سليمان المجيني
كاتب من سلطنة عُمان
هل تذكرون نظام الخلافة الإسلامية ونظام الحكم في الإسلام؟، نظام الحكم الذي يتخذ بلدا مركزا رئيسيا للخليفة أو الحاكم الذي يعين الولاة على الأمصار التابعة للدولة الإسلامية، الوالي الذي يحكم جزءا من أرض عربية أو إسلامية، ويرجع في كثير من المسائل إلى رأي المركز، لن أطيل هذه المسألة كثيرا، لكنها مقدمة بسيطة لمحاولة الإجابة عن السؤال الذي يتصدر هذه المقالة.
حدث تغير كبير على أنظمة الحكم في البلدان، خصوصا غير العربية، فمن ناحية الاستقلال عن المستعمر استقلت العديد منها، وأصبح لأهلها الحكم على البلاد، إلا أن استقلالها كان مشوبا ببعض الشروط، وربما الالتزامات التي فرضت عليها، واستمر النضال حتى تخلص العديد من تلك البلدان المستقلة من الوصاية الغربية، خصوصا في دول أفريقيا وآسيا، ومع ذلك ما زالت تلك الوصاية مستمرة في بعض بلدان هاتين القارتين كمصر ودول الخليج وغيرها.
هذه الوصاية غير واضحة ولا مكتوبة، إلا أنها لازمة لطريقة التعامل مع بلدان الاستعمار القديم/ الجديد، ونلاحظ ذلك مسبقا في تأخير الاتفاقات مع هذه الدول أو التفاهمات بشأن القضية الفلسطينية فمنذ وعد بلفور عام 1917 وكمية الوعود بالإضافة إلى تفتيت كل ما جاء بهذا الوعد الكاذب من حقوق الفلسطينيين المدنية والدينية، وكأن بريطانيا العظمى ما هي سوى وسيلة لإقامة وطن، دون أن يكون هناك حق لأصحاب الأرض الحقيقيين.
بدأ الاستنزاف الحقيقي لهذا الوعد بعد تنفيذه مباشرة، واستمر إلى اليوم مع استمرار نزيف الدم الفلسطيني، فالمجازر التي تردى من خلالها وضع أصحاب الأرض وتخلي دول العالم (الذي يقال عنه العالم الحر) جعل الأمر في غاية السوء، وأطلت قتامته على الواقع دون استقرار أو حتى حراك يسهم في تراجع المحتل من جرائمه التي أصبحت ممنهجة، وعلى مرأى وأعين العالم.
لم يكن النظام الاستعلائي بعيدا عنا حتى وقتنا الحاضر مع الفروق التي نعرفها جميعا، بدأت هذه الفروق حينما انهار المسلمون في أنحاء المعمورة وانداح المتسلقون منهم يطلبون رضا قوى الشر بعد أن ارتضوا التآمر على الشعوب والوقوف مع القوة دون اعتبار لأي ظرف إنساني أو تاريخي، فبعد انهيار الدولة العثمانية الذي بدأ تدريجيا في العام 1908 تقريبا أصبحت بعض الأمصار ضعيفة ومتفرقة، وحلت محلها دول الغرب (بريطانيا خصوصا)، حيث فرضت سيطرتها على رؤوس القبائل في المنطقة العربية عموما، وتحكمت برأيهم من خلال خبرتها ودهاء قادتها الذين كانت لهم خبرة واسعة في هذه البلدان.
هؤلاء القادة أو الشيوخ بدورهم حفظوا العهد، وأصبح الانعتاق منه صعباً جدا في ظل المعوقات التي تعاني منها هذه الدول من مديونية وهشاشة سياسية واقتصادية، وخوفا من انهيار منظومة الأسر الحاكمة فيها، وكأن حال لسانها يقول لا فرق بين الإنجاز الذي قدمه المسلمون في الأندلس وغيرها وحال العثمانيين الذي لم يحافظوا على هيبة المسلمين، وتخلوا عنا في ظل الفقر والبطالة وانهيار التعليم والاقتصاد، ومن ثم لن نكون أفضل حال منهم.
