مصطفى البعليش ،كاتب مغربي..في حكاية عن عرق الكادحين

21 أغسطس 2023
مصطفى البعليش ،كاتب مغربي..في حكاية عن عرق الكادحين

رحلة العذاب

مصطفى البعليش

مصطفى البعليش

كاتب من المغرب

حملت المفاتيح وخرجت، اتجهت نحو السيارة، فتحتها حملت الأوراق وقصدت موقف الأوتوبيس، انطلق هذا الأخير قبل وصولي لمحطته بوقت قليل، استقليت نقلا مزدوجا وأنا أفكر في مغزى هذا الاسم. يقصد بالنقل المزدوج عند من خلق هذا النوع أن يجمع بين نقل الأشخاص ونقل البضائع.

وقد زعم أحد الأصدقاء أن هذا التأويل مجانب للصواب، فالأصح أنه نقل مزدوج يقل البشر والحيوانات، وبغض النظر أن مقصده من لفظ الحيوانات، فالهدف هو فك العزلة عن القرويين ومساعدة الفلاحين الصغار للانتقال بين مداشرهم والمدن، من أجل بيع منتوجاتهم الفلاحية وقضاء مصالحهم الإدارية ثم الرجوع إلى بيوتهم. ولكن هذا الهدف ذاب واندثر ولم تحافظ هذه الحافلات الصغيرة إلا على اسمها، وصارت تزاحم الطاكسيات والحافلات والأتوبيسات في  وظائفها. أطرد هذا الضجيج من دماغي وأعود للحافلة والسفر…

أجلس على آخر كرسي فارغ في الناقلة وانتظر أن ينطلق السائق دون جدوى…. لم تدر عجلات الناقلة حتى أصبح عدد الواقفين يوازي عدد الجالسين.

وكانت وجوه الركاب كالحة متعرقة وكنا كمن حشرنا في حمام “دليهود”. استرجعت مصاحبتي لتلميذتي لينة وكيف اكتشفت معها سياسة يهود أصيلة في اقتصاد الطاقة فهم قد جمعوا بين الحمام والفران. وجعلوا الأول في الطابق العلوي ليسخن من نار الفران.

هكذا كنا نحن راكبوا الناقلة… أو لعلنا كنا كأبطال رواية غسان كنفاني رجال في الشمس، ننتظر مصيرا مشابها لهم والعجيب في الأمر كما قال، فنان أصيلة، لم أذكر من شخصيات رواية غسان سوى أبو الخيزران…

أعود مجددا للنقل المزدوج والذي أحسبني الصنف الثاني أي البهائم التي يصحبها القروي لبيعها في الأسواق وقد كنت مسالما مستسلما لمصيري….

وصلت طنجة وقد اجتزت السراط المستقيم… وأنفي قد تنشق عطر الكد اليومي. وذهبت للمقهى في انتظار أن يفرغ صديقي عبد السلام من شغله ويلتحق بي. مقهى لاهاي لا تشبه المقاهي التي زارها عبود صمود وحكايتي لا تشبه حكايته.. متعته في انتقاله من أصيلة إلى طنجة تقابلها رحلة العذاب والتي وجدتها أقرب من مصير الرجال عند كنفاني…

“”عبود صمود دايمن عندو الزهر. حتى منين هجم على العروسي قابلو هذا بالضحك”

ويجيبني العبود في مخي دائما: “اودي اذا كان على زهرو، راه مكوز”.*

هو يزاحمني حتى  في مخي  وفي خيالاتي..

هكذا ردد مخي لمخه وهذا ما جعلني أحسد هذا العبود وأحسد حظه في كل شيء.

وجدتني مثل الحراكة. هم يغادرون بلدانهم بحثا عن العمل وأنا أغادر مدينتي بحثا عن عمل. هم يركبون الأهوال من أجل مبتغاهم وأنا أعوم في عرق الكادحين حتى أصل بر أماني..

كنت أحمل سيرتي الذاتية والتي قال عنها عبد السلام أنها ثقيلة. وأنا أمني النفس فيمن يقرأها، أن يتصل بي..

*ما جاء بين المعقوفتين قول عبود صمود دون تصرف.

النص خاص لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com