لقاء
خولة العلوي
قاصة من المغرب
ها أنا ذا أمامها بعد أن صار لي الحق في التركيز على أدق تفاصيلها دون أن تبدي أي اعتراض…يبدو الوقت قصيرا… أبديا في شفتيها… أهيم… أتذكر نظراتي إليها وأنا طفل لم يتجاوز السادسة… طفل اكتشف لتوه امرأة لا تشبه أمه أو أخته ولا حتى نساء الحي اللواتي يغدقن عليه بقبل يمسحها سريعا…
كان لقاؤنا الأول ببيت جدتي، استقرت صورتها يومئذ في الخيال ولم تزعزعها نساء العمر الفاتنات … أخذَت تتمايل حينها بغنج ثم أطلقت ضحكة يميل معها رأسها إلى الوراء مكوِّنا زاوية حادة مع مستوى العنق… ضحكة لم يتغير وقعها على روحي منذ ذاك الزمن إلى اليوم…
إنها الآن أيضا تضحك … تقلص عينيها … تبدو الرموش الطويلة أسوار غابة تنذر بالاحتراق، والشعر أمواج بحر عاتية ترتطم بها الرياح ولا تنكسر… فكيف أقف أمامها ولا أندثر! …
صوت ما بداخلي يأمرني بالاقتراب أكثر… أود أن أطوقها بكلتا يدي … أن أقترب من الشفتين دون أن أقبل…أريد أن أهمس في أذنيها أنني أعرف اسمها الحقيقي…أتذكر ألوان فساتينها كلّها … أحفظ عن ظهر قلب أسماء المطاعم التي كانت ترتادها… أدرك البقعة الموجودة على وجهها، تلك التي تداريها بحسنة ترسمها حينًا على ذقنها، وحينًا آخر على خدها الأيسر فوق الشفاه.
ها هي ذي أمامي لا تملك الحق في صد يدي وأنا أمررها على وجنتيها … لا تملك حق الاعتراض ولا حق رفض الإجابة عن أسئلتي الكثيرة … أسئلة لم أجرؤ على طرحها قبل اليوم… فكيف لامرأة غيرها أن تقدم لي الإجابة! …وكيف لامرأة سواها أن ترى شوقي وحنيني فلا تبادلني سوى نظرات أنثى تسأل بازدراء “كيف سولت لك نفسك؟ how dare you”، ثم تمضي غير مكترثة للإجابة…
يكلمني ذات الصوت مرة أخرى:” لا عليك، إنها لم تدرك بعدُ عظمتها في عينيك…حاول مرة أخرى فقد تستجيب”… أستجيب… أدنو منها…أحاول أن ألمس يدها فيقترب مني أحد رجال الأمن… يلفظ جملته بكثير من الامتعاض: ” أبعد يديك، ألم تقرأ اللافتة؟ يكتب هنا {ممنوع لمس اللوحات}” … أخرج من وهمي …أعتذر للرجل من غير اقتناع… أغادر المعرض، ولا تغادرني “مارلين مونرو”…
القصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة