رحموني عبدالكريم
كاتب من الجزائر
مصطفى بلعباس أفضل جليس أهدني خير أنيس.
في الفضاء الأزرق نلتقي، نتبادل الكلام و الأدوار، المشاعر والأفكار، نصادف أناسا كثر، يحملون الأفكار المغشوشة و المغلوطة، الغثة و المسمومة، والبعض الأخر من هؤلاء الناس ينشرون الأفكار النبيلة و الجميلة، المنيرة و المستنيرة يُذكّون الفكر ويسددون الرأي ويصّوبون النقائص والأخطاء، ومنهم من يترصد كتاباتك ويرصد عَثَراتك ويتعقب هفواتك وسقطاتك لا بغرض النقد القويم والتصحيح السليم وإنما بغية الاستعلاء وادعاء المعارف، فإذا كتبت عن المفكر محمد أركون شهر سيف أصابعه على لوحة المفاتيح ينسخ نصوص مَبْتورة من هنا وهناك ليكفر المفكر ويكفرك معه« كما اعتبر ناصر حامد أبو زيد زنديقا مرتدا ومحمد أركون كافرا، نتيجة تساؤلهما حول الخطاب الديني وطرح سؤال النقد الابستيمي لهذا الخطاب، الدور اليوم على يوسف الصديق صاحب مؤلف ” هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها ” وفي القراءة الواعية من طرف المفكر يوسف الصديق التدبر؛ وفي التدبر إثارة السؤال وفي السؤال خلخلة الخطاب الديني المحاط بترسانة دغمائية فقهية، بعيدة عن سبر الأغوار.من هنا وجب العقل المؤول في الفكر الإسلامي، لا عقل مفسر محكوم بمرجعية سطحية تقدم تفسيرات لا تتماشى والعصر.»[1]
وإذا ما كتبت عن ابن تيمية بَجَّلَه وقدسه وجعله شيخ الإسلام فمن قَدحَ في الشيخ خرج عن دائرة الإسلام وجب تصحيح العقيدة و تجديد الإيمان:« تقبل منهم دعوتهم للدولة الدينية وهم لا يتمسكون من الدين إلا بالقشور، ولا يعرفون من العقيدة إلا مظهرها الذي لا أصل له في كتاب الله، ولا سند له إلا التأسى بالرسول في مسايرته لعصر غير عصرنا، ولمجتمع يختلف جملة وتفصيلا عن المجتمع الذي نعيش فيه، وليتهم تأسوا به وهو يدعو للرحمة، ويستنكر قتل المسلم للمسلم، ويدعو لطلب العلم ولو في الصين، ويستنكر اعتزال العمل للعبادة…هؤلاء قوم كرهوا المجتمع فحق للمجتمع أن يبادلهم كرها بكره، ولفظوه فحق له أن يلفظهم، وأدانوه بالجاهلية فحق له أن يدينهم بالتعصب وانغلاق الذهن…»[2]
الجميل ونحن على صفحات التواصل الاجتماعي مناقشة الأفكار، والأجمل مجابهة الأفكار بالأفكار لكن التعصب للفكرة يقضي على روح المبادرة والإبداع، شأن الحال مع أخي مصطفى العزيز وأستاذي القدير الذي عرفته من خلال الفضاء الأزرق، جمعنا الحوار والنقاش وجلسنا على موائد الفكر نَتَخَّير الأصناف من الأدب والشعر، القصة والرواية، الحكمة والشريعة، الفقه والعرفان.
الأستاذ مصطفى بلعباس أفضل جليس، يحاورك بالأسلوب السهل، السَلَس، أهدني خير أنيس، كتاب: العلمانيون والقرآن الكريم « تاريخية النص » لمؤلفه أحمد إدريس الطعان، والأنيس قال عنه الجاحظ في كتاب المحاسن والأضداد: «الكتاب هو الجليس الذي لا يطربك والصديق الذي لا يقلقك والرفيق الذي لا يملك والمستمع الذي لا يستزيدك والجار الذي لا يستبطئك والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ولا يعاملك بالنكر ولا يخدعك بالنفاق….الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشحذ طباعك وبسط لسانك وجود بيانك وفخم ألفاظك » [3]
وأفضل هدية من الأستاذ بلعباس الأنيس، الجليس يقول الشاعر المتنبي:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ
قائمة المصادر والمراجع:
- أبو عمر الجاحظ: المحاسن والأضداد، مطبعة السعادة،طبعة أولى سنة 1324، مصر.
- فرج فودة: الحقيقة الغائبة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة سنة 1988، القاهرة، مصر.
- رحموني عبد الكريم: مقالات في الفكر والفلسفة والأدب، أدليس بلزمة للنشر والترجمة، طبعة أولى سنة 2021، باتنة، الجزائر.
[1] رحموني عبد الكريم: مقالات في الفكر والفلسفة والأدب، ص:29.
[2] فرج فودة: الحقيقة الغائبة، ص 34-35 .
[3] أبو عمر الجاحظ: المحاسن والأضداد، ص 6.
عذراً التعليقات مغلقة