أوماريو فارغاس يوسا
Mario Vargas
« عشت مستسلما لمهنتي بفضل أسرتي »
حاوره :دافيد لامي
ترجمة محمد العربي هروشي
دل/سيدات وسداتي: ماريو فارغاس يودعكم جميعا، طيب، ربما هذا فيه نوع من المبالغة /لنعد للمحاولة.
سيداتي و سادتي: مايو فارغاس يوسا يودعكم على الأقل روائيا، هكذا وبهذه المادة ،يكون التقديم قد اتخذ صيغة أخرى. لأن الكاتب وصاحب نوبل للآداب، بلغ _87 سنة، قد انتهى توا من أهدي لك صمتي (دار النشر ألفاكوارا)، عمل سينشر غدا الخميس في كل أنحاء معمور اللسان الإسباني، وبهذا العمل يكون قد قرر و في مرحلة من عمره أنه لم يعد له وقت للإحاطة بكل القوة الضرورية برواية أخرى تخييلية .
وبما أن الحوار أنجز عن طريق البريد الإلكتروني وبواسطة استبيان، فلنترك السؤال الأول تقوم به التكنولوجي، ومن ثمة لنرى ما سيحدث.
س- أستسمحكم، فلم يكن بمقدور تجاوز توجيه السؤال إلى الذكاء الصناعي عما هو أفضل سؤال يمكن تقديمه لفارغاس يوسا، فكان هذا جوابه (مع قليل من التعديل): ” أنتم من استكشفتم التوتر بين الخيالي والواقعي في أعمالكم ، وعشتم (فضلا عن ذلك عانيتم ) من السياسة، كيف ترون إلى العلاقة فيما بين السردية الأدبية وتأسيس الحقائق السياسية والاجتماعية في عالم اليوم؟ كيف يبدو لكم ذلك؟
ج- إن تأسيس الحقائق السياسية والاجتماعية في عالم اليوم تدين إلى الإيديولوجيات، وعالم الإيديولوجيات له صلة بعالم التخييل .لقد استثمرت بشكل كبير موضوع اليوتوبيا ،والتي هي بالضبط تعمل على ملاءمة الواقع ضمن التخييل ،أعني البنيات الكبرى ،وهذا يتسبب في الصدمات . الأمر الاخر هو أن الآداب توظف الواقع السياسي والاجتماعي، أو إننا نحاول أن نفهمها بشكل جيد ضمن السرد والذي هو دائما أعمق من أي نص نثري أو بحثي ،فالرواية حقل ملغوم يحتمل مجمل أنواع البنى الفوقية.
س- لماذا تودعون الرواية ولما ب”أهديك صمتي”(عنوان روايته الأخيرة/المترجم) ما الرسالة المبتغى توجيهها للقراء بهذا التوديع؟
ج- أودع الرواية لأني بلغت 87 عاما، و لا أتصور بأن هذه الحكايات،و التي انتظرت ثلاث أو أربع سنوات لتتشكل، في مكنتها الإحاطة بكل الدقة الضرورية في هذه المرحلة من حياتي .بيد أنه في الواقع سأستمر في الكتابة إلى آخر يوم في حياتي. ففي أهديك صمتي وضعت كل ما يعنيه لي البيرو : انسجامه ،حزنه، ،هذ الموسيقى التي لديها من العواء و النواح ،هكذا أفهم الفالس البيروفي و ثقافتي. هذه ما يميزنا في العمق ، ولذلك ، أعتقد أن هذه الرواية من بين ما أكن لها من حب، تصلني بجذوري وهو تكريم لإبداع بيروفي والتي بواسطتها نشعر بالفخر، أو أن أقول لقرائي أن يكتبوا ويقرؤوا دائما، وأن يغتنموا ويستمتعوا بخيالهم كل ما أمكن لهم ذلك.
س – “الفالس كريولو أفاد في تقريب فيما بين الناس ومناهضة الأحكام المسبقة ” كما ورد في الرواية، مستدركا الفكرة التي مفادها بأن الثقافة تصلح للتوحيد وللدفع بالحضارة .اليوتوبيا الثقافية. مع الحرب الروسية الأوكرانية وانبعاث الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، أليس هذا نوع من التحليل المفرط في التفاؤل؟
ج- أظن بأن الإعلام ،في أيامنا هاته، تؤدي دورا هاما. بالكاد كان منذ خمسين عاما، كانت الحروب غير منتهية ولم تكن هناك وسيلة لإلغائها، لأن الأخبار لم تكن تصل إلى الأكثرية بالسرعة والامتداد الممكنين.
