كفانا مهاترات في الجزائر

31 أغسطس 2023
كفانا مهاترات في الجزائر

كفانا مهاترات

فكلنا في الجزائر أبناء شعب واحد

الجزء الأول

سمير خلف الله

سمير خلف الله

 كاتب من الجزائر

كلام مدان وغير مقبول ، وخطيئة يجب التطهر منها . ذلك الكلام الذي ، نصادفه هنا وهناك ، ولا همَّ لأصحابه . سوى التبجح بالعنتريات الزائفة ، وإدارة المعارك الوهمية ، التي لا توجد إلا في مخيلتهم وعقولهم . التي اختطفتها وحجرت عليها ، أيديولوجيات مزيفة . عمادها العنصرية المقيتة والاقصاء ، المؤذن بدمار الأوطان وخراب المجتمعات . أصوات نشاز قادمة ، من أقبح أيام الجاهلية سوء . يتبنى أهلها سردية ، أبي جهل وأبي لهب . وإن لم يشتركوا معهما ، في العرق والدين واللغة . 

نعم إننا كثيرا ما نسمع ، من بعض إخواننا في الوطن . وهم من القلة القليلة ، حتى أن البصر بالكاد يدركهم . بأنهم ليسوا ضد العرب في الجزائر ، فيرد عليهم الطرف المستهدف ، في خطابهم بأنهم هم كذلك ليسوا ضدهم . ترى عن أي عرب ، وعن أي بربر ( في الجزائر ) . يتحدث هؤلاء وهؤلاء ، هذا ما دفعنا لكتابة هذه الأسطر . علما أننا لا ننفى وجود ، البربر الأحرار في الجزائر ، أو وجود العرب الأشاوش . أو أننا سنقول الكلمة الفصل ، ونحل هذه المشكلة المفتعلة ، لإلهاء الجزائريين عن التحديات الحقيقية التي تواجههم . ولكننا سنحاول تفكيك ، هذه السردية القبيحة ، لما فيه صالح الجزائر . التي لن تنال من هذه المعركة الوهمية ، سوي نيران وويلات الحقد والكراهية . والبغضاء والاقصاء والإقصاء المضاد ، والخراب والدمار والتناحر والفتن . التي فيها هلاك وحرق ، الجزائر أرضا وشعبا . وحصادها لن يكون سوى ، العلقم المر والجراح والآلام والتوابيت . نعم لن يكون حصادها سوى بلقنة الجزائر ، وحفر ملايين القبور لأبناء هذا الوطن . حتى نقف جميعا على حقيقة حمقنا ، لأن حفر ملايين القبور . هو الأمر الوحيد الذي يرضى،  تجار الفتن ممن يركبون ، موجة الجهوية والعنصرية المدمرة . وهذا ما يجب التصدي له بحزم ، من قبل أبناء الجزائر البربرة . مهما اختلفت ألسنتهم ، لأن الجزائر أمهم التي توحدهم جميعا . نعم إنه من حقنا الاختلاف كما نشاء ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجزائر . فإنه يتوجب علينا ، أن نتحدث جميعا لغة واحدة ، مفادها نموت نموت وتحيا الجزائر . بعيدا عن سردية ، الجهوية والعرقية البائسة . التي يقف وراءها أعداء ، الجزائر المحروسة بعيون ، أبنائها التي لا تنام . نعم لا يجب أن يكون هذا الطرف أو ذاك ، عن جهل منه أو عن إدراك ووعى . ونكاية فيمن اتخذهم زورا أعداء ، من إخوانه في الوطن . مجرد وسيلة وأداة لتنفيذ ، مشاريع القوى المتربصة . خدمة لأهدافها وأجنداتها ، التي ما عادت تخطئها العين . ولعل أبرز هؤلاء الكيان الصهيوني ، الذي لا تكل ولا تمل عزيمته وأجهزته . لضرب الوحدة الترابية للجزائر ، لأنه لا ضامن لاستمرار وجوده ، سوى ضعفنا وفرقتنا وتفرقنا . 

إن تهديم أسوار الحقد والكراهية ، التي يريد البعض رفعها ، بين أبناء الشعب الجزائري الواحد . يتطلب الحسم بصورة نهائية ، في تلك المعادلة المرفوضة . القائلة بثنائية العرب في مقابل ، الأمازيع أو الأمازيع في مقابل العرب . ثنائية مرفوضة لأنه لا يوجد في الجزائر ، سوى شعب واحد وإن تعددت ألسنته . هذا التعدد الذي لا يمكن ، انكاره أو القفز عليه . لأن الجزائر ما كانت بدعا ، في هذا الأمر الذي يوجد في كل دول العالم . إلا عندنا نحن فهو أمر ، يراد منه أن يكون عامل تفرقة وهدم . بدلا من أن يكون عامل وحدة ، وبناء ووئام وانسجام ووفاق . إننا لا نفهم ها هي أوروبا ، قد تجاوزت ونست أحقادها وثاراتها العميقة ، التي مزقتها لعدة قرون وأجيال . إلا في الجزائر فهناك من يسعى ، لاختلاق عدوات وثارات وهمية . يريدها أن تكون بديلا ، عن أواصر الوحدة والأخوة . التي تربط أبناء الشعب الجزائري ، التي لم يعرف التاريخ سواها بهذه الأرض . 

ولكل ما سبق وجدنا أنفسنا ، مجبرين لا مخيرين في الرد . على تلك الأراجيف ، والرد لا يكون . إلا عبر تفكيك الأيديولوجيا ، التي تغذي سرديات ومقالات . بعض من توهموا بأنهم ، هم وحدهم من يحوز الحقيقة . رغم أنف الجغرافيا والتاريخ ، والحاضر والماضي والمستقبل ، والدماء التي تجرى في عروق هذا الشعب الطيب الأعراق . إن تلك الأصوات لن تسكت ، إلا إذا أقبرت السردية التي تقف خلف مقالاتهم . وهذا لا يتحقق إلا بالحفر ، قد المستطاع ووفق ما هو متوفر . من شواهد تبين أصول ، سكان المغرب العربي عامة والجزائز خاصة . سواء ممن يحسبون ، على البربر أو على العرب . بعيدا عن أي توظيف سيء ، ومغرض لهذين المصطلحين . 

وهنا يجب التأكيد على أنها ، مجرد سردية مزيفة . مبنية على ملاحظة خاطئة ، تلك التي تدعى تقسيم الجزائر ، إلى مناطق ناطقة بالعربية وأخرى بالبربرية . نعم هذا ما هو موجود ، على أرض الواقع . ولكنه لا يعنى أن هناك تقابلا ، ( إثنيا ، عرقيا أو جنسيا ) في الجزائر . نتيجة التقدم المستمر للغة العربية ، واكتساحها للمناطق المحسوبة ، على المتغيرات البربرية . ولئن كانت المناطق المحسوبة ، على البربر لا تشكل عرقا واحدا في الجزائر . وفي عموم بلاد لمغرب العربي ، فكيف نقول بأن هناك ، ثائية عربي وبربري . علما أن هذه المسألة ، ( ثنائية العربي والبربري ) . لم تكن مطروحة قبل 1380 ، فالكل في الجزائر كان متصالحا ، مع هويته وهوية أخيه في الوطن . ولكن المستعمر الغاصب ، الذي ما هو إلا شيطانا . لا هدف له سوى تخريب الأوطان ، وضرب وحدتها الشعبية والترابية . هو من زرع هذه النبتة الخبيثة ، والجرثومة المقيتة في عقول . بعض أبناء هذا الوطن ، أو في بعض جهاته ، في إطار ما يعرف بسياسة فرق تسد . ونحن هنا لا نقصد ، منطقة محددة من الجزائر . وإنما وباء الجهوية الكريهة ، الرائحة والطعم والعنصرية العفنة . هما من حاول المستعمر زرعهما ، في كل أنحاء الجزائر . نعم إن معاول الهدم الفرنسية ، لم تكل ولم تمل طوال ، فترة احتلالها للجزائر . من السعي لتفتيت ، هذا الوطن وضرب وحدته . بل إن حماسها كان ، يتجدد باستمرار لأجل الوصول . إلى غايتها ألا وهي ، على سبيل المثال فصل منطقة بلاد زواوة . ( نقول هذا الكلام بعيدا عن كل ، ما من شأنه أن يطعن في وطنية . أبناء هذه المنطقة الشرفاء ، أو حتى مجرد التلميح . بما يفهم منه التشكيك ، في مدي حبهم وتعلقهم بهذا الوطن . ونحن لا نقول هذا ، الكلام تزلفا أو نفاقا . وإنما هذا ما نؤمن به ، وهو ما يلمسه كل زائر لهذه المنطقة . وإنما نحن نتحدث ، عن المشاريع الاستعمارية . حتى لا يساء فهمنا أو يوظف كلامنا ، من قبل المغرضين ودعاة الفتنة ) . نعود ونقول بأنه ليس خافيا على أحد منا ، بأن فرنسا عملت المستحيل . لتقضي على اللغة العربية ، ولتنشر مكانها الفرنسية ، في كل عموم أرض الجزائر ، وبلاد زواوة ( منطقة القبائل ) جزء منها . ثم جاء الماريشال توماس بيجو ، الذي كان أكثر وضوحا . فيما يخص ما سطرته فرنسا ، لهذه المنطقة حينما قال في العام 1840 : ” بعد أن أخضعنا العرب يجب علينا نشر حضارتنا وقوانيننا في الوسط الأهلي البربري ” . نعم لقد سعت فرنسا الاستعمارية ، ورمت بكل أدواتها وثقلها . لفصل منطقة بلاد زواوة ، عن الجسد الجزائري.  كما هو حالها في كل مستعمراتها ، مستغلة حالة الوهن والضعف ، التي عرفها العالم العربي والإسلامي . ونضيف إليها حالة القطيعة ، التي أحدثتها بين الجزائريين والعالم العربي . نتيجة قطع كل وسائل ، التواصل بينهما بما فيها عامل اللغة ، واستثمرت في هذا الوضع لصالحها . ونتيجة لظروف خاصة ، ( الفرنسة والتنصير وتزوير التاريخ ) . وبعد أن هيأت الأرضية ، اللازمة ومهدت الطريق . أمام مشروعها الرامي إلى تجزئة الجزائر ، نجد بأن مخططاتها قد نجحت بعض الشيء . حتى أن بعض الأمازيغ ، وكما جاء في الصفحة السادسة . من كتاب أبي يعلي الزواوي ، ابن ولاية تيزي وزو والمعنون ” بلاد زواوة ” . قد أصبحوا يبحثون عن ، أرومة أوروبية ينتمون إليها .  

مقالة صادمة على الناطقين بالعربية في الجزائر العودة إلى السعودية

إن الحديث عن عرق بربري ، صافي مميز ونقي عن غيره ، من الأعراق والإثنيات الأخرى . لهو حديث خرافة يذكرنا ، بخرافة شعب الله المختار . المنحدر من ابراهيم ع ، والتي أثبت الدراسات ، العلمية زيفها وعبثيتها . وفضح هذا الادعاء ، جاء من اليهود أنفسهم . كما هو الحال في كتاب ، اختراع الشعب اليهودي وكتاب اختراع أرض إسرائيل ، لليهودي الإسرائيلي شلومو ساند . كما نجده في كتاب ، القبيلة الثالثة عشر لآرثر كيستلر . وفضلا عن هذا فإن علم الأنتروبولوجيا ، ينفي نظرية النقاء العرقي . أمّا علم الاجتماع فيؤكد ، بأن تكوين الأمة أساسه ، تاريخي وليس بيولوجي . فعرب اليمن أو عرب العراق ، ليسوا عربا أقحاحا . وإنما هم في مجموعهم ، نتاج تراكم تاريخي . نتيجة الفتوحات الإسلامية ، وأسلمة شعوب الشرق الأوسط . التي بعد اسلامها دخلت ، في ولاء هذه القبيلة أو تلك . ومع تقادم الأزمان تورات ، أصولها الحقيقية مع تعربها النهائي . وأصبحت تقول بأنها عربية ، من قبيلة كذا أو كذا . ومن هنا فالمنطق يرفض ، أن ينسب البربر قسرا . إلى عرب العراق أو اليمن أو الشام . وهم أنفسهم ليسوا عربا أقحاحا ، ونحن هنا نتحدث عن الفترة بعد ، ظهور الإسلام وليس ، عن شعوب تلك المناطق في العصور القديمة . ونفس الأمر حدث في المغرب العربي ، حيث تعربت القبائل البربرية ، ونست لسانها بصورة نهائية مثل قبيلة كتامة . ولكن اللسان البربري بقي ، وخاصة في المناطق الجبلية . وإن كنا نرى إلى اليوم ، استمرار حركة التعريب القوية . وخصوصا بمنطقة الأوراس الجزائرية ، ومن يزورها يجد بأن مركزها ، ولاية باتنة لا تختلف عن أية مدينة جزائرية أخري . من حيث استخدام اللسان العربي ، وهذا دليل على أن التعريب ، فيها يسير بخطوات متسارعة . وإلى غاية اليوم نستطيع أن نسمع ، كلمة ” دادا ” تستخدم من قبل كبار السن . عندما ينادون آبائهم أو يذكرونهم ، وهذا في مناطق واسعة . من أقصى الشمال الشرقي للقطر الجزائري ، كأجزاء من ولاية الطارف وعنابة وسوق اهراس وقالمة . وكلمة دادا يقابها في العربية كلمة أبي ، ولكنهاتنحدر من الكلمة البربرية ” أذاذا ” التي تحولت إلى أدادا . وأخيرا إلى دادا عبر استبدال ، حرف الذال بحرف الدال . أو هي تحريف لكلمة أفافا البربرية ، والدال حل محل حرف الفاء . لعدم وجود هذا الحرف ، V في اللغة العربية . تماما كما يستبدل حرف p ، في كل الكلمات التي تستعار من اللغات الغربية . فهذا الحرف هو الآخر ، لا يوجد في اللغة العربية . وهذا دليل على أن العنصرين البربري والعربي ، قد حدث تمازج بينهما . لدرجة أصبحت الحدود الفاصلة بينها ، لا يمكن تحديدها فما ، بالك بأن تكون واضحة المعالم . وهذا ما يؤكده قول ، العلامة عبد الحميد بن باديس حينما قال بأن : ” أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضع عشرة قرنا ، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء ، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحدهم في السراء والضراء ، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصراً مسلما جزائرياً ، أمه الجزائر وأبوه الإسلام . 

وقس على ما سبق ذكره أعلاه ، ما لا يحصى من الكلمات البربرية الأخرى . المستعملة بصورة عادية ، في حياتنا اليومية . ونفس الأمر مع أسماء الأماكن ، التي هي بربرية مثل تسمية صنهاجة . وهي تسمية لقرية بدائرة،  بوحجار بولاية الطارف . أو تسمية رغيوة وهي أيضا ، تسمية لقرية بدائرة البسباس في نفس الولاية . وكما نعلم جميعا بأن هذه الولاية ، تقع في أقصى الشمال الشرقي للقطر الجزائري . وهاتان التسميتان هما لقبيلتين بربريتين ، من فرع البرانس حسب النسابة . ولا تفسير لهذا الأمر سوى ، أن هذه المناطق تعرب سكانها ، مع احتفاظ المنطقة بالتسمية البربرية . أما مدينة سدراتة بولاية سوق اهراس ، فهي تحمل اسم القبيلة البربرية ، البرنسية المعروفة بهذا الاسم . وهذا يدل دلالة واضحة على أن أصول ، من يعتبرون أنفسهم عربا . في منطقة المغرب العربي ، ما هم في الأصل إلا بربرا تعربوا . وبتقادم الأزمان نسوا ، أصولهم البربرية واصطنعوا ، لأنفسهم أنسابا عربية . حتى أصبحنا نسمع منهم ، من يدعى بأن أجداده قد جاؤوا ، من اليمن أو من العراق أو الحجاز . وكل هذا ما هو إلا ترديد ، لمقولات نمطية ذكرها مؤرخو ورحالة ، العصور الوسطى لتبرير واقع اجتماعي ، قائم في تلك الفترة . وكل هذا لأن الانتماء ، إلى تلك المناطق . قد كان مدعاة للفخر ، ويلحق أصحابه بطبقة الأشراف . وما يُحصل من هذا التموقع ، من امتيازات ومزايا ، سياسية اقتصادية ودينية واجتماعية . لأن العرب كانوا ، في تلك الفترة هم مركز العالم ، وإنجليز القرن التاسع عشر . واليوم عندما تحول هذا المركز ، إلى الغرب الأوروبي . أصبحنا نرى في فترات سابقة جزائريين ، يلهثون وراء الجنسية التركية . لا لشيء سوى لأن تركيا ، تفاوض لأجل الانضمام ، إلى الاتحاد الأوروبي . لأنه يضمن لهم ، الالتحاق بالغرب الذهبي . ونحن هنا لا نشكك ، في أصول بعض الجزائريين التركية . وإن اندس بينهم ، من لا يرجعون إلى الأتراك . ونفس الأمر مع من ينقبون ، عن أي خيط يربطهم بفرنسا وجنسيتها . ولكن متى تغير المركز ، فإن المراكز السابقة تصبح هوامش ، مهمشة تتبعه بصورة ألية . وتنفصل عنها توابعها السابقة ، لتلتحق بالمركز الجديد . وهذا ما يحدث اليوم ، مع بعض البربر . ممن يرغبون في الحاق نسبهم بالغرب ، بعيدا عن قبائل الحجاز المتخلفة ،الممثلة لكل ما هو عربي في نظرهم . وتناسوا بأن العربية عنوانها الحقيقي ، غرناطة وقرطبة وإشبيلية ، وبغداد الرشيد ودمشق الأمويين . ولنكن صادقين مع أنفسنا ، كما أن نسبة العرب . الذين أتوا إلى منطقة المغرب العربي ، كانت قليلة لدرجة أن الأغلبية البربرية ، كانت قادة على تذويبهم في بوتقتها . وهو عين ما حدث ، في مصر وليبيا وغيرهما . ونحن هنا محتارون ، لماذا المصريون تصالحوا مع تاريخهم ، إلا نحن لا زلنا في حالة عداء مع تاريخنا . كل يستخدمه حسبما يراه ، لإقصاء الآخر . بدلا من جعله الخيط الذي ، يربط كل فئات الشعب الجزائري . لما فيه صالح الجزائر أرضا وشعبا ، كما يربط خيط العقد حباته . على اختلاف ألوانها وأحجامها ، فتزداد قوة على قوة . والهجرات العربية لمنطقة المغرب العربي ، لم تكن تكفي لتحدث تغيير ، ديموغرافي لصالح العرب . والتاريخ لم يحدثنا عن أية ، إبادة جماعية للبربر . حتى نقول بأن العرب حلوا محلهم ، مثلما فعل الغزاة الإسبان في كوبا . أما المناطق الأخرى ، التي لم يبيدوا سكانها بصورة كاملة . كالمكسيك فسكانها بقوا كعرقية إثنية ، ولكنها أصبحت تتحدث اللغة الاسبانية ، واتخذت من المسيحية دينا لها . ولكن في منطقة شمال إفريقيا ، لا يمكن أن يوجد مثل هذا التمايز العرقي . لأن من جاؤوا هم فئة قليلة ، حدث بينها وبين البربر اندماج . يستحيل معه تحديد الحد الفاصل بينها ، خاصة أن من جاؤوا مع الفتوحات الاسلامية . إضافة إلى عددهم القليل ، فهم في معظمهم جنس متوسطي . يشتركون مع البربر ، في الخصائص الفسيولوجية . يخبرنا كل من المؤرخ ستيفان ، جزيل وبيرونيه بأن : ” الآثار ببلاد الجزائر وما حولها توجد لها نظائر في إقليم مصر والنوبة منذ خمسة آلاف سنة ، كما يعلم من تاريخ الرومان أنهم استنجدوا بحلفائهم في اليمن والحبشة فأنجدوهم بقوة كبيرة بقيت في إفريقيا الشمالية ، ولم يعد منها إلى موطنها الأول غير القليل والباقي اندمج في البربر . تماما كما اندمج في عقود ماضية ، العبيد الأفارقة السود المحريين . في منطقة بني مزاب ، وأصبحوا جزء أصيلا ، من التركيبة الاجتماعية المزابية . 

ونحن هنا نتعجب كيف ، يحاول بعض أنصار النزعة الأمازيغية . ولا نقول البربر ، التركيز فقط على عنصر النقاء العرقي البربري المزعوم . والتاريخ يكذب هذا الادعاء ، فالبربر أنفسهم تعربوا . وانتقلوا بالآلاف مع المعز الفاطمي ، وسكنوا القاهرة وذابوا في الشعب المصري ، وأصبحوا مصريين . ونحن هنا نقصد كل من قبيلة ، كتامة وزويلة ومن سلك نهجهما . والشيء الأكيد أن أحفادهم ، اليوم بالملايين ممن نسوا بصورة نهائية ، أصولهم البربرية وتمصروا . أما من بقي من البربر المعربين ، فهم ممن نطلق عليهم ، اليوم عرب المغرب العربي . والفرق بينهم وبين ، من انتقل مع الفاطميين . هو بقاؤهم هنا في ، أرض آبائهم وأجدادهم . ونفس الأمر يقال مع البربر،  الذين انتقلوا إلى فلسطين . خلال حقبة الحروب الصليبية ، للدفاع عنها ولا يزال باب المغاربة ، يشهد على هذا الأمر . فهم بربر تعربوا وأحفادهم ، اليوم فلسطينيون ، أو لبنانيون وسوريون . 

ولذلك فإن المنطق يقول ، بأن تلك المقولة القائلة . بأنه يتوجب على الناطقين بالعربية ، في الجزائر أن يعودوا إلى السعودية . وكأنهم جاؤوا منها ، حتى يعودوا إليها . لهي مقولة تجافي ، العقل والمنطق وتقفز على التاريخ . مقولة عنصرية بغيضة ، وما هي إلا ضربا من الجنون . ترى كيف يعودوا إلى السعودية ، وهم بربر تعربوا ، منذ زمن قريب أو بعيد . ولنقف على هذه الحقيقة ، التي لا تقبل النقاش . ما علينا سوى مطالعة كتابEnquête sur la dispersion de la langue berbère en Algérie – Edmond DOUTTE  . فعلى سبيل المثال يذكر صاحبه ، بأن منطقة فج مزالة . التابعة لولاية ميلة الحالية ، كان بها 9236 نسمة من البربر ، الذين تعربوا نهائيا . أما في منطقة خنشلة ، في نفس الفترة فقد تعرب . من أبناء المنطقة 112 فرد ، وهناك 1870 في طريقهم للتعرب التام . وقس على هذا ما حدث من تعريب ، للبربر قبل وبعد 1913 ، تاريخ تأليف هذا الكتاب . لدرجة أن مناطق شاسعة ، من الجزائر تعربت نهائيا ، أو بقيت بها جيوب بربرية لا تكاد تذكر . وإلا أين هم بربر الغرب الجزائري ، كبربر معسكر وغليزان وتلمسان على سبيل المثال . ونفس الكتاب يخبرنا بأن ما يقارب 300.000 أمازيغي ، فقدوا لغتهم الأصلية خلال خمس سنوات ، ( 1906 و 1911 ) . وهو رقم ضخم للغاية في تلك الأيام ، يوم لم يكن عدد سكان الجزائر ككل ، يزيد عن الأربعة ملايين بقليل . علما بأن عمليه التعريب الذاتي ، لم تتوقف إلى غاية اليوم ، والعدد في ارتفاع مستمر . وعليه فمن الجنون ، أن يمارس جزائري عنصرية . واضطهاد وفصل عنصري ، ضد أخيه الجزائري . الذي لا ذنب له سوى أنه تبني ، عن قناعة الهوية العربية الجزائرية . التي لا علاقة لها ، بفكرة القومية العربية والعروبة . التي ما هي إلا صدى ، للفكر القومي الأوروبي . وها هي القومية العربية ، قد قبرت منذ زمن بعيد . ولكن البربر نراهم مستمرين ، في تبني اللغة العربية . عن طريق التعريب الذاتي ، الذي ما كان أو سيكون ، سياسة دولة ممنهجة . وعلى الذين ينكرون ، جزائرية وأصالة وعراقة ، الناطقين بالعربية في الجزائر . وأنهم جزء من ساكنتها ، قبل الفتح الاسلامي . أن يجيبوننا أين ذهب البربر الزناتيون الرحل ؟ ، لقد تعربوا ولم يبقى سوى إخوانهم ، الصنهاجيون من طوارق الجنوب ، أو الشمال الجزائري . علما بأن الفتح الاسلامي ، لم يكن مشروعا استيطانيا احلاليا . كما هو حال الغزو الاسباني ، للقارة الأمريكية أو الفرنسي في الجزائر . وعليه فسكان الجزائر الحاليين ، ما هم في معظمهم إلا أحفاد ، هؤلاء البربر المستعربين . ممن لا علاقة لهم بالأصل ، الأسطوري الخرافي اليمني ، خاصة والمشرقي عامة ( ونحن هنا نتحدث عن ، عرب الفتوحات لا على عرب ما قبلها ) . وإن كنا لا ننكر تمازج الشعوب ، عبر مختلف الهجرات الفردية والجماعية .

وعليه فليس من المعقول أو من المنطق ، أن يكون كل سكان المغرب العربي عربا . مثلما هو من المستحيل أن يكون ، سكان السودان الناطقين بالعربية عربا . بل إن وجوههم تنبؤنا وتخبرنا ، بأنهم أفارقة في أثواب عربية . ومعهم أهل التشاد ومالي ، وكل الناطقين بالعربية ، في إفريقيا السواحلية . وعليه لا يُعقل أن يكون البربر ، ينتمون إلى عرق واحد عربيا ، كان أو بربريا فهذا الأمر محال . وإنما هناك عدة مجموعات بربرية ، تعرب أفرادها كما تعرب أفارقة إفريقيا ، الذين ينتمون إلى إثنيات وعرقيات مختلفة . 

ومقولة أنه يجب على المعربين في الجزائر ، أن يعودوا إلى السعودية . لهي مقولة انحدرت من الأدبيات الفرنسية الاستعمارية ، التي تزعم بأنه يتوجب على العرب ، أن يعودوا من حيث أتوا . وهي مقولة قبرت بانتهاء ، المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر . وما الجزائر اليوم بدعا ، في كون شعبها يتحدث أكثر من لسان . فهذا الأمر أصبح هو القاعدة ، في كل دول العالم وغيره الاستثناء ، بفعل تواصل الشعوب وتداخل عناصرها . 

