المنتخَب..قصة قصيرة للكاتب المغربي رحال أمانوز

16 مارس 2024
المنتخَب..قصة قصيرة للكاتب المغربي رحال أمانوز

قصة قصيرة :

المنتخب

رحال أمانوز

رحال امانوز

قاص من المغرب

وضع بصمة السبابة على الإطار المعدني الأبيض اللامع . انفتحت خزانة في طول قامته الفارهة . وهي تصدر صريرا خافتا . انبسطت اساريره وهو يرى أمامه . الرزم المالية الورقية الزرقاء . امتدت يده إلى إحداها وضعها على جبينه ثم لثمها بشفتيه المبتلتين . أعادها الى مكانها بجوار أخواتها . رفع يديه إلى السماء وأصدر قهقهة كبيرة . تردد صداها في أرجاء المكان .

استرخى على كرسيه الهزاز . وضع رجليه الواحدة فوق الأخرى على مكتبه الفخم . بقصره الكبير في ضيعته الفلاحية بضاحية المدينة . أرسل ناظريه خلف زجاج النافذة . تراءت له العشرات من الهكتارات من الأراضي الخصبة . وبدا له العمال والعمال منهمكون في اشغالهم … بالإضافة إلى ذلك له املاك لاتعد ولا تحصى : معامل و مقاهي وعقارات وغيرها … فالحاج من أكبر أغنياء البلد . لكن رغم تروثه الهائلة . فهو مهووس بالسلطة … يستحيل العيش بالنسبة له … دون أن يكون برلمانيا أو رئيس جماعة … حتى لو خسر نصف تروثه …

ترامى إلى سمعه أصوات خطوات قادمة . عرف هوية القادمين قبل دخولهم عليه . كان بانتظارهم لأنه من طلبهم للحضور . جلس الأربعة أمامه باحترام كبير . سالهم عن اجواء الحملة الانتخابية . اجابوه أن جل الناخبين معه وسيصوتون لصالحه . قهقه ضاحكا :

كرسي البرلمان مضمون كما العادة منذ عقود .

وقف منتصبا وبدأ يخرج الرزم الورقية الزرقاء . ويضعها فوق المكتب امام مساعديه . اشرابت أعناقهم نحو الأموال . وسال لعابهم وانبعثت الابتسامات من افواههم . امتدت الأيدي نحو الرزم تلتقطها التقاطا وتضعها في أكياس سوداء . قال لهم :

تهلاو لي في الناخبين … عطيوه لكلشي لي معانا ولا ضدنا … وكلوهم وزردوهم وفرقو عليهم المعاونة … لي مريض ولا خاصو عملية جيبوه نداويه … تهلاو في الأرامل … اوا هادا جهدي عليهم …

اجابوه بصوت واحد :

الله اكتر خيرك ويخليك لنا … أسيد الحاج … كلشي كيدعي معاك …

قال لهم :

تهلاو لي فالدراوش صحاب الكاريان … انا منهم وليهم …

اجابوه :

كلهم معاك … وعمرهم يفوتوك … كن هاني …. أسيد الحاج

ابتسم ابتسامة ماكرة وهو يودعهم . يعرف في قرارة نفسه انهم سيحاولون الاستحواذ على نصف الأموال . لكنه خبير بأساليبهم . وجواسيسه المنبثين في مختلف الأحياء ودور الصفيح . يخبرونه بالشاذة والفادة . يعرف اخبار مناصريه وخصومه . يخبرونه عن الوفيات والحالات الإنسانية والاجتماعية التي تحتاج المساعدة . يحرص على ان يكون له السبق في اعمال البر والإحسان . ذلك هو سلاحه القوي لاكتساب الشعبية وقهر خصومه …

الحملة الانتخابية في اوجها . صوره تعتلي المنصات والتجمعات . والسيارات تخترق الشوارع تطلق المنبهات . والحشود تجري وتهتف باسمه . حملته الانتخابية ينتظرها العديد . ويستفيد منها الجميع : سماسرة الإنتخابات او الشناقة … الشباب العاطل … المطابع … متعهدوا الحفلات … الكل يقول :

سيد الحاج الله يعمرها … هو لي بغينا … يرددون في الحملة الانتخابية :

بلا لحم بلا برقوق

سيد الحاج في الصندوق ….

ها قد جاء اليوم المعلوم … اليوم الحاسم … ليلة إعلان نتيجة الفوز في الانتخابات البرلمانية … والتي سيفوز فيها ثلاث مرشحين … ركز عينيه الضيقتين على شاشة التلفاز العملاقة امامه . بدأ المذيع كلامه :

توصلنا اللحظة بنتائج الانتخابات الخاصة بالاقليم . والتي تمكن من الفوز فيها :

المرتبة الاولى : الحاج … والثانية : الدكتور … والثالثة : الحاج …

كانت نتيجة فوزه متوقعة . غمرته فرحة عارمة لا توصف . وفجأة أحس بدوار وبعرق بارد يسيل من جبينه . اعترته قشعريرة هزت جوارحه . وضع يده على قلبه … أحس وكأن سكينا ينغرز في قلبه … تذكر انه نسي تناول دواء الضغط المرتفع والقلب … حاول النهوض … خانته قدماه … وضع يده على قلبه … جحظت عيناه … سقط من كرسيه على الأرض … دخل أتباعه محاولين تهنئته بالفوز … وراغبين في الحصول على المزيد من المال … لقد لعبوا دورا كبيرا للحصول على المقعد المعلوم … اخرس هول الصدمة ألسنتهم … افرنقعوا كل في اتجاه معين … رغبة في إسعافه … لكن هيهات ثم هيهات … توفي الحاج بسكتة قلبية مفاجئة . وخلف ما جمعه طوال سنوات للورثة . والذين دخلوا في نزاعات لاتنتهي حول مال . لايعلم هل من حلال ام حرام …

الدار البيضاء / 2023

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com