قصة قصيرة :
رحال امانوز
كاتب من المغرب
استيقظ على وقع أصوات تقترب . ضربات أحذية على الأرض . فتح عينيه المغمضتين . تراءى له شعاع خافت … انه الهزيع الأخير من الليل … هاهم زوار الفجر قادمون لا محالة ؟ هي النهاية بلا شك . لكل شيء بداية ونهاية …! تعالت اصوات الأسر المكلومة : الإعدام للوحش ! ممثل الحق العام طالب بإعدام القاتل المتسلسل … وبنبرة جافة أصدر القاضي حكمه : الإعدام رميا بالرصاص …!؟ كان يوما مشهودا في المدينة … أعداد غفيرة حجت لحضور محاكمة القرن … تنفس سكان البلدة الصعداء أخيرا … !
لم تشهد المدينة مثل هذه الجرائم المتسلسلة ضد الطفولة البريءة … اختطاف واحتجاز واغتصاب واغتيال وابتزاز … فهل حقا هو من فعل ذلك ؟! ظل يخاطب نفسه وهو قابع داخل زنزانته الانفرادية بحي الاعدام بالسجن المركزي : الذنب ليس ذنبه . هو ضحية … نعم ضحية أب جاء به للعالم . وهو لايملك قوت يومه . لم يوفر له أدنى متطلبات العيش … ترك له عند مماته كوخا قصديريا وعربة . هو وامه وفرقة من الاخوة . عضه الجوع بانيابه الحادة . طرد من المدرسة . تسكع في الازقة . زاحم القطط والكلاب الضالة . في المزابل للحصول على ما يملأ بطنه الخاوية . اغتصب مرات ومرات . مورس عليه الاعتداء … خبر السجون منذ حداثة سنه . سرقة واعتداء . كان الشارع مسكنه . المشردون اهله وعشيرته … !؟
صوت الخطوات يقترب …! ظل لسنوات طويلة حديث المدينة الكبيرة . عاشت الساكنة تحت وطأة الخوف . الكبار مثلما الصغار … ظهر الوحش في المدينة … يختطف الأطفال … يغتصبهم ويغتالهم بوحشية . بعد ان يطالب آباءهم بالفدية . يأخذ منهم مبالغ مالية طائلة … ينفقها على نزواته من خمر ومخدرات … عاشت المدينة اياما عصيبة . الأمهات يرابطن أمام المدارس خوفا على أطفالهن … الأباء يمنعون أبناءهم من اللعب خارج المنازل … رهاب جماعي سيطر على الجميع …!
هو يتذكرهم جيدا واحدا واحدا . اطفال في عمر الزهور . يتربص بهم امام منازلهم . اوعند ابواب مدارسهم … يغويهم بكلامه المعسول وقطع الحلوى … يستدرجهم الى الأمكنة المظلمة الخالية … يعبث بأجسادهم الصغيرة …؟ في كل ليلة … هاهم يقفون عند رأسه . صراخهم يتعالى لا يفارق أذنيه … يبكون يولولون يقهقهون في وجهه … يتشبتون بتلابيبه … يطالبون بإعدامه . بقتله كما قتلهم … الخطوات تقترب … ونهايته تقترب …انهم قادمون …
منذ شهور وهو ينتظر مصيره المحتوم … يريد الخلاص من العذاب … التكفير عن جرائمه البشعة … وفجأة انفتح باب الزنزانة الانفرادية … في حي الإعدام … ستة رجال يقفون أمامه . تقدم نحوه إثنان منهم … احاطا به وأخذاه إلى الساحة … لم تقو رجلاه على حمله … جراه جرا . على الأرض يتبعه ساءل كظله … تغوط وبال على نفسه … أسدل الرجلان غطاء على رأسه … لم يعد يرى شيئا إلا الظلام … انطلقت الرصاصات من البنادق . لعلع صوت الرصاص . انبعثت النيران من فوهات الفنادق .تهاوى الجسد على الأرض …وعاد الهدوء للمكان ….
الدارالبيضاء \ المغرب 2023
عذراً التعليقات مغلقة