الآن هناك، إمكانيات لهذا، وإن لم يكن بشكل دائم. إن اليوتوبيا سذاجة ونستطيع رؤية ذلك من خلال عدة أمثلة. أعلن بوتين الحرب على أوكرانيا ولا يبدو بأنه يقبل التفاوض، في المقابل، الحرب بين إسرائيل وفلسطين كان ممكنا ينظر لها على أنها محدودة بكبح الهجمة الإسرئيلية. أتمنى أن يكون الأمر على هذا النحو، يكبح الوزير الأول بنيمين نتانياهو غرائزه المتوحشة ويوفر على الفلسطينيين هذه المجازر.
س – في فصل آخر ،شخصية تتساءل:” لماذا لومينوسو ساندريو سيطر على المدن الضائعة في الجبال أو قنبل مدن الجبال أو حتى ليما إذا كان ضحاياه كلهم بيروفيين ؟ ” مؤخرا نشرة إلموندو سلسلة من الأخبار الاستثنائية حول التاريخ الإرهابي لأرنالدو أوتيغي. هل يمكن أن تكون ثمة شرعية لإرهابي لديموقراطية ما كي ينخرط في الحياة السياسية؟
ج – الحرب التي أعلنها أبيمايل غوسمان كانت حماقة مطلقة . مات العديد من الأبرياء ،مدنيون، أكثر من ممثلي الدولة الديموقراطية التي من أجلها كان يتسارعون،أو المناضلون الذين انخرطوا من أجل هذه المعارك. أدنت أفعال أبيمايل غوسمان منذ البداية ولست نادما على ذلك . لا يحق لأي إرهابي الحق في المشاركة في أي حزب سياسي دون أن يبدي ندما حقيقيا ،ويدين اغتيال الأبرياء من الضحايا الذين كان مسؤولا عنهم. هذه كانت جريمة أبيمايل غوسمان :الاعتقاد بأن الشباب الذين يشكلون طرفا من الصراع المسلح يمكنهم الحصول على الفردوس. إذا كنتم قد شاهدتم شريطا سينمائيا للوشو يوسا حيث يرى البؤس و التخلي عن المقاتلين الثوريين سيدرك الوضع. الأفضل بالنسبة لبلد يضيع ديموقراطيا أن يحل مشاكله داخل إطار مؤسساتي .ففي أزمنة الدكتاتورية ،عوض أن نشرع أبواب حرب لا أحد يعرف كيف ستنتهي ،أعتقد أن هناك صيغ لهزم الطغاة الأكثر فعالية : فبالمقاطعة يكون أفضل مثلا. إن شل كيانات دولة ما يبدو لي أكثر نجاعة من العنف .
س – أسعدتني كثيرا الجملة الثانية لما بين القوسين” الطبعة الثانية للالو مولفينو و الثورة الهادئة كانت ناجحة .و الغريب كما بالنسبة لليسار أو لليمين فهما يمدحان ذلك” هل نحن أصبحنا متعودين على أن تكون القطبية هي الثابت.
ج – وإنما كان نجاحا عابرا ،ومن بعد ذلك كل شيء تغير، وهذه، ربما ،إحدى الخصائص البيروفية . نحن متشبثون ببعض الأفكار التي تبقى في وسط الطريق، أو في بعض الحالات نصل إلى الضد، ولكن في كثير من الأحيان ، تذوب لكن لا أحد يعلم كيف .لابد من المحاولة إلى النهاية حتى تنبجس من هذ القسوة نتائج إيجابية.
س- في الكتاب استمرار ذكر للخلاسية وللفخر الوطني . لماذا تعتقد وجود أصوات شعبية متعددة والتي يصعب عليها الجمع بين المفاهيم ؟
ج – الجمع بين الخلاسية والفخر الوطني يعني نفي للأحكام المسبقة التي تنتمي لها طبقات ضد أخرى. كلما بادرنا بالشروع في المهمة ، سيكون الأمر أفضل. ولذلك شدتني الفكرة ، التي كانت لوقت لشخصيتي أثبلكويتطا، حيث موسيقى كريولا تتصرف كموثق وطني، عاملا للخلاسية وللاندماج .في كثير من الدول ،على الرغم من ذلك، فإن فكرة الخلاسية، تتجسد في الخطاب الرسمي،تجد في طريقها مقاومة قبلية بيد أنها في بعض الأحيان تتضمن عناصر الاندماج غير واعية، أو أنها تتصرف دون أن يقترحها أحد بشكل متعمد. شيء من هذا أعتقد أنه موجود في موسيقى كريولا.
س – أوشكت على الانتهاء من حوار لرافائييل مونيو ،أول مهندس معماري إسباني الذي حاز على جائزة برتزكير. بلغ 87 سنة وصرح “الشيخوخة تعني حماية الماضي لذاته ،ولكنه أيضا يصح بالنسبة للآخرين على نحو خاص. أنتم بلغتم 87 عاما أود أن أسألكم عما الذي استفدتم فيه في حياتكم، ما الذي كنت تودون دائما حمايته؟
ج – مهنتي. عندما ألتفت إلى ماضي الخاص، أجد بأن الأدب الأكثر ما وهبته حياتي السراء والضراء . إذا كنتم ترومون تشفير شهادتي هاته، أجل، أعترف بأنني كنت مستسلما لمهنتي .وكنت محظوظا بذلك بفضل أسرتي الذين تفهموا عملي ورافقوني. قال فلوبير أن تكتب هي صيغة لتعيش وهذا ما ميز الجزء الكبير من حياتي منذ شبابي .كان هذا ثابتا.
س –اكتشفت ،بالمناسبة، عبارة huachafria .هل كنتم أكثر ابتذالا؟ الموضوع يرسم ،دائما ، الأمريكي اللاتيني مثل يافع.
ج- لم أكن مبتذلا قط . لكن العبارة هي منتوج بيروفي الذي يشترك فيه البيروفيين جميعهم دون استثناء. وكان علينا تحمله بشكل جماعي وإيجابي. نحن مبتذلون ويروق لنا أن نكون كذلك، إنه لمن العسير تحديد العبارة، إنها متغير بيروفي للابتذال له صدى لدى أمريكا اللاتينية لكن ليس الترادف التام. دائما يلفت نظري هذا المظهر من الخلاسية، حتى إني ألفت كتابا حول (المنذ) زمان طويل. موجود في كل شيء وهو يتكلم، في العلاقات الانسانية، في السياسة، في الفن…
س- كتابك التالي والأخير سيكون دراسة حول سارتر. ما الذي يتضمنه عودتكم إلى الفيلسوف لتضعوا نهاية للنشر؟ قرأت بعض التحاليل حيث تنزلق وتشكل تصورا تشاؤميا عن العالم الآني. تحاليل الآخرين، طبعا.
ج- كان لسارتر كبير التأثير علي عندما تعلمت الفرنسية في البيرو، بالتحالف الفرنسي. حاليا لم يعد يقرأ كثيرا، خاصة في فرنسا، حيث يعتبر استالينيا، كما أن الكثير مما قاله يعتبر الآن متجاوزا وعفى عنه الزمن. بيد أنه في زمانه حمتني أطاريحه من شيوعية مستعبدة من طرف أشكالها. وجعلتني حرا. حتى وأني كنت انخرطت في إحدى فصائل الشيوعية في الجامعة لمدة سنة، ساعدني سارتر على رفض النزعة الواقعية للاشتراكية، والتي ليست سوى الماركسية مطبقة على الفنون، وعلى الثقافة.
س- عندما يسألونك عن أمريكا اللاتينية يوجه لك هذا السؤال من طرف الشعبويين. حدثني، عكس ذلك، هل ثمة زعيم يمكنه أن يصبغ الهيبة على سياسة أمريكا اللاتينية؟
ج- لا تحتاج السياسة الأمريكولاتينية إلى زعماء، وإنما تحتاج إلى أفكار وحركات تسير في الاتجاه الجيد. بالنسبة إلي يعني لي ذلك حرية العمل، عدم وجود أحكام مسبقة في العلاقات الشخصية، احترام القوانين، احترام دولة الحق. لا أثق في الزعماء، فالمجتمع المثالي هو حيث لا أحد يعرف حتى اسم من يحكمه وبدوره فالحاكم لا يتدخل في حياة الناس، فقط عند الضرورة، اليوم في أمريكا اللاتينية لها كثير من الزعماء.
فلننهي بنصيحة موجهة إلى الشباب؟
ج- نصيحتي إلى الشباب الذين لذيهم الموهبة الأدبية أن يكتبوا، وأن يبحثوا في حياتهم عن كل ما هو أصيل، ومن المؤكد أنهم سيتعلمون الكثير خلال هذا البحث، إن أعظم الكتاب فعلوا ذلك، ولم يحبطوا. وعليهم أن يكدوا جيدا، طبعا، فالفكرة التيا مفادها بأنه، يمكن كتابة أعمال عظيمة بخبطة إلهام لا معنى لها. حصل هذا مع قلة، فالأكثرية كان علينا أن نكد أكثر، أن نشتغل كثيرا، كمثل ما في “الأعمال الشاقة” كما كتبت ذات مرة.
………………………………………………………………………..
شاعر، مترجم وباحث/المغرب
خاص لصحيفة قريش -ملحق ثقافات واداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة