محمد بصري
كاتب من الجزائر
وقفت في مطار ضخمٍ جدًا، حركة المارة هنا وهناك أضواء إلكترونية بوابات كثيرة مداخل ومخارج ، شقروات بتنانير زرقاء داكنة و كعوب عالية ، صخب .ضجيج عجلات نقل البضائع ، عرب بعض الأسيويين بعمائم سوداء يبدو أنهم من طوائف السيخ .رجال قصار بأعين ضيقة ملساء عند مستوى الجفون، صخب هرج لغات كثيرة لا أستطيع تصيد شفرتها. وقفت في الطابور أنتظر دوري بعدها وضعت باسبوري my passportأمام شباك الدخول، تأملتني الموظفة جيدًا بعينين هندأوروبية جاحظة ووجه أحمر لامع وشفاه أخد منهما أحمر الشفاه كل مأخذ وكأنها وضعت سوائل حمراء في وجهها وحول وجنتيها تشتم من جسدها روائح بارْفانات باريسية وقد امتزجت وتعكرت بالتلوث الصادر من أرضية المطار فكل قدم وحذاء تدوسها تحكي وجعا بيئيا جديدا.واشنطون هي الوجه العابس للسيدة العذراء التي ترى أن الخلاص غير ممكن في فضاء لا يؤمن إلا بالبراغما والذريعة والاستحواذ والرياء البشري الكريه ،
تمَعَّنت جيدا حاسوبها التافه وقالت بنبرة انجليزية بالكاد استطعت تَحمُّلها وفهمها.أنت غير موجود في القائمة ؟ اللعنة كيف وصلت إلى الطائرة ؟
ارتبكت وارتعدت فوق كرسيها البيروقراطي ثم أردفت قائلة: إما قد تكون قد دخلت إلى أراضي الولايات المتحدة بالخطأ أو أنك “حراڨ” بائس تسربت إلينا كالوباء والطاعون، بل كالمسوخ المكسيكية التي اجتاحتنا . أخذت هاتف الخدمة وتكلمت بنبرة خفيفة أمام ارتباكي الذي كاد يسقطني أرضا . بعدها جاء شرطيان أحدهما أسمر ضخم الجثة تبدو عليه ملامح الزنوج الأفارقة وآخر أبيض سحنته تؤكد الانتماء ألأوروبي ملامحه هي نسخة لجلف إيرلندي من علوج بلاد القوط والفايكينغ. تقدما اتجاهي يريدان الإمساك بي .
وأنا في صمت وسكر وخوف ووجل وقد ضاق عليا المطار بما رحب. قلت ماذا أفعل في و.م.أ ؟أكيد هناك خلل ..خطأ ما حدث ؟تبا لم أفكر يوما في زيارة هذا البلد اللعين؟؟.سألت ضابط الشرطة أي مدينة هذا؟ ابتسم وقال ألا تدري أنك في مطار جورج كنيدي الدولي بنيويورك أيها الأحمق؟ .صرختُ ماذا كينيدي؟ لقد مات هذا الرجل اغتيالا منذ الستينات..أمر الضابط زميله ؟ خذ هذا المعتوه للتحقيق؟.
قام بجري جرًا وكأني سلة قمامة .كانت مرافقة حيوانية وسادية . في خضم هذه الأجواء الفوضوية إذا برجل أنيق ببذلة زرقاء وربطة عنق وردية معه حارسين كالبغلين. يتحسسان جيبيهما ومسدسيهما يقف أمامهما ويجول بناظريه في شخصي .قلت له كأني أعرفك؟.تراجع الشرطيان قال أحدهما مرحبا سيادة الرئيس .قاما بالتحية .تأملته جيدًا فلم أفق بعدُ من وعكة الاعتقال والصدمة .
إنه بوش الابن .جورج وولكر بوش.بابتسامته الشيطانية الساخرة وكأن الأرض انفلقت وخرج من بركان أسيوي قديم.الصورة سديمية لرئيس متهم بإبادة نصف سكان العراق .
