البياض يعم المكان . جدران الغرفة الأربع لونها أبيض . سقف الغرفة بنفس اللون . يتدلى منها مصباح أبيض . السرير الذي يتمدد فوقه منذ أيام خلت لا يعرف عددها . والطاولة القابعة بجانبه . ستاءر النوافذ . الكل يتشح بالبياض القاتل … وهو غارق في عزلته . انعدم لديه مفهوم الزمان والمكان . كأنه معلق بين السماء والأرض . يحاول تحريك أطرافه العليا … لا فائدة من ذلك ! اما الأطراف السفلى . فقد فقد السيطرة عليها ! لا يعرف منذ متى ولا كيف ؟ يقضي أوقاته بين النوم واليقظة . يغمض عينيه تارة ويفتحهما تارة أخرى . لا يسمع في الغرفة إلا رجع صدى تنفسه البطيء . وأنين خافت ينبعث من بين ضلوع متهالكة . أحيانا ينتابه سعال … بين الفينة والأخرى . يقتحم عليه المكان : شبحان يغطيهما البياض . لا يظهر منهما سوى عينان جاحظتان . يعبثان بالجسد الهزيل كما شاءا ! يلقيان نظرة على جهاز بجانب السرير . والذي يصدر ازيزا لا يتوقف … يحركان بعض الخيوط . ثم ينسحبان من المكان في صمت . يحركان راسيهما حركات ذات معنى . ايماءات لايعرفها غيرهما ؟ يغلقان الباب خلفهما ويختفيان في صمت … آلامه تشتد وأنينه يزداد . يحاول الفرار من هذا المكان اللعين . يخيل إليه أنه رمي به في قبر . لكن هيهات ثم هيهات ! لقد ربطت أطرافه الأربعة . بوثاق مع السرير . من يفك أسره ؟ من يعينه على مغادرة المكان ؟ من يخلصه من هذه الخيوط الملتفة حول جسده ؟ أكثر ما يزعجه : هذا الأنبوب المتصل بأنفه . يكتفي بتحريك مقلتيه في كل الاتجاهات . غارق في بحر من البياض ! … وفجأة بدأ يحس إحساسا غريبا : دبيب يعبث بقدميه … قواه بدأت تخور … ازيز الجهاز شرع في الاضمحلال … المكان يدور به ! تذكر الارجوحة التي كانت تدور به لما كان طفلا . البياض يستحيل إلى سواد . الارجوحة تدور وتدور وتدور … نور ابيض يضيء من بعيد . ملائكة باجنحة بيضاء تحف به ! انطبعت ابتسامة على محياه ! غاب عن الوجود … دخل الشبحان الغرفة . الجهاز توقف عن العمل … تاملاه جيدا … تبادلا نظرات ذات معنى !؟ هل يكون قد ؟ … اغلقا العينين والفم . غطيا الوجه بغطاء أبيض . حملا الجثة إلى الطابق التحت الأرضي . انطلقا نحو غرفة اخرى …
عذراً التعليقات مغلقة