في هذه الدول، وأقصد الدول العربية في الخليج ومصر وربما غيرها، لا نملك رأيا في الأشياء المصيرية، لأنها محكومة من الدول المركزية كبريطانيا وأمريكا، وعلى الشعوب إما تقبل هذا الأمر والسير في اتجاه تغيير تفكيرها لصالح بقاء الأسر الحاكمة الموجودة وكسب الأمن الذي يأتي خجولا في ظل التوترات التي حولنا، ويحاول بقدر استطاعته حث أسرته الصغيرة على عدم ارتكاب الحماقات التي تؤدي إلى زعزعته وانهياره، أو يكسب نفسه، ويدرك أن مصيره مهدد ويقوم بما يجب القيام به وتغذية الجيل القادم بأهمية العيش من أجل الاستقلال الحقيقي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتراف بحقوق الشعوب وعدم مصادرتها.
والحقيقة أن المقارنة بين نظام الحكم في زمن السابقين والعصر الحالي أمر ظالم، حينها لا بد من تبني الرأي أن نظام حكم عمر بن عبد العزيز كان خاطئا، ولم يكن من الجدير تعليمنا إياه، وحينها أيضا علينا الإيمان بأن من يستحوذ على نصف إيراد البلاد أو أكثر، فيحيلها لأسرته الصغيرة بينما تئن الشعوب تحت وطأة العوز، ومن ثم الفقر والجوع، وترضى بباقي الفتات فإن الأمر في غاية التواطؤ لكنه كرم، وأمر حسن برأيي في حال أراد الأمن والانزواء بعيدا عن مشاغل وحياة أمته.
وهنا أستطيع القول أيضا أن تواطؤ الدول العربية مع أفعال الصهاينة ضد الفلسطينيين هو نتيجة تواطؤ الشعوب نفسها مع أفعال حكامها، نحن متواطئون جميعنا ضد القضية الفلسطينية، وهذا التواطؤ له ضريبته وقياسه بالحياة التي يرغب فيها المواطن عيشها ومتطلباته التي يراها ضرورية له.
إذا فبحكم محددات الحياة التي يراها كل مواطن عربي وقياس ذلك على رغباته منها فإن الأمر يصبح أنكى من أن يصعّد الأمر إلى مستويات تعلو هذه المحددات، ولأني أعرف جيدا مستويات العقل العربي والتربية التي تلقاها في المدارس الحكومية وغيرها في دولنا إلا من رحم الله، وبحكم تحجيمه وتقييسه ليكون أقل شأنا من نظيره الغربي، فإن خلاصنا لن يتأتى إلا من فئة محدودة، هذه الفئة التي تعمل في الظل، وتؤمن بمقدرات إنسانها وأوطانها، وربما يكون رجالات المقاومة الفلسطينية واللبنانية أحدها.
هكذا تُحكَم الدول العربية حاليا، وليس كما كانت من قبل، ترجع دولنا في كثير من قراراتها المصيرية إلى الدول الغربية الحاكمة، وتخشى أنظمتنا من الأخطاء الجسيمة التي ربما تكلفها انتزاع حكم تلك البقعة من الأرض لأسرة أخرى تكن مشاعر إيجابية تجاه دولة المركز، لذا لا نستغرب من أن نظريات الحكم التي تُحكَم من خلالها الشعوب العربية هي في الأساس غربية هدفها التحكم بها وجعلها في طاعة دائمة كنظرية أو سياسة العصا والجزرة، وكذا أخذ حكامنا أفكارهم من الكتب الغربية التي أشهرها كتاب “الأمير” لمكيافيللي حيث وضع مبادئ جديدة للعلاقة بين الفضيلة والقدر، وتبلورت بعض تلك الأفكار لدينا من خلال تهميش الأدوار القيادية الدينية، وتأجيج الخلافات، وإهمال الدين بشكل عام، وتشويه أو عدم الاعتناء بالتعليم وحتى الفضيلة الحقيقية للمسلم.
لم يعد الخلفاء الغربيون (وعذرا على إطلاق “الخلفاء” على الغرب هنا) يحكمون بما يرضي الله كخلفائنا السابقين، وهو ما سرى إلى حكامنا الحاليين، ولو أن نظام الحكم العربي لم يتغير من حيث الشكل، لكنه كان في مضمونه وبالا على الحق والعدل، وبالتالي من الطبيعي أن الأمر لا يتماشى مع الشعوب المؤمنة وبعض الفئات الخارجة عن الأطر المحددة لها والتي تقبع إما في السجون، أو منزوية في الخفاء، حتى تتمكن مما تريد في لحظة زمنية فارقة.
عذراً التعليقات مغلقة