مَن المؤثر وغير المؤثر في التدخل بشؤون اليمن؟

26 يوليو 2023
مَن المؤثر وغير المؤثر في التدخل بشؤون اليمن؟

عبدالواسع الفاتكي

التدخلات والمتغيرات الإقليمية وأثرها على حاضر ومستقبل اليمن

دخلت الحرب الجارية في اليمن  مرحلة تعقيد الحلول ، فليس هناك في المستقبل المنظور حسم عسكري ولا إمكانية لتسوية سياسية أو حتى هدن شاملة ؛  يعزو ذلك إلى تركيبة الحرب ، التي هي خليط غير متجانس من الحرب الأهلية والتأثيرات والتدخلات الإقليمية الدولية ، وبالتالي فهي ليست تعبيرا  عن صراع داخلي مستقل قائمًا بذاته ؛  إنما تمثل وجها من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف ،  تتداخل فيه تأثيرات  إيرانية سعودية إماراتية ومصالح الدول الكبرى ، كأمريكا وبريطانيا ، كما تتداخل فيه عوامل سياسية وطائفية وجهوبة من جانب آخر ؛  الأمر الذي أدى لأن يصبح  اليمن مرهونا برسم الحسابات والصراعات الإقليمية والدولية ،   وهو نوع من الحروب  ، التي  يمكن أن تطول ، ففي الوقت الذي  يبدو فيه السلام المنشود في اليمن بعيدا ؛ مع تزايد الصراعات الداخلية ؛ وتباين المصالح بين دول الإقليم والدول الكبرى ؛ لذلك ستظل الحرب تستنزف اليمنيين ؛ ما لم يتم لجم الفواعل المليشياوية المناوئة لقيام الدولة الاتحادية بمؤسساتها الوطنية ، يشارك كل اليمنيين في بنائها متساوون في الحقوق والواجبات .
في الوقت الراهن ينظر إلى إيران من جهة ، والسعودية ومعها دولة الإمارات – في إطار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن – من جهة ثانية باعتبارها مَن تقود التحالف  العربي ، الذي شكل في ٢٦ مارس ٢٠١٥ م  والمؤثرة بشكل مباشر في معادلة الصراع ضد المليشيات الحوثية الانقلابية ،  ومع ذلك هناك فاعلون إقليميون فرعيون ، ينشطون في شؤون اليمن ، بيد أن نشاطهم محدود التأثير ؛  كما هو حال مصر وسلطنة عُمان وقطر ،  وعلى المستوى الدولي ،  الذي يقوم برسم خريطة الحرب وتوجيه مسارها  ، من خلال التحكم بعدد من المفاعيل المؤثرة في أحداث اليمن ، تعد الولايات المتحدة اللاعب الأقوى  ومن بعدها تحضر  كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي والصين وروسيا . تنطلق السياسة السعودية تجاه اليمن من مجموعة من المحددات ، التي تشكل توجهات ومنطلقات للسياسة السعودية في اليمن ؛ إذ تمثل اليمن بالنسبة للمملكة العربية السعودية العمق الاستراتيجي ؛  نظرا للتقارب الجغرافي بين الدولتين اللتين  ترتبطان بشريط حدودي بري طويل ، وللتقارب الثقافي والامتداد التاريخي بين اليمن والسعودية ،  من هذه المنطلقات كانت المملكة العربية السعودية حاضرة في كل الأحداث المفصلية ، التي شهدتها اليمن منذ العقد الثالث منذ  القرن العشرين وحتى الآن ، بما يتلاءم مع سياستها ولا يؤثر على أمنها القومي .
تسترجع إيران  الماضي للتمكن من  المستقبل ؛ فإيران بوصفها دولة لها عمقها التاريخي البعيد  كإمبراطورية فارسية ، لا تزال تستدعي ماضيها ، وتحاول ما أمكنها  استعادة مجدها الفارسي ،  الذي سلبه العرب منها بالفتوحات الإسلامية .
منذ  عام ١٩٧٩ سعت إيران لتصدير ما تسميه الثورة الإسلامية إلى بلدان العالم العربي والإسلامي ،  كأحد أهداف السياسة الخارجية الإيرانية ، ومن هذه البلدان اليمن ، غير أن تمايز الحالة الإيرانية عن اليمنية ،  من حيث طبيعة المجتمع اليمني المذهبية والاجتماعية ،  أعاق نجاح إيران في ضم اليمن لدائرة الاستهداف الإيراني التوسعي ، حتى جاءت الفرصة لها في العقد الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين ، من خلال الحركة الحوثية ، التي تمكنت من إسقاط الدولة اليمنية بانقلاب عسكري في 21سبتمبر2014م عدته إيران امتدادا لثورتها الخمينية .
تدرك إيران أهمية الموقع الجغرافي لليمن ، الذي يمثل مكسبا بالنسبة لها من حيث كون اليمن تملك موقع يجعلها تتحكم بالملاحة البحرية الدولية ،  من خلال إطلالها على البحرين العربي والأحمر ، وسيطرتها على باب المندب ذي  الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للسياسات الدولية  ؛ ولذلك تسعى إيران  ليكون لها موطئ قدم في اليمن ؛ لتحكم سيطرتها على خط الملاحة البحري الهام , الممتد من حدود العراق البحرية حتى خليج عدن وباب المندب .
بما أن  اليمن تمثل العمق الاستراتيجي بالنسبة للسعودية العدو اللدود لإيران ، فان تواجد إيران في الناحية الجنوبية للسعودية عن طريق حلفائها الحوثيين ، يمثل مكسبا لإيران تظل تهدد وتستفز به المملكة  العربية السعودية ، وتساوم به للتواجد في مناطق أخرى من العالم العربي .
 ترى إيران في اليمن مجالا حيويا لنظام الولي الفقيه ؛ لاسيما وأن تاريخ اليمن القديم والوسيط  ارتبط في بعض فتراته بالنفوذ الفارسي قبل الإسلام  ، والتشيع لآل البيت لدى بعض الدويلات ، التي حكمت لفترات عدة اليمن ،  والتي كانت تظهر بين الفينة والأخرى ، منذ دخول الهادوية الرسية اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري .
عندما تلتقي إيران والسعودية في أي منطقة فإن مشاريعهما تتصارع وتتناقض ، ولذلك فاليمن باعتبارها ساحة من ساحات الصراع السعودي الإيراني ، تتأثر سلبا بتوترات الصراع السعودي الإيراني ، كما أن ارتفاع حدة الصراع السعودي الإيراني في لبنان والعراق وسوريا وغيرها من المناطق ، ينعكس على اليمن من حيث تعظيم مكاسب أحد طرفي الصراع في حال خسارته في منطقة أخرى .
حشرت المليشات الحوثية الانقلابية الصراع اليمني اليمني في الصراع السعودي الإيراني ؛  ما أدى إلى إطالة أمد الصراع ، ونجم عنه أوضاع سياسية غير مستقرة ، وتدهور اقتصادي وتصدع اجتماعي ، وتعميق للأزمة السياسية اليمنية  وولد الكثير من الهويات الجزئية داخل اليمن ؛ فظهر الولاء للطائفة والمنطقة والقبيلة والحزب والفرد ، بل ظهر الولاء للخارج والذي اثر على الهوية اليمنية الجامعة لكل الهويات ،  كما أنتج الصراع الإقليمي انقساما داخل  مستوى التنظيمات والنخب السياسية والاجتماعية والثقافية ؛ وفتح الباب لدخول اليمن مرحلة الفوضى ،  وجعله أرضا خصبة للمليشيات المسلحة .
يزداد الأمر تعقيدا في أن  مايحدث في اليمن في الوقت الراهن من تأثيرات إقليمية ودولية ، لعبت دورا مهما في أزمة تكوين الدولة اليمنية الحديثة ، توزع بين التدخل المباشر والغير مباشر ،  فضلا عن تنوع أبعاده بين سياسية واقتصادية وأمنية ودينية واجتماعية ،  والتي تقاطعت مع الإشكالات اليمنية الداخلية ، التي أنتجت فواعلا يمنية ذات ارتبط وثيق بتحالفات تجاوزت حدود الدولة الوطنية ، وباتت رأس حربة في صراع الإرادات الإقليمية والدولية ؛ نتيجة غياب الشعور بالانتماء الوطني ، واللجوء للاسقواء بالخارج بغية توهم الغلبة على بقية الفرقاء اليمنيين .
  لا ينبغي تحميل الصراع الإقليمي في اليمن المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع ؛  إذ أن العوامل الداخلية للصراع في اليمن المتمحورة في صراع القوى اليمنية على السلطة والثروة , كان لها الدور البارز في  وصول الصراع الحالي لهذه الدرجة من الحدة والاتساع والضراوة .
المملكة العربية السعودية في طريقها لإحتواء صراعها مع إيران في إطار استراتيجية بناء حالة من الهدوء ، ونزع فتيل الصدام  وتصفير المشاكل مع الغلاف الجيوسياسي للسعودية ، بدأت ملامحه ، بعودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية ، وإعادة سوريا للجامعة العربية ، بالتزامن مع توافقات استراتيجية إقليمية ودولية ، منحت الضوء الأخضر ، للمضي قدما في صياغة حلول للحرب في اليمن وفق رؤية إقليمية دولية ، يخشى اليمنيون من أن تضع  تلكم التوافقات في حساباتها بدرجة رئيسة المصالح الإقليمية والدولية ، مع عدم الأخذ  بعين الاعتبار ، هل ستؤدي إلى إزالة أسباب الحرب والوصول لسلام يحقق تطلعات اليمنيين في استقرار وتنمية دائمين ؟!  في ظل دولة اتحادية مدنية ، بمرجعياتها الوطنية مخرجات الحوار الوطني والإقليمية المبادرة الخليجية وآلينها التنفيذية ، والقرارات الدولية ذات الصلة في مقدمتها القرار ( ٢٢١٦) . 
تشير المؤشرات الأخيرة المتمثلة بالمحادثات المباشرة بين المليشيات الحوثية والسعودية  إلى أن السعودية تسعى للخروج من الحرب في اليمن ، وأنها قررت البحث عنن توفير ضمان طويل الأمد لأمن السعودية ؤ  والمليشيات الحوثية مع الأسف أحد الخيارات كأمر واقع ، في ظل عدم الحسم العسكري معها وبقائها مسيطرة على جل المحافظات الشمالية  ، وربما تم البدء فعليا بإجراءات جدية ، تمثل اختبارات قبول لهذا الخيار ،  بتفاهمات وضمانات إقليمية ودولية ، ناهيك عن أن هناك  الكثير من المؤشرات تكشف وجود رغبة جامحة لدى قيادات الحركة الحوثية ، في التقرب من السعودية وعقد صفقة معها ، بموجبها تتحول المليشيات الحوثية لحارس الحدود الجنوبية السعودية ، وتكف عن استهداف الأراضي والمنشآت المدنية والاقتصادية السعودية ،  مقابل امتناع  المملكة العربية السعودية من تقديم العون العسكري المباشر للسلطة الشرعية ، واحتفاظ المليشيات الحوثية بمكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية ، وشرعتة وجودها في أي توليفة قادمة للسلطة ، وفق تسوية ستكن المليشيات الحوثية مكونا أساسيا فيها ، إذ أن من أهم القواعد الأساسية في العلاقات الدولية ، لا يهم من يحكم ولكن كيف يحكم ،  وليس ببعيد عنا تسليم أمريكا أفغانستان لحركة طالبان .
الضرورة الوطنية واللحظة الحرجة التي يمر بها اليمن الآن ،  تحتم  على القوى والقيادات الوطنية اليمنية إدراك المتغيرات ، ومغادرة حالة العناد السياسي و الشتات والمماحكات ، وتجاوز إفرازات وترسبات المرحلة السابقة ، والبدء فوراً في صياغة مشروع وطني موحد ، والذوبان في كيان سياسي واحد ، يعمل الجميع من خلاله لإسقاط كل المشاريع الأيدلوجية الطائفية أو المناطقية والجهوية ؤ وإعطاء أولوية قصوى لدمج الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية ، تحت مظلة وزارتا الدفاع والداخلية اليمنيتين ؛ لترسيخ دعائم الأمن والحفاظ على السلم الأهلي في كافة المناطق المحررة ، وبما يضمن فعالية وتوحيد العمل العسكري والأمني  ، نحو معركة تحرير ما تبقي من المناطق ، التي مازالت المليشيات الحوثية تسيطر عليها ،  ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن الحفاظ على علاقة الشراكة الاستراتيجية مع العمق العربي ،  لاسيما دول الجوار  في مقدمتها السعودية كمسار اجباري وخيار وحيد وواقعي لأي سلطة يمنية أو نظام سياسي يمني ، تفرضه الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية والجغرافية ، فضلا عن الأمن القومي اليمني الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي لدول الجوار ،  بل من الأمن القومي العربي .
لا تزال الفرصة سانحة أمام التحالف العربي والسلطة الشرعية ؛  لتصحيح الاختلالات وتقويم المسار  والفوز بالحفاظ على اليمن دولة وشعبا من المشاريع التدميرية الطائفية أو المناطقية ؛ كي لا تغرق سفينة اليمن وسفينة الخليج والجزيرة العربية .
#عبدالواسع_الفاتكيكاتب صحفي ومحلل سياسي يمني

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com