د. عبدالله القيسي
*حين تأتي هذا المناسبة يتحدث الجميع عن تأويل ما جرى يوم (غدير خم)، ولا يبحثون في أصل الحادثة: هل وقعت أم أنها مختلقة من الأساس كما اختلقت مثيلاتها لأجل الوصول إلى الحكم؟ فمن أين جاءت الحكاية؟ وهل لها أساس تاريخي متين؟ أترككم مع أسئلة الغدير التي لم أجد لها إجابة عند من يؤمن بحكاية الغدير.*
*في كل عام يحتفل الشيعة في الثامن عشر من ذي الحجة بيوم الغدير، هذا اليوم يدّعون فيه: أن النبي (عليه الصلاة والسلام) جمع الناس بعد أن انتهوا من مناسك حجة الوداع في مكان يسمى غدير خم، وهناك أخذ البيعة بالخلافة للإمام علي. وأما كتب السنة فهي تذكر عبارات أخرى لا تصرح بالبيعة ولا يستنبط من ألفاظها ما يدل على ذلك …*
*لقد خاض الكثير من الباحثين في نقد هذه الحادثة سنداً ومتناً، ولكني لن أناقشها بطريقتهم تلك، لأن تلك النقاشات كانت تترك الباب مفتوحا لتدخل منه الريح وتوسع الفوهة مرة أخرى، ولا وقت لشرح ذلك الباب الذي تأتي منه كل رياح الخرافات والتلفيقات التي لازلنا نعاني من آثارها إلى اليوم.*
*وسأكتفي هنا بطرح بعض التساؤلات التي تكشف عن زيف دعوى الغدير واختلاقها:*
*1- تعد إمامة علي -عند إخواننا الشيعة- أصلا من أصول الدين، والسؤال المطروح هو: كيف تبنون على رواية تاريخية أصلا من أصول الدين؟ وهل نستقي أصول ديننا من روايات مختلف في صحتها، أم من الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ ولماذا أعرض القرآن عن تسجيل هذا الحدث الجلل والخطير -كما تزعمون- ولم يذكره بشيء وقد ذكر ما هو دونه؟*
*2- سجل القرآن بيعات أخرى أقل حجماً وخطراً، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.*
*أفبيعة النساء أعظم درجة من بيعة علي هذه التي تزعمونها حتى يلتفت إليها القرآن ويجعلها تتلى إلى يوم القيامة، فلماذا ذكر الله بيعة النساء ولم يذكر بيعة علي؟*
*3- سجل القرآن كذلك بيعة الرضوان بتفاصيل مكانها، يقول تعالى في سورة الفتح: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.*
*والقرآن هنا يسجل بيعة عارضة ويغفل عن بيعة تحدد مصير الأمة إلى قيام الساعة، ثم إنه يذكر مكان هذه البيعة (تحت الشجرة) وكان الأولى أن يسجل مكان (غدير خم) نظرا لأهميته المزعومة. ثم إن هذه الحادثة كما تشير كتب التفسير كانت حين جاء خبر مقتل عثمان فبايع النبي عنه وصفق بيده على يده وقال هذه عن عثمان، ولو كان هذا الفعل من النبي مع علي لعملوا من هذه القصة تأويلا يقول بإمامته.*
*4- لماذا لم يعلن علي عن هذه الحادثة بعد موت النبي مباشرة ويذكر المسلمين بذلك اليوم فالمدة الزمنية ليست طويلة حتى ينسوها؟ يقول الدكتور عبد الله البغدادي في رده على محمد باقر الصدر: “والأغرب من ذلك كله أن الإمام علي لم يحتج لنفسه -فيما ثبت عنه -بأي قول يشير إلى هذا (التعيين)”. وإن كان خائفا فلماذا لم يعلنها أيام خلافته ولماذا لم ينقل الخلافة توريثاً لابنه.*
*5- لماذا تقاعس المسلمون جميعهم في تنفيذ هذا الأمر بعد موت النبي؟ هل انقلبوا على أمر نبيهم بمجرد موته؟ وهل مرور ثلاثة أشهر تجعلهم ينسون تلك الحادثة المهمة؟ لماذا لم يحتفل علي أيام خلافته بهذا اليوم كما تحتفلون؟ ولماذا لم يحتفل به الحسن أو الحسين؟ هل أنتم أحرص منهم؟!*
*6- لماذا لم يوصِ النبي لعلي بالخلافة في خطبة عرفة بوجود جميع المسلمين في صعيد واحد، وأخر هذا إلى غدير خم قرب المدينة، ليقولها أمام نفر أقل من ذلك الحشد حيث لم يبق من الحجاج إلا حجاج المدينة؟*
*ألم يكن الأحرى أن يكون ذلك في عرفة لأن الأمر يهم كل المسلمين وليس أهل المدينة فقط؟*
*وهناك تساؤل طرأ ببالي لست أدري ما قيمته، لأن صاحب الاحتفال الأول يعرف ذلك فقط، وهو هل هذا اليوم هو احتفال ببيعة علي، أم أنه احتفال بيوم مقتل عثمان فقد قتل في مثل هذا اليوم؟*
*إحياء المناسبة اليوم:*
*إحياء هذه المناسبة والاحتفال بها بهذه الطريقة ليس مجرد طقس مذهبي ديني خالص، بل هو تظاهرة سياسية للمطالبة بتنفيذ تلك الوصية المزعومة في الوقت المعاصر باعتبار أن المسلمين اليوم قد انقلبوا على تلك الوصية، وآن أن يعود الحكم لذرية علي.*
*إنها للأسف مناسبة لنبذ الآخر وشحن العداء والكراهية على من لا يؤمن بالفكرة، فهي ليست مناسبة تخص أصحابها فقط بحيث تدخل ضمن التسامح وقبول فكرة الآخر بل هي فكرة لا تؤمن بحق الآخر في الحكم وقد تصل إلى سفك دمه لمخالفتها. وفكرة الولاية تلك هي مخالفة لأبسط مقومات الدولة المدنية، وتتعارض مع قيمة المساواة ومع حقوق الإنسان في المواطنة المتساوية.*
عذراً التعليقات مغلقة