قال للضابط فك قيده؟ معي أوراق استقباله.بحركة سريعة قرأ الضابط الوثائق كانت رسائل استقبال ووثيقة فيزا تجيز الدخول الى الأراضي الميمونة ببركة جورج واشنطون.استدار أمامي وكأنه يرى المكان لأول مرة وقال أخيرًا وصلت أيها العربي الشقي؟؟.مرحبا بك لقد انتظرتك كثيرا؟.رافقني؟اخترقنا رواقا طويلا ثم ساحة صغيرة مغطاة بزجاج كريستالي. وخرجنا من باب خلفي مباشرة إلى ساحة الإقلاع بقرب من طائرة ملكية صغيرة .أمام صمتي وذهولي فهمت أننا كنا على وشك الاقلاع الى جهة أخرى لا أعلمها.في ركوبنا وجلوسنا.على أرائك من استبرق أمريكي ونوافذ دائرية مذهبة تميل إلى لون أزرق معتم قال لي .أعتقد أنك لم تفهم بعد سر هذا اللقاء؟؟.لقد راسلتك كثيرا واتفقنا حول مسائل كثيرة أيها العربي؟؟ وكُنتَ كثير التسويف والتبرير ؟؟ لم أجبه فقد كنت مثل السكران الثمل والمخمور الذي شرب كونياكا مغشوشا.أنت الآن في قبضتي لقد ابتلعْتَ الطعم وبدأ في ضحك هيستري.
ثم قال لماذا كل هذا لا أفهمكم معاشر العرب الشيء الوحيد الذي تجيدونه هو امتطاء الإبل وشرب أبوالها؟ صعدنا الطائرة الصغيرة مقاعدها قليلة يبدو أنها مخصصة للنخبة فقط من يعتصرون بترول وثروات الأرض عصراً ويضعونها في قنينة سحرية لا تسعف إلا حظوظهم وجشعهم العظيم .بدأت المضيفة الجميلة تحاول إغلاق باب الطائرة ووجها الأبيض تفوح منه آيات السر الأنجلوساكسوني ، طلاسم التبرج وأحمر الشفاه و الجمال والراحة.
أثناء ذلك سمعت صوت صياحِ ديك بنبرة مزعجة جدا.قلت لها توقفي بانجليزية ولَكْنة بائسة وركيكة جدا حذّق بوش في وجهي باستغراب فقد قاطعت ثرثرته ولسانه الألثغ الذي يبتلع حروفا كثيرة .انتظري كأني أعرف هذا الديك اللعين الوغد الكلب ابن الكلب؟؟؟.
ازداد صياحه وهياجه وكأنه يجري وراء دجاجة يريد أن يقفز فوقها للتزاوج .بدأت أطياف تجول في نفسي انفجرت صور وكأنها خيالات سحرية ترامت لي صورة هيباتيا العربية وهي تلبس تنورة بيضاء وقميص أزرق إسباني ترتشف قهوتها النجدية الشقراء .وتارة هي تجول في مروج خضراء.رأيت قططا كثيرة تلاشت صورة بوش الإبن وظهرت صورة والده وهو غاضب ويلعن إبنه بكلام إيرلندي وقحٍ نابي .فجأة انطفأت الصورة.سمعت بوضوح صوت ديكي الشقي عليه سحائب اللعنة.
كان من فصيلة البراهما الاسبانية قوي وشرير ويحب الجنس لا يكف عن الاختلاء بدجاجاته العشرة .استفقت من هذه الرؤية الكابوسية الضاغطة.لأجدني قد نمت وفي أُذْني سماعة كتمان هاتفي كنت استرق بها السمع ومشاهدة يوتيوب عن تربية الدجاج.فقد أيقظني صوت الديك الكلب وأصوات الدجاج في هاتفي النقال .
وانفلق الصباح وتوقف دماغي المجنون عن ضخ الكوابيس المزعجة.
خاص لصحيفة قريش -ملحق ثقافات واداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة