رحموني عبد الكريم
باحث وكاتب من الجزائر
في قراءة التاريخ يعيش الإنسان وفي المغزى من دراسة التاريخ تصقل شخصية القارئ، الواعد، المتذوق لجمالية الكتابة التاريخية التي تشق عباب يم ما تحجر في ذاكرة الإنسان ومع المؤرخين يحيا الوجدان، وبين العيش والإحياء ينساب يراع المؤرخ بوضرساية شامخا للولوج إلى معنى التاريخ، والمغزى منه، يذعن اليراع للكتابة، يطلبُ قلم بوعزة الفهم، يدعوه للحظات التجلي الإبداعية، أنه التاريخ كما يجب أن يكون، أنه تاريخ المعنى والمغزى والمبنى، بناء شخصية الحاج أحمد باي المغمورة وسبر أغوار المَغْمور من الجوانب الخفية المستورة، المحجوبة المكنونة انطلاقا من مؤلفه الموسوم ب ” الحاج أحمد باي في الشرق الجزائري رجل دولة ومقاوم 1830-1848 “، غرف بوعزة من مناهل التاريخ الحديث والمعاصر، ولم يكتفي بالغرف، بل راح يَطْعَمه للقَانع والمُعْتَر لمن أراد أن يغترف غُرفَة بذاكرته تسجل خصال أحمد باي رجل الدولة والمقاومة، فكيف أستطاع المؤرخ بوعزة دراسة شخصية الحاج أحمد باي رجل الدولة والمقاومة؟
وما هو المنهج المتبع في تحقيق هذه الدراسة؟ وكيف أماط اللثام عن هذه الشخصية العظيمة المخفية؟
لا مرآء خلخلة تاريخ هذه الشخصية في الشرق الجزائري وإعادة صياغة سؤال المعنى من التاريخ أمر صعب عويص، لكن لا مناص منه ما دام المؤرخ يندهش من شخصياته التاريخية التي يكتب عنها « إن الدهشة هي أساس الشرط الإنساني. ولا يكفي أن يعاصر المرءُ كبارَ العلماء حتى يُفلت من نير الجهل. »[1] هذه الدهشة القوية واللحظة الإبداعية جعلت المؤرخ بوعزة يطير إلى القرن الثامن عشر ميلادي ليعاصر رجل الدولة أحمد باي وقد يحترس من كل عجرفة قد تتملكه إزاء شخصية رجل المقاومة الماضية، ويرصد جوانبها المحجوبة من خلال جدلية المؤرخ الدارس والشخصية المدروسة وأفكار بوعزة النيرة التي لا تغفل الظروف المحيطة بالعصر الذي ينتمي إليه المقاوم الحاج أحمد باي.
المؤرخ بوعزة شخص كريم وقلم أصيل، قامة فكرية شامخة بين أقلام الأعلام التاريخية في الجزائر الحبيبة قاطبة، يكتب في التاريخ الحديث والمعاصر، آبى يراعه ينبض بحجم مؤلفات عديدة: رواد المدرسة التاريخية الجزائرية سنة 2007، الجرائم الفرنسية والإبادة الجماعية، سياسة فرنسا البربرية في الجزائر 1830- 1930 ، قسنطينة المدينة المقاومة ( قاهرة جنرالات فرنسا ) متنوعة منقحة جديدة، تكمن الجدية في عمق الطرح وأصالة المنهج المتبع في دراسة التاريخ؛ هذا المنهج في دراسة التاريخ يحوي ثلاث عناصر لتعبر عن الحادثة التاريخية ومصادرها الإرادية واللاإرادية، بغية التأسيس لنمط جديد في الكتابة التي هي في الوقت نفسه إبداع للنص التاريخي وإبداع للحوادث التاريخية المتفردة منذ الوهلة الأولى سنلفي أنفسنا إزاء مؤرخا فذا، قادرا على مجاوزة ما يبدو نمطيا في كتابة معنى التاريخ، ففي الواقع تشهد القوة الخلاقة والقدرة على الإبداع في المغزى من طرق باب التاريخ الحديث والمعاصر و التي تميزه عن باقي المؤرخين، إذ يجمع المؤرخ بوضرساية هذه العناصر المتجلية في :
أولا: القراءة الواعية للحادثة التاريخية: هي أداة الذاكرة وفعل تفكير الجماعة البشرية، والقارئ ، المتأمل لكتابات الأستاذ بوعزة يجد هذا في قراءة تلك العصور الغابرة ويستحضرها بين يديك معايشة وحضوراً.
ثانيا: الأسلوب المقدس في دراسة التاريخ الحديث والمعاصر ، لتاريخ جزائرنا الحبيبة، يستشفى مدى عمق شخصية بوعزة وتعاملها مع الحوادث التاريخية بأسلوب المقدس لا المدنس، فهناك من يتعامل مع التاريخ الجزائري بتدنيس التاريخ والتشكيك فيه، لكن الدكتور بوضرساية يوظف الأسلوب المقدس لهذه الحوادث التاريخية ويتعامل معها بحذر حتى لا تفلت من قبضة الموضوعية، فتجده يمحص، ويفحص، ويقارن، فالقارئ لكتابه (الحاج أحمد باي في الشرق الجزائري رجل دولة ومقاوم 1830-1848) يستشفى ذلك.
ثالثا: شخصيته القوية ذات الكاريزما الوطنية، حيث أكسبته ذاك الأسلوب في الكتابة ، وتشبعه باللغة العربية فهي مفتاح قوي مرتبط بفعالية المؤرخ بوعزة الذهنية من قراءة وتفكير، تفسير وتأويل، شرح وتعليل، وإنّ ذاك ما سمح له في معرفة تاريخ الجزائر.
كان هذا إسهامنا حول هذه الشخصية القوية، بوسع القارئ أن يتخيّل بوعزة بوضرساية المؤرخ، الإنسان، ملكة التاريخ متقررة عنده، وملكة الإنسانية متجذرة في أصوله العريقة فأكرم به من إنسان، مؤرخ ناقد، نحيا بين كتبه، فالكتاب هو الجوهر الذي يظل ثابتاً في خضم التسارع والتغير.
قائمة المراجع:
جان هِرش: الدهشة الفلسفية ( تاريخ الفلسفة )، ترجمة محمد آيت حنا، منشورات الجمل.
[1] جان هيرش: الدهشة الفلسفية، ص: 06 .
عذراً التعليقات مغلقة