وإنه لجنون هذا الكلام غير المسؤول ، الذي مفاده بأنه يتوجب على عرب الجزائر . كما يقول البعض أن يعودوا إلى السعودية ، هل يريد صاحب هذا الكلام . أن يشن حرب تطهير عرقي ، على إخوانه في العرق والجنس والدين والوطن . فقط لأنهم تبنوا اللسان العربي ؟ ، كما فعل الإسبان مع إخوانهم . من الأندلسيين الإيبيريين المسلمين ، لأنهم يختلفون معهم في العقيدة ؟ . أي جنون هذا إنه يتوجب ، على الحكماء التصدي لهذا الأمر بحزم . كما تصدي كريم بلقاسم ، وطهر منطقة القبائل . من أنصار النزعة البربرية المتعصبة ، في الفترة ما قبل 1962 . إن هناك من يتهم بعض إخوانه ، في الوطن الجزائري . بأنهم يتسترون وراء ، أسلمة البلاد لتعريبها ، وكأن أهلها وثنيون يحتاجون للأسلمة . وفي مقابل هذا الادعاء الزائف ، فإنهم عن قصد وعمد يتجاهلون . سياسة الفرنسة الممنهجة ، قبل الاستقلال من قبل فرنسا ، وبعد الاستقلال من قبل وكلائها . والتي هي الأخرى ( الفرنسة ) ، الطريق الرئيسي والأوحد المؤدي إلى التنصير .  

إنه من غير المعقول ربط ، تعرب البربر بالإسلام . ونحن نرى في المشرق العربي ، مسيحيين عربا لا علاقة لهم بالإسلام  . وإنما التعريب حدث في الجزائر ، وبلاد المغرب العربي . نتيجة انهزام البربر ( الأمازيغ ) ، أمام الثقافة العربية الإسلامية . المحكمة والساحرة والمتينة ، وذات الجاذبية التي لا تقاوم ولا تهزم . والتي لم تستطع أية ثقافة أخرى ، طوال العصور الوسطى أن ، تنافسها أو تبزها أو تطاول صرح بنيانها . وهذه الثقافة استطاعت ، أن تأسر البربر كما فعلت مع الإسبان . فتعربوا جميعا بمحض ، إرادتهم دون أي ضغط أو إكراه . وإلا بماذا نفسر فئة المستعربين ، في إسبانيا ممن تبنوا الثقافة العربية الإسلامية . دون التخلي عن نصرانيتهم ، وكذلك فعل اليهود ومسيحيو ، مصر وبلاد الشام والعراق . 

ولهذا فالإسلام وكما هو ملاحظ ، على أرض الواقع ، لم ولن يكون دين تعريب . والدليل هو أن يوسف بن تاشفين ، وما أدراك ما يوسف بن تاشفين . أمير المسلمين وبطل الزلاقة الشهير ، ومنقذ الإسلام في الأندلس ، من موت محقق واندثار سريع . يقال بأنه لم يكن يحسن اللغة العربية ، حسب ما جاء في كتاب ابن خلكان ، وفيات الأعيان الجزء السابع . وإن كان هذا الكلام يجانب الصواب ، ولو أنه قيل في بعض جنده لكان مقبولا . ولكن ربما يكون الحقد ، على الإسلام هو من أعمى،  أصحاب هذه المقولة . وإلى جانب ما سبق وهذا دليل كاف على أن ، الإسلام برئ من تهمة التعريب . وما يؤكد أن لا علاقة ، بين انتشار الإسلام وتعريب سكان الجزائر . هو أن هناك مناطق شاسعة منها ، بحجم دول لم تتعرب إلى اليوم ، في محتلف زواياها الأربع . وعلى رأس القائمة منطقة بلاد زواوة ، ومنطقة الأوراس مع أن سكانهما أسلموا . ولذلك فما من داع ، لاتهام الإسلام بتعريب البربر في الجزائر . ولا يعتنق هذا الرأي ، إلا المعادين له ممن يتمنون . لو أنهم يستيقظوا صباحا ، فيجدونه قد اندثر ( الإسلام ) من بلاد المغرب العربي . ولهذا فالفشل المزدوج ، فيما يخص العجز عن التصدي ، لانتشار الإسلام من جهة . والفشل في معرفة الآلية ، التي تعرب بها البربر ، هي من أوحت بمثل هذا الكلام . وكان الأجدر البحث في مكان آخر ، بعيدا عن اتهام الإسلام بتعريب البربر . وإلا فلماذا لم يعرب الترك والفرس ، والملاويين والطاجيك والكرد . والأفغان والبشناق والسلاف ، وغيرهم من أمم الدنيا الأخرى المسلمة . وها هو كتابEnquête sur la dispersion de la langue berbère en Algérie المذكور أعلاه يخبرنا ، بأن العامل الاقتصادي . وظهور أقطاب صناعية اقتصادية ، وامتداد طريق السكك الحديدية من الغرب إلى الشرق ، سهلت عملية الفرنسة والتعريب . فخروج الأمازيغي من بيئته الجبلية ، نحو الفضاءات الأوسع . والنشاطات الأفيد له ، جعله يفقد لسانه بالتدريج ، لحساب العربية والفرنسية  . 

ولذلك يجانب الصواب من يدعى ، بأنه قد قال كلمة الفصل . فيما يخص الآلية التي ، تعرب بها البربر في منطقة الشمال الإفريقي ، عامة والجزائر بصورة خاصة . وإن كانت هناك عدة مقاربات ، أعطتنا عدة تفسيرات . قد تقترب أو تبتعد من هذه الآلية ، حسب ما يتوفر من مصادر ومراجع . وقدرات معرفية وبحثية ، عند من يتصدى لهذا الموضوع . ولكن الشيء المؤكد ، هو أن عملية التعريب . مرت بمرحلة الازدواجية اللغوية ، كمحطة نهائية صوب التعريب الكلي . ازدواجية لا مفر من حسمها ، لصالح العربية أو أحدى المتغيرات البربرية .

إنّ الواحد ليقف متعجبا من هذا العداء ، الذي وصل إلى حد الضغينة والحقد . من قبل قلة قليلة لا تمثل إلا نفسها ، على اللغة العربية . في منطقة المغرب العربي ، وكأن العربية هي المسؤولة . عن تراجع مختلف ، المتغيرات البربرية بالجزائر . على وجه الخصوص ، ولكن القصة غير ما يروج لها البعض . وهنا ما علينا سوى أن نعرج ، على كتاب كابرييل كومب البربر ذاكرة وهوية . هذا الذي يخبرنا بأن الكثير ، من الكتابات الليبية والتيفناغات القديمة . في مناطق باتت اليوم معربة بالكامل ، في تونس والشمال الشرقي من الجزائر . وفي الغرب ومنطقة طنجة ، من المغرب وفي شمال الصحراء . وقد تعرضت هذه الكتابة ، في بلدان الشمال لمنافسة البونيقية ، ثم من اللغة اللاتينية . ويسلم البعض بأن هذه الكتابة ، قد صارت إلى إهمال ونسيان . من قبل أن يكون دخول ، الكتابة بالعربية في القرن السابع الميلادي . وهذا الكلام يمكن أن يكون ، مطعونا فيه أو مردودا على صاحبه . لو أنه كان ممن يسميهم البعض ، تهكما وغمزا ولمزا العروبيين . ولكنه جاء على لسان ، واحد ممن يريد البعض . إيجاد صله قرابة مصطنعة ، تربطهما وإلحاق نسبه وأصله به وبقومه . ولو بالكذب والتزوير والتدليس ، ومصادمة حقائق التاريخ . وبعد ما سبق من كلام لكامب ، إنه من غير المعقول ولا المفهوم . سبب هذا العداء الذي يكنه البعض ، للغة العربية ويحملها مسؤولية ، ما هي بريئة منه . وما حدث للمتغيرات البربرية ، في منطقة المغرب العربي . من اضمحلال وضمور ، وانحصار وتراجع واندثار ، لم يكن سببه وصول اللغة العربية ولا انتشارها .

وإنما يعود لضعف وعدم قدرة ، البربرية على التعبير . كما يخبرنا بذلك كابرييل كومب ، في كتابه البربر ذاكرة وهوية . كما أن غابرييل كامبس ، يؤكد على عدم وجود ، لغة بربرية موحدة . ولهذا فقد كتب أبوليوس البربري ، رواية الحمار الذهبي باللاتينية . كما أن الأب دوناتوس ، زعيم الحركة الدوناتية . وهو الآخر بربري ، كان هو واتباع هذا المذهب ، يصلون باللغة الكنعانية الفينيقية . فلماذا لا يوجه لهم اللوم ، على صنيعهم وتخليهم عن لغتهم ؟ ، ويُبحث عن السر الكامن وراء مسلكهم . بدلا من المصادرة عن المطلوب ، وافتعال معركة وهمية ، مع العربية في الجزائر . علما بأننا لا نتخذ أي ، موقف من المتغيرات البربرية وأصحابها . وإنما نستعرض مختلف وجهات النظر ، التي ربما تساعدنا على الوصول إلى الحقيقة ، أو ملامستها لما فيه خير الجزائر وشعبها . 

علما بأن اللغة العربية ، لم تزاحم ولم تحارب وما سعت ، لتحل محل المتغيرات البربرية . وإنما حلت محل اللاتينية ، لغة المستعمر الروماني كتحصيل ، حاصل لإسلام المنطقة . وهو عين ما حدث في مصر وبلاد الشام ، وفي عدة مناطق من العالم . أين حلت لغات محل أخرى ، كما حدث في الفليبين أو القارة الأمريكية . وهنا لا يجب أن يخفى عنا ، بأن العيب لم يكن في تلك اللغات ، التي حلت محل المتغيرات البربرية . وإنما العيب يكمن في ضعف الأخيرة ، وعدم قدرتها على الصمود . فحتى دولة ماسينيسا ، لم تكن البربرية لغتها الرسمية وإنما البونيقية . حتى أنه علم ابنه ، اللغة اللاتينية والبونيقية والإغريقية . فلماذا لا يلام البربر ، ممن تخلوا بكل حرية وطواعية ، عن لغتهم لصالح لغات أخرى . ولماذا لا يلام ماسينيسا ، على هذا الصنيع أي تبنيه اللغة اللاتينية . في حين أنه لمّا تبني البربر ، اللغة العربية تم التشنيع عليهم . وكأنهم ارتكبوا جريمة لا تغتفر ، أو أنهم أتوا عارا وفضيحة وخطيئة . وأنه يتوجب عليم التوبة والعدول عنها ، بالتخلي عن الإسلام والعربية . حتى يرضى عنهم بعض بني جلدتهم ، ممن ربطوا مصيرهم بالضفة الشمالية للمتوسط ، كما ربطها ماسينيسا من قبل . 

إن التعريب في شبه الجزيرة الإيبيرية ، قد أنتج الأندلس أعجوبة الدنيا . ومعها أنتج قرطبة وإشبيلية والزهراء ، وقصر المورق والحمراء ، والمعتمد بن عباد وابن زيدون . فحتى أعدائهم وقعوا في حبهم ، ولا يزالون إلى اليوم ، يعشقون المعتمد بن عباد . ويكفي تعريب الأندلس فخرا ، أن فرناندو الكاثوليكي . عندما دخل قصر الحمراء ، لم يجد من كلمات سوى أن يصف ، قصره بإشبيليا بزريبة وإسطبل للحيوانات . في مقابل جمال وروعة قصر الحمراء ، ومن فعلها مرة يفعلها ألف مرة . فلماذا يريد البعض للبعض ، أن يرتدوا عن الكمال ، إلى ما هو أدني منه منزلة ودرجة ؟ ! . والبربر أنفسهم ما أصبحوا أساتذة لأوروبا ، إلا بعدما تبنوا اللغة العربية . وللتدليل على هذا يكفينا ، ليوناردو فيبوناتشي الذي تعلم الأرقام العربية ، في بجاية ومنها نقلها إلى أوروبا .

إن هذا العداء غير المبرر ، لتعرُّب البربر ليس له من تفسير . سوى أن أصحابه ارتبطوا ارتباطا ، مصلحيا وأيديولوجيا وثقافيا . ولمَا لا دينيا بالمستعمر السابق ، وولوا وجهوهم شطر الضفة الشمالية للمتوسط ، وكم كانوا يتمنون لو أن ما حدث لم يحدث . وكم هم ناقمون على ما حدث ، فهم دوما يتساءلون . لماذا تعربت هذه المنطقة ، دون سواها من المناطق الأخرى ، التي دخلها الإسلام . هذا هو السؤال الذي يؤرقهم ، وكم هو صعب التعايش ، مع هذا الواقع المؤلم بالنسبة لهم . والواضح أن أغلى وأسمى أمانيهم ، لو أن المنطقة ( المغرب العربي ) . انصهرت في القادم من الشمال ، وترومنت وانتهى الأمر . ولهذا نراهم يتمنون لو أن البربر ، لم يكونوا أعداء للبيزنطيين ، ولو حدث هذا لكان للتاريخ وجهة أخرى . ويبقي يدور في أذهانهم ، السؤال اللغز والمحير ، الذي يؤرقهم ويجلدهم كصخرة سيزيف . ما هو السر الذي جعل البربر ، يتآلفون مع العرب الفاتحين ؟ . بشهادة غابرييل كامب ، الذي يخبرنا في كتابه البربر ذاكرة وهوية . بأن مقاطعة إفريقيا كانت ، مسرحا لمواجهات طاحنة بين ، البيزنطيين والبربر المتمردين . ولذلك كم قتل هؤلاء الغزاة،  من أجدادنا البربر ؟ ولماذا التشنيع على ما حدث ، بعد الفتح الإسلامي ، والتغاضي عما كان قبله وكأنه لم يحدث . وما حدث من حروب في بلاد المغرب العربي ، كان شأنه شأن ما حدث ، في كل جهات العالم الأخرى . فالحروب بتلك الأيام كانت ، في كل مكان وإن تعددت ، أسبابها اقتصادية كانت أو دينية .

إن الكثير من الناطقين بالبربرية في الجزائر،  قد تم تضليلهم عن عمد ، عند استخدام كلمة غزو . ولذلك كثيرا ما نسمع بعضهم ، يتحدث عن الغزو العربي . وهم يدركون وواعون ، بتلك الحمولة السيئة . التي تختزنها هذه العبارة ، فهي ترتبط بالغزو ، الاسباني المتوحش للقارة الأمريكية . وبالغزو الهمجي الفرنسي ، للجزائر والبلجيكي للغونغو . وما رافق ذلك الغزو ، من توحش يندى له الجبين . ولكن مهلا وكما تساءل أحدهم ، متى كان العرب غزاة لغيرهم ، من شعوب وأمم الدنيا الأخرى ؟ . فهؤلاء العرب الذين ، تلصق بهم زورا تهمة الغزو . قد عاشوا لأكثر من ، ستة عشر قرن في جزيرتهم . ولم يسمع أحد بغزوهم ، أو محاولة غزوهم لأراضى غيرهم . بل هم من حاول البعض غزوهم ، كالإسكندر المقدوني والرومان ، والأحباش والفرس . وهنا يطرح هذا السؤال المشروع ، لماذا العرب طيلة كل تلك الفترة . لم يعرف العالم شيئا ، اسمه الغزو العربي ؟ . الذي يحاول البعض زورا الصاقه بهم ، وعلى المروجين لهذه الفكرة ، ( الغزو العربي ) أن يجيبوننا على هذه الأسئلة . 

إن ما حدث منذ القرن السابع الميلادي ، لم يكن أبدا غزوا عربيا . بل كانت عمليات انتشار للإسلام ، صحيح أنها عرفت مواجهات عسكرية . ولكنها لم تكن موجهة ، للسوريين والقبط والبربر . وإنما ضد محتليهم من ، البيزنطيين ورثة الرومان . ثم إن من حمل الإسلام إلى إيبيريا ، لهو طارق بن زياد البربري . ومن قبله قبيلة لواتة البربرية ، هي من نشرت الإسلام بين البربر ، في كل من تونس الجزائر الحاليتين . ولفظ غزو يستخدم في غير محله ، والعيب هنا ليس في اللفظ العربي . وإنما في اللغات الأوروبية ، التي لا توجد فيه كلمة فتح ، وإنما كلمة غزو أو احتلال . ولذلك فالحروب العدوانية التي شنها الإسبان ، على الأندلس سموها إعادة الاحتلال Reconquista . وبالتالي فإن الكثير من أتباع ، المدرسة الفرنسية من الجزائريين . وخصوصا الطبقات المتبنية ، للأطروحات الكولونيالية . تلقفت هذا المصطلح كما لو أنها ، وجدت الحل السحري . لتصفية حساباتها مع الوجود ، العربي الإسلامي في الجزائر ، ولهذا فهي ضحية لعبة المصطلحات . ولنوضح الأمر أكثر فبعض ، من ساروا في ركب الاستعمار . أصبحوا يعادون عن جهل اللغة العربية ، حتى أنهم رفضوا كل ما يتصل بها ، حتى لو كان النص القرآني الكريم . على أساس أنه ، أنزل بلسان عربي مبين . ولفظ العربي المبين ، لا علاقة له بالعرق والجنس . لأن القرآن ما كان للعرب ، وإنما لكافة بني البشر . ومنه يمكن القون بأن كلمة لسان عربي مبين ، تعني الواضح والبين . لكون اللغة العربية ، وكما قال المفسرون . أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني . وما من شيء غير هذا ، بعيدا عن كل تعصب أو تحيز ، لهذه اللغة أو لأهلها . ونتيجة للقراءة الخاطئة ، لعبارة قرآن عربي مبين . فقد تم رفض كل ما يتصل بالعرب ، لأنهم ربطوا بصورة خاطئة . بين القرآن المنزل بلسان ، بين وواضح وجلي . وبين الإسلام والجنس العربي ، الذي لم تجد الآلة الدعائية الاستعمارية ، من نقيصة ومسبة إلا وألصقتها بهما . وإن كان من البداية الإسلام ، هو المستهدف في الجزائر . من قبل المستعمر وبعد الاستقلال ، سعي من خلفه من الجزائريين ، لتكملة مشروعه . إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا ، مهاجمة الإسلام بصورة مباشرة  ، وإن كان هو المستهدف . فسعوا لهدم كل ما يتصل ، بالحرف العربي في الجزائر . وما كان إلا أن شنوا عليه ، وعلى الإسلام حربا . عل وعسى أن ينجحوا ، فيما فشل فيه أساتذتهم ، خلال حقبة الليل الاستعماري الطويل . نعم هناك من يستخدم ، تعبير الغزو العربي لمنطقة المغرب العربي . بدلا من عبارة الفتح العربي ، ربما يكون هذا الاستخدام متعمدا . نظرا لمعتقدات مستخدميه المعادية ، لكل ما هو إسلامي وعربي في الجزائر . وهذا يوشي بأن أصحاب ، هذا الاتجاه مؤدلجون . ولذلك فهم ينطلقون من خلفيات عقائدية ، لا تكن سوى الحقد والكراهية . لكل ما هو عربي وإسلامي ، إلى الحد الذي وصل ببعضهم إلى نعت ، الرسول الكريم ص بالمجرم والخبيث ؟ . وغيرها من التعابير الصادمة ، التي لا يمكننا الإشارة إليها ، وحاشا سيد الخلق أن يكون هكذا . ولئن وصل البعض إلى هذا الحد ، من التطرف والتعصب . فإنه يجب مقارعة الحجة بالحجة ، وتبيان زيف هذه السردية ، وعدم الاستهانة بأصحابها . فيمكن أن تكون مقدمة ، لحريق قد يسبب الأذى الكبير لوطننا الجزائر . خاصة أن بعض غلاة النزعة الأمازيغية ، قد أعلنها صراحة . من أنه قريبا ستُعلن الثورة ، على ديكتاتورية المعرّبين والإسلاميين في الجزائر . قريبا ستُعلن الثورة على التاريخ المزيّف ، الذي استوردوه لنا من قبائل الحجاز المتخلفة . قريبا سنعلن قيام الدولة الأمازيغية ، الحديثة في شمال إفريقيا . 

