الإرادة السورية : مفتاح النهضة

27 ديسمبر 2024
الإرادة السورية : مفتاح النهضة

د. أحمد محمد القزعل

كاتب سوري

تشهد سوريا اليوم مرحلة تاريخية فارقة، حيث يتطلع الشعب السوري إلى فجر جديد بعد سنوات طويلة من المعاناة تحت حكم نظام بشار الأسد، وإن سقوط هذا النظام يعتبر نقطة تحول جوهرية وفرصة سانحة للسوريين لبناء وطنهم على أسس جديدة من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وإن مقومات الشعب السوري عبر التاريخ، تؤهله لتجاوز هذه المرحلة الصعبة وتحقيق الوحدة والنهضة.

حقيقة يتمتع الشعب السوري بمقومات عديدة تجعله قادراً على تحقيق الوحدة الوطنية والتغلب على التحديات، وأول هذه المقومات هو التنوع الثقافي والديني الذي طالما كان مصدر ثراء وقوة وليس سبباً للتفرقة، ولقد عاش السوريون على مر التاريخ معاً متجاوزين الاختلافات الطائفية والإثنية واستطاعوا بناء مجتمع متماسك ينعم بالتعايش والاحترام المتبادل، كما أن السوريين يتميزون بالصبر والإصرار على التغيير ولقد أثبتت سنوات الحرب أن السوريين رغم المعاناة والتحديات يتمتعون بقدرة عالية على الصمود والمقاومة، وهذا الإصرار على الحياة والكرامة سيكون أساساً لتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة إعمار الوطن، وإلى جانب ذلك يملك الشعب السوري إرثاً ثقافياً وتعليمياً غنياً، فالتعليم والمعرفة كانا دائماً من أولويات الأسر السورية مما يجعل القوى البشرية السورية مؤهلة للقيادة والإبداع في جميع المجالات،  وإن الاستثمار في هذا المورد البشري سيُسهم في إعادة بناء سوريا على أسس حديثة ومتطورة.

ولعل التاريخ خير شاهد على قدرة السوريين على تجاوز المحن وإعادة بناء ما دمرته الحروب والكوارث،  ففي كل مرة تعرضت سوريا لأزمات نهض أبناؤها من جديد بفضل إيمانهم العميق بوطنهم وعزيمتهم التي لا تنكسر، وفي بداية القرن العشرين أسهم السوريون في بناء دولة حديثة ذات مؤسسات قوية وقوانين مدنية متقدمة، وبعد الاستقلال من الاحتلال الفرنسي كانت سوريا من أوائل الدول العربية التي اعتمدت على كوادرها الوطنية في بناء مؤسساتها وإرساء قواعد الدولة الحديثة، وهذه الروح البناءة ظلت موجودة في نفوس السوريين وهي التي ستقودهم إلى إعادة إعمار بلدهم من جديد بعد زوال النظام الحالي، وفي مجال الاقتصاد، يتميز السوريون بمهاراتهم العالية في التجارة والصناعة والزراعة، ولقد كانت المدن السورية مثل حلب ودمشق على مر العصور مراكز اقتصادية كبرى تُصدر منتجاتها إلى العالم، كما أن الحرف اليدوية والصناعات التقليدية السورية معروفة عالمياً بجودتها وإتقانها مما يشكل قاعدة اقتصادية يمكن البناء عليها في مرحلة ما بعد الحرب.

ويقول نزار قباني في وصف السوريين: ” أنا السوري بعد ألفي سنة ما زلت أزرع القمح وأخبز الخبز وأصنع الحب “، ويقول الأديب العالمي جبران خليل جبران:

” إن دمشق تعلّم الإنسان كيف يقاتل وينتصر دون أن يفقد إنسانيته “

إن مستقبل سوريا بعد سقوط بشار الأسد يعتمد على تضافر جهود جميع السوريين داخل الوطن وخارجه لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في بناء دولة حديثة قائمة على العدالة والمساواة، ويجب أن يتجاوز السوريون خلافاتهم وأن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وإن إعادة بناء سوريا ليست مهمة مستحيلة بل هي حلم قابل للتحقيق بفضل العزيمة والصبر والتفاني، وبوحدة السوريين واستثمار قدراتهم وطاقاتهم سيولد غد مشرق يُعيد لسوريا مكانتها الحضارية والتاريخية بين الأمم، فسوريا قلب العروبة النابض تستحق الأفضل وشعبها قادر على تحقيق ذلك.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com