كيف ينعكس “الإرث التاريخي” في تكوين الكيانات السياسية بالعراق؟

28 يوليو 2024
كيف ينعكس “الإرث التاريخي” في تكوين الكيانات السياسية بالعراق؟
عبدالكريم قاسم

————–

 د. توفيق رفيق التونچي

اقصد بالإرث التاريخي جميع التطبيقات السياسية لإدارة الدولة المطلقة، والتي لم تتمكن من تغير مسارها مع متطلبات العصر، وبقيت متقوقعة في شرنقتها. مع فشل جميع تجارب الحكم القومي. في جميع أنحاء العالم والاتجاه الى التعددية الثقافية والمتمثلة في نظام الاتحاد الأوربي الذي يشمل تحت مظلتها عددا كبيرا من القوميات والثقافات والعقائد والاتجاهات الفكرية المختلفة في اتحاد طوعي من اجل السلام في القارة الأوربية والتي تظم اليوم ٢٧ دولة مستقلة تسمح لمواطنيها وبضاعها وخدماتها بالحركة بحرية دون اية قيود بين دولها في نظام فيدرالي ذو عملة موحدة تسمى (اويرو ) والتي بدأت فكرتها عشية نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1951  ومن قبل نقابة الفحم و الحديد والصلب ،والتي أوعزت سبب الحروب الى تلك المادتين و بان اي حرب دون هذه المادة اي المعدن لا يمكن ان تشتعل فبنت أسس أول اتحاد للدول على مبدا السلم وسميت في بداية تأسيسها بالسوق الأوربية المشتركة ١٩٥٨ ثم تطورت لاحقا الى الاتحاد الأوربي ولها برلمان خاص وتسن القوانين الملزمة في دول الاتحاد . 

منذ تأسيس دولة العراق اعتبر كوردستان من لواءين (محافظه) فقط واعني اربيل والسليمانية من قبل جميع الحكومات التي جاءت للحكم ولحد يومنا هذا وفي العام 1970 اعتبرت الدولة العراقية دهوك محافظة وضمت اليها زاخو . بقى الصراع على القسم الأكبر من كوردستان لأسباب عدة. 

الانتشار العربي كان من اهم عوامل التغير السكاني في تلك المناطق من بدره وجصان الى مخمو وزمار شمالا وصولا الى الحدود السورية. العشائر العربية التي توجد في تلك المنطقة كانت تعيش على الرعي والتنقل ولم تستقر وتكون مدنا وقرى الا في التاريخ الحديث.  أي العشائر العربية الرحل من الرعاة دائما على وفاق مع العشائر الكوردية في سهل كرميان وسهل موصل. 

اما التوركمان في تلك المنطقة فنادرا ما كانوا يمارسون الرعي والتنقل، بل كانوا من الحضر المستقرين في مساكنهم في القرى والمدن كما في تركمان اربيل وكركوك، لكنهم كانوا فلاحين ومزارعين.

 وابان حكم الدولة العثمانية انخرط ابناؤهم في الجيش وعملوا كموظفي دولة كذلك. الا ان الدولة العثمانية كانت دوما تميز بين هؤلاء من اصول “صفوية” ومن الطائفة الشيعية، ومن السّنة منهم. اذ ان انتشارهم على هذا الخط شيعي اكثر في الأرياف وصولا الى مدينة “تل عفر” في الشمال حيث نرى الشيعة ومراقدهم تنتشر في الارياف وحتى توركمان كركوك نرى الشيعة منهم يتمركزون في المناطق الجنوبية للمدينة واحياء مثل تسعين و حمزلي وقرى قريبة في ضواحي المدينة مثل تازة و بشير وداقوق وطوز و امرلي وسلمان بك وكفري واماكن اخرى باتجاه خط خانقين- مندلي. 

هذه الخريطة الثقافية كانت عاملا مهما في عدم موافقة الحكومات المتعاقبة الاعتراف بكونها ضمن الخط الفاصل بين المدن العربية على امتداد جنوب سلسلة جبال حمرين. هناك أسباب اخرى منها العسكرية والاقتصادية والتي ترجع بصورة مباشرة الى اكتشاف منابع النفط والغاز ومصادر المياه في هذه المنطقة. 

الجدير بالذكر ان جميع المفاوضات الحكومة مع الكورد باءت بالفشل بسبب عدم وجود حدود واضحة لإقليم كوردستان وعدم رسمها. ولا تزال تلك المعضلة لم يتم حلها رغم وجود نص قانوني في مواد الدستور حول حل النزاعات الحدودية للاقليم . ان جميع الحكومات الجمهورية اعترفت بمحافظة السليمانية واربيل ومن ثم دهوك كأراضي تابعة للإقليم وليومنا هذا. هذا يعني انه رغم انتهاء عهد الحكم القومي البعثي العربي الأحادي بان السياسيين من الغرب تغير وجهة نظرهم لا بل يمكن سماع تصريحات اكثر عنصرية من عهد الدكتاتورية يدليها أصحابها اقل ما يمكن تفسيرها انها عنصرية أحادية وجاهلة حتى لبنود الدستور العراقي.

 ان لم عدم تتغير نظرة الحكومات المتعاقبة ومنذ عقدين من الزمن وحتى في عهد ما يسمى بالديمقراطية لهذا الموضوع الشائك لجدير بالتمعن والدراسة. لا بل معظم تلك التشكيلات الوزارية حاولت إيجاد صراعات جانبية من اجل تأجيل والهاء الإقليم مثل تأخير الرواتب وتغير الموازنة وحصة الإقليم من الثروة الوطنية في الموازنة السنوية ناهيك عن مشاكل تأجيل البت بالحوار من اجل إيجاد حل لما تسمى بالأراضي المتنازع عليها وامور اخرى كثيرة. الشي الوحيد الذي لم يتغير هو منصب رئيس الجمهورية الفخري للكرد. فكر الكيان السياسي في المنطقة علب عليه الاتجاه القومي وغاب هنه الاتجاه الوطني الكوردستاني الذي يمثل جميع القوميات والعقائد والطوائف الدينية في الوطن وبهذا تحولت القيادات السياسية الى قيادة جزء من السعب او قومية وطائفة محددة مما ادى الى تقوقع القوميات الاخرى فانضوائها تحت احزاب قومية صغيرة غير فاعلة ناهيك ان الموجة الطائفية قسمتهم وشتت قواهم. 

المعروف في كل دول العالم والكيانات بان القيادة لا تمثل قط قومية واحدة، بل جميع المواطنين ممن يقطنون في حدود الكيان السياسي والا تبقى تلك الأنظمة تمثل فقط ذلك الجزء او بالأحرى جزء من ذلك الشعب او قوميه انتخبهم فقط.

 الفكر المؤسساتي اهم ركيزة لبناء الكيانات السياسية وتجربة الإقليم ندية لتجارب الشعوب الاخرى في المنطقة زلا يزال أمامها الكثير لتنضج ناهيك عن وجود ارث ثقافي وسياسي للتوقع المحلي من زمن الأمارات الكردية المستقلة ابان العهد العثماني وما تلتها وحتى قيادة المنطقة من قبل قائد كوردي فشل في تكوين كيان سياسي منذ التاريخ ابتداء من ابو مسلم الخراساني وصلاح الدين الايوبي الى يومنا هذا.

هذا التركيب الفكري والسياسي هي كذلك سمة الحركات السياسية القومية العربية والفارسية والتركية كذلك والمحيطة كجغرافية سياسية للمنطقة. لكنها تعاملت بصورة مغايرة مع الاستعمار البريطاني والفرنسي مما حدا بالمحتلين صنع دول وكيانات لهم وتقسيمها في المنطقة ووضع حدودها الذي يدافعون عنها اليوم اي صنيعة سيفر، لوزان، سايكس بيكو والاتفاقيات التي تلتها. المثال الأكثر وضوحا كانت في تجربة حكم  حزب $”البعث “

الفاشلة في المنطقة لأنها بجرة خط الغوا وجود القوميات الاخرى في المنطقة رافعا شعار (الامة العربية الواحدة). 

اما الحركات السياسية الدينية فقد بقت متقوقعة بين انتماء الشخص الى طائفة دون أخرى وتمثل الحركة تلك الطائفة في حين اليسار القومي بقت تمثل فكرا يساريا مغلفا لا يقبل النقد وبفكر أحادي واحيانا بطابع قومي في ايران حزب توده وفي تركيا شيوعي (تركي وكوردي عمالي) تركيا وفي العراق كذلك. اليسار بصورة عامة بجميع اتجاهاتها حاولت جاهدة من تمثيل كافة طبقات الشعب وقومياته وعقائدها، ولكنها بقت فكرا نظريا كمدينة أفلاطون الفاضلة لم تطبق في المنطقة كسلطة وبقت تنادي بالشعارات وامني بوطن سعيد والحرية لشعوبها. الفكر الاشتراكي القومي كمثيلتها النازية الألمانية (الحزب الاشتراكي القومي الألماني) لم تتمكن من تطبيق اي من شعاراتها واقرب مثال لذلك نراه في مصر حيث الفكر القومي العروبي الاتحاد الاشتراكي العربي القومي الفاشل الذي ادخل مصر في دوامة الصراعات المحلية والعالمية بين اليسار واليمين والإسلامي وانتهت بفشلها وخسارتها جميع الحروب.

هذه الخارطة الفكرية وحدود الدول مطلقة ومقدسة لدن جميع الاتجاهات الحزبية في المنطقة وانعكاساتها واضحة اليوم على التركيب الفكري السياسي السائد في العراق. كل شيء يمثل الجزء والجزء وكل شيء معه يمثل الوطن، كامل متكامل.

 وطن يرفع المواطن فيه راسه فخرا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com