وكم يحلو لغلاة النزعة الأمازيغية ، الحديث عن همجية ، العرب الفاتحين وتوحشهم . وكان الأولى الحديث ، عن الفتح الإسلامي لا العربي . ولكنهم عن عمد وكما هو حال ، المدرسة الاستعمارية الفرنسية من قبلهم . التي تستخدم نفس التعابير ، لتنزع الشرعية عن الوجود العربي في الجزائر ، وتمنحها لتواجد الغزاة المحتلين من الفرنسيين . الذين ما كانوا موضوعيين ، في تعاملهم مع العرب في الجزائر . فعندما يتحدثون عن بني هلال ، يقولون الغزو العربي والهلالي . وعندما يتحدثون عن الغزو الحقيقي ، الذي قاموا به للجزائر . فإننا نجدهم يعتبرونه وصولا ، ولذلك يتحدثون عن وصول الفرنسيين للجزائر . وهذه مغالطة كبرى ، تتعمد قلب الحقائق . وتزوير التاريخ بشكل ، لم يعد ينطلي على أحد . ومع كل أسف فقد تبني ، تلامذتهم من الجزائريين هذه السردية . وبنوا عليها موقفهم المعادي ، لمن اتخذوا منهم أعداء في الجزائر ، من إخوانهم وشركائهم في الوطن . 

علما أنه لا ثقة في الدراسات الكولونيالية ، التي تفتقد للموضوعية . فأصحابها أعطوا لأنفسهم ، حق تسمية الأشياء بغير مسمياتها . فالاستعمار الفرنسي عامل إيجابي ، يعبر عنه بلفظ وصول الفرنسيين إلى الجزائر . أما وصول الفينيقيين والعرب ، فهو استعمار للمنطقة نعيدها ونكررها . والاستعمار الروماني الذي لم يكون ، سوى احتلال غاشم . تحتل فيه الكتائب العسكرية ، الأرض الجزائرية وتستعبد أهالها . وعليه كيف يكون الوجود ، الذي أدخل المنطقة في التاريخ استعمارا . والاستعمار الفرنسي الذي دمرها ، وأرجعها إلى عصور ، ما قبل التاريخ حضارة وتقدما ؟ .

وهذه المقالات المزيفة وجدت قبولا ، عند بعد من تتلمذوا في المدارس الفرنسية . التي كانت وسيلة لتحقيق دمج البربر ، وإذابتهم في البوتقة الفرنسية . على أساس أن عملية تحويلهم ، إلى فرنسيين سهلة التنفيذ . حسب الكاتب والصحفي ، الفرنسي دي كايكس . ذلك أنه ليس للبربر ثقافة ذاتية خاصة بهم ، وعليه فإنهم لن يقاوموا الثقافة الفرنسية … ولكن المشكلة الوحيدة لديه هي أن الكتاب الفرنسيين يعتبرون البربر حقيرين وجشعين . وهدف الاستعماريين الفرنسيين ، كان واضحا ونجده فيما جاء على لسان . الكاردينال لافيجري الذي صرح في 1867 ، بمنطقة القبائل بأن ” رسالتنا تتمثل في أن ندمج البربر في حضارتنا التي كانت هي حضارة آبائهم ، ينبغي وضع حد لإقامة هؤلاء البربر في قرآنهم ” . ومن هنا بدأت عملية ، شيطنة الناطقين بالعربية في الجزائر ، انطلاقا من شيطنة العرب الفاتحين . بنسب كل شرور الجزائر ، وبلاد المغرب العربي إليهم . في حين أن العرب بريؤون من تهمة ، تخريب المنطقة ، الذي يصرون على إلصاقه بالفاتحين . فالتخريب بدأ مع الكاهنة ، وهذا ما نجده في قولها : ” إن العرب لا يريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن ، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر ” . ثم استمر طيلة تلك الحروب التي عرفتها المنطقة ، بين مختلف الدويلات التي أقامها البربر ، سواء كانت خارجية أو شيعية . فلما وصل عرب بني هلال ومن معهم ، ما كانت البلاد فردوسا قطوفها دانية . وكيف يسنى اليوم المشنعون ، على العرب بأن البربر الجمالون . هم من خربوا هذه الأرض ، قبل وصول العرب إليها بعدة قرون . هذا ما قرره كابرييل كومبس ، وإن هو لم يستخدم نفس ألفاظ وتعابير ، ابن خلدون ولكن المعنى واحد . وهل البيزنطيون كانوا بردا وسلاما ، على منطقة المغرب العربي . وتدميرهم الممنهج للمنطقة ، قد دام مع تدمير إخوانهم الوندال ، لها لمدة قرنين . ويفوق آلاف المرات ، ذلك التخريب المزعوم ، الذي ينسب زورا إلى العرب . ولذلك يجمع المؤرخون ، على أن إفريقيا البيزنطية ، ليست هي إفريقيا الرومانية . كما لا ننسى إلى جانب ، كل هذا ذلك التخريب الهمجي . الذي انجر عن تلك الحروب الطاحنة ، التي دارت بين أتباع المذاهب الدينية المسيحية المختلفة . التي دمرت ما لم ، يدمره البيزنطيون والوندال . وقس على هذا ، مختلف تلك الزيوف والسموم ، المروجة عن الناطقين بالعربية في الجزائر .

إن عامل الحقد هو من أفقد من شنوا ، حرب طواحين الهواء ، في الجزائر ضد الناطقين بالعربية . وظنوا أنفسهم قد أصبحوا أبطالا ، يخلدهم التاريخ وتسمى بأسمائهم ، المدن والشوارع ، وتنصب لهم التماثيل . نعم لقد أفقدهم التزوير ، والتدليس والكذب على التاريخ . الذي مارسه سادتهم الفرنسيون . عقولهم وأبعدهم عن ، الموضوعية والحيادية والنزاهة . ونحن هنا لا نلومهم ، فهم يعتبرون أنفسهم أعداء . لكل ما يمت بصلة ، للحرف العربي في الجزائر . ولذلك أعلنوها حربا شعواء ، على كل ما يتصل بالناطقين بالعربية فيها . وفي الحرب وكما قيل ، كل الأسلحة مباحة . ولذلك فإننا لا نتعجب ، من هذا الكم الهائل من التزوير . الذي طال تاريخ الجزائر ، على يد من شكلوا المدرسة الاستعمارية . ومن ذلك التوظيف الغائي ، والانتقائي والمغرض للتاريخ . وهو الأمر المرفوض ، لكونه يعري أصحابه . من الجزائريين من معتنقى ، النزعة البربرية المتطرفة . فما هم طلاّب حقيقة ، وإنما هم ومن خلال توظيف التاريخ . يسعون لتصفية حسابات . والدخول في معارك وهمية لن تجني منها ، الجزائر سوى الخراب والدمار . 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com