جيرار.. بقلم عزيز قاديلي

25 سبتمبر 2023
جيرار.. بقلم عزيز قاديلي

عزيز قاديلي

كاتب من المغرب

  • la violence et le sacré  لرونيه جيرار

من الممكن الانفتاح على أفكار كتاب ” la violence et le sacré ” لرونيه جيرار انطلاقا من طرح مسألة الحسد  باعتبارها ظاهرة أنثربولوجية معيوشة في جميع الثقافات، و تطرح تساؤلات عدة. إن الانطلاق من هذه المسألية لن يبعدنا عن الفرضية الجوهرية لهذا الكتاب. فإذا كان الحسد هو الرغبة في امتلاك ما يمتلكه الآخر فإنه يتساوى مع ما يسميه جيرار بالرغبة المحاكاتية أو الميمزيس. و من المعلوم أن رونيه جيرار خصص دراسة تامة للمسرحي العالمي ويليام شيكسبير تحت عنوان مثير: ” نيران الحسد “. و الملاحظ أن ظاهرة تعدد المفاهيم يمكن ملاحظته في النشاط الفكري لرونيه جيرار. و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كالتالي: ما العلاقة التي تربط بين الرغبة المحاكاتية من جهة، و العنف و المقدس من جهة أخرى؟

إن القضية الأساسية التي يدافع عنها رونيه جيرار هي الميمزيس mimèsis أي الرغبة المحاكاتية إلى درجة أنه، في نظرنا، من الممكن أن يعنون الكتاب بالميمزيس و هذا لن يغير من محتوى الكتاب في شيء. إلا أن اختيار العنوان بهذا الشكل “العنف و المقدس” له قصدية أخرى: فهو يلعب على أفق انتظار القارئ  و يعمل على توجيهه نحو حقل المعرفة الأنثربولوجية التي تنشغل بشكل من الأشكال  بهذين الزوجين المفهوميين: العنف/المقدس

. أما العلاقة بين الميمزيس و العنف و المقدس فهي علاقة الأولي بالثانوي أي علاقة ترتيبية. ففي نظر الباحث أن بداية الحدث و منطلقه هو الميمزيس و بسببه ينشأ  العنف   و المقدس. و السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تتم الأمور؟ و ما دلالة هذه المفاهيم؟

يرى رونيه جيرار أن الميكانيزم الأساسي الذي يربط الذات بالموضوع هو علاقة الرغبة المحاكاتية، فالذات لا ترغب في موضوع ما إلا بالعلاقة مع عنصر ثالث يتوسط بينهما،   و هذا العنصر الوسيط يرغب في نفس الموضوع: تعتقد الذات أن الآخر الذي يمتلك موضوعا ما قد اختاره لأسباب وجيهة، و أن هذا الاختيار يرجع إلى أن ذلك الموضوع يتوفر على مزايا معينة، فيولد هذا الحدث الرغبة لدى الذات لمحاكاة الذات الأخرى قصد امتلاك نفس الموضوع. هذه الرغبة في الامتلاك تجعل الذات و الذات الأخرى في حالة تصادم، يترتب عنه النزاع و التنافس، فيتحول الاتجاه من الموضوع إلى الذوات. هذه الوضعية تعمل على تقريب المسافة بين الذاتين و إزالة كافة الفوارق التي تجعل كل ذات بعيدة عن الأخرى. إن مبدا الفوارق يعتبر عنصرا أساسيا في النظام الاجتماعي، إذ بفضله يحفظ المجتمع نفسه من الدمار الناتج عن الصراع. ينشأ عن زوال الفوارق الصراع  و العنف و يصبح النظام الثقافي و الاجتماعي مهددا بالدمار. و هنا يرى رونيه جيرار أن المجتمعات تتوفر على ميكانيزم أنثربولوجي يسميه ب ” كبش الفداء ” و هذا الميكانيزم هو المسؤول عن إنقاذ المجتمع من الفوضى أو الدمار. إن الجماعة حينما تشعر بأن العنف يهددها تطرح السؤال حول من المسؤول عن هذه الوضعية، فيحصل اتفاق بين أفراد المجتمع على توجيه أصبع الاتهام نحو ضحية معينة لها مميزات خاصة، هذه الضحية هي التي سوف تسهل تحويل العنف بين أفراد الجماعة إلى فرد يعتبرونه هو المذنب، و بعد أن تتم التضحية بهذا الفرد المزعوم يعم نوع من الهناء و يسود شكل من الوحدة الجديد المؤقتة بين أفراد الجماعة. فيتعزز الاعتقاد بأن هذه الضحية هي المسؤولة عن هذا السلم الجديد من جهة و هي التي كانت قد تسببت في انتشار العنف. و بقدر ما ينظر إلى الضحية بشكل سلبي ينظر إليها أيضا بشكل تكريمي و تقديسي.

هذه النظرية المعمارية تعرضت للعديد من الانتقادات بدعوى أن صاحبها لم يقم ببنائها أنثربولوجيا من خلال معاينته للشعوب التي أطلق عليها صفة البدائية، لكن مع ذلك هناك دلائل تعززها في العموميات و في بعض الظواهر التي نصادفها في جميع المجتمعات.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com