيّ الذي تجاوز صنيع الجن، بما اقترف بحقّ نفسي. لم أعثر على عبارات وألفاظ تحمل حجم الاقترافات والجرم الذي لحقه بي هذا الكائن المقفر!   

    حين تقترب من عمر الخمسين، تبدأ في رحلة العودة إلى ذاتك، تعود إلى أنت ! تتصالح معها ترفض أن تكون غيرك.  حين يتعذّر عليك أن تبقى بمظهر ما، لإقناع الغير، لتكيّف نفسك مع من يريدونك كذلك. حين تكفّ عن التّنازلات المجانيّة للحفاظ الموجودات المقيتة. حين تعصف الرّياح بجيوبك، وتحولها إلى هيئة شباك أخرق، تعزف عليه سيمفونية السقوط والانحدار. حين ينخر الدّود ألواح أبوابك ونوافذك وتتحول إلى ركمة من الحطام، بهبوب أوّل نسمات الخريف التي توقّع شهادة تشرّدك. حين يتربّع عليك النّدم  على نجداتك، انتشالاتك، لمن يسومونك اليوم! حين يسطع سلطان المنطق على عقلك، وتبدأ في نفض الهباء الذي حجب عنك الرّؤية. حين تقل حيلتك مع القدر. جهز ظهرك لأنصاف الطّعنات، عد نفسك لحروب جديدة، وأنت لا تجيد في هذا العمر إلّا السّكوت. 

  دعهم يفعلون، اتركهم يستخرجون أسوء ما فيك، اسمح لهم بابتكار أبشع النّعوت، لا تمنعهم من الإساءة إليك. أخبرهم فقط أنّك تعلم، وعلى يقين تام أنّ في فترات الأسبوع؛ في أيّامه، ساعاته، دقائقه ثوانيه. يحل بك الموت، ينزل عليك ضيفا، يأخذ منك روحك الحقّة ويسيّر جسدك المتعب إلى القبر. أخبرهم أنّ آثامك لا تعد، أعلمهم أنّك على علم بسعادتهم المفرطة بما يلحقك كمرحوم من عذاب القبر، وأهوال الحفرة المقدّسة الرّهيبة، ضعهم في الصّورة أنّك عليم بأنّ الدّود ينتشي بلحمك المتعفّن في الظّلمة المرعبة، وأنّ الترّبة التي تسترك، تخترق جثّتك من كلّ جهة بعد ردح من الزّمن، وأنّ عظامك تتحول إلى رميم. أوحي إليهم بكل هذه النّهاية المأسوية المؤكّدة.  

 لكن عليك أن تعلن لهم  كذلك أنّك بهذا لم تنقطع بعد عن الدّنيا! رغم أنّك بمقرّك الأرضيّ، لكنك على قيد الحياة! تلك الحروف النّورانية التي خصّصت لها ردحا من عمرك وأنت تدونها بروحك قبل قلمك، على هيئات غريبة متنوّعة، فارقة، سبكت العشرات من القصائد الخالدة، التي تنمو وتعلو، وتزهر، كلّها شموخ، لا تنفع معها الضّغينة، ولا السّموم، لا تتمكّن منها الأسلحة الفتّاكة. حينها صرت تقطن كلّ الأرواح المحبّة للفنّ، فما أنتم فاعلون الآن!؟ مرحبا بك يا أنا، يسعدني الآن أن أحتفي بك أيّما احتفاء”

خاص لصحيفة قريش -ملحق ثقافات واداب -لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com