قد ميّز نطف الأصلاب
رمضان زيدان
شاعر من مصر
يا عقل بفكرك فــ لترقِ فوق الأشياء
ولتبقَ حقاً يتربّع فوق العلياء
تسمو بنداءٍ علوي
تعلو لسماءٍ يغمرها نورٌ وضّاء
تتصفح عيناك برفق وتعانق سرب الأحياء
لتلاقي جمالاً عذرياً يتبدّى في كل مساء
تشتاق لحكمتك العليا كل الدنيا
فاربأ بجنابك وترفّع فوق الأهواء
واقرأ في سِيرٍ لتمحّص قيم النجباء
سيرتك الأولى في قومٍ عبدوا الأصنام
هم أهل ضلال وطُغام
وأدوا قتلوا هتكوا الأعراض بباديةٍ نصبوا الأزلام
جعلوا لموائد سكرهمُ أقداح مُدام
سلبوا من مر بقافلةٍ وأضلوا العير عن الإقدام
وهنا الأقدام مصفدةٌ
والحر بكهفٍ موصودٍ من بين عبيد
قد أصبح عبداً مملوكاً
يُبتاع بأسواق الدنيا في قيد حديد
ويكد بتعبٍ وبنَصبٍ في درب وصيد
لا يلقى للصبح عيوناً ترقبه بين التسهيد
لا يلقى للفجر نسيماً لا يسمع إلا التنهيد
قد أصبح في جبِّ ظلامٍ يتأوّه لدغ الثعبان
ما بين خضوعٍ وهوانٍ فالحر مُهان
أضناه البحث وأتعبه في كل مكان
أين الإنسان كرامته عقل الإنسان وفطنته
روح الإنسان هويته
بل أين وأين رؤى البرهان
بل كيف يعود لموطنه
وهنا الأغلال تلوح بها أيدي السجان
فتراه بتيهٍ ممقوتٍ أفقده حتى العنوان
وتراه على ظهر جوادٍ من غير عنان
في كل طريق ترقبه
تبدو الأشلاء مبعثرةٌ بين الأرجاء
قد عاد لدنياه الثكلى يتذكر ما كان عليه
من فرط نعيمٍ وحميمٍ وكثيرٍ يسعون إليه
والمجد بتالد ديرته ترقب بيديه إشارته
وحبور عانق عينيه
قد كان أميراً تنصاع لإمْرَته الدنيا ويجول هناك
فالحر يسير بلا وعيٍ فوق الأشواك
وأيادي البغي قد امتدت جرماً وهلاك
قد صار العقل كجلمود بين الأقطار
بالقوة يفرض سطوته ليلاً ونهار
يخرج عربيداً ليكبّل كل الأحرار
ويسوق قطيعاً مكلوماً نحو الأقدار
ويثير غباراً ليُعتّم وجه الأحداث
وحديث الوأد يطالعنا
لنرى الإحساس المتبلد مثل الجلمود
والطفلة تصرخ صرختها
ينعيها الخوف على جُرفٍ وعلى الأخدود
بالدمع تودعها الدنيا
والعقل الحجري الموصود
يتشبّث بالفكر الأعمى
فظٌ أدمى قلب صغيرة
وأهال رغاماً بيديه وحشٌ جلاد
ما رق القلب لفلذته بل صار جماد
تلك الموءودة اتّشحت حزناً وسواد
وستسأل عن أي ذنوبٍ وستسأل عن أي حصادٍ
يتجنّى الإنسان كثيراً ويقتّل فلذ الأكباد
أين الإنسان عقل الإنسان روح الإنسان
بل أين وأين مدى الإمعان
وهنا تتنزل آيات لتفجّر إدراكاً أسمى
ويجوب الكون بمعناها
وتجوب بالأفق السامي وتشيّد بالصرح رؤاها
فـ اقرأ محموداً في صحفٍ للخَلق تسرَج فحواها
قد صار الإنسان حليماً دنياه تردّد بُشراها
بالعقل المتوهّج ترقى وتخطُّ على الأرض مداها
اقرأ في النص ورتله ليفوح النص بقدسية
اقرأ فالأمر يعلمنا
ويربي أحاسن أخلاقٍ ما بين خوالج وطوية
تلتف حوالينا الدنيا تترقب نبع الحرية
اقرأ تجتاز بك الدنيا تلك الأميال
تبقى أستاذاً وملاذاً في كل مجال
فالعقل الراجح يتواكب ما بين سهولٍ وجبال
ببيان أو في الميدان
سترى الأعلام البشرية تُعلي البنيان
وترى الإنسان المتحضر مِقداماً يبني الأوطان
وعلى صهوات جياد القوم ترى الفرسان
بقانون فتحوا الأمصار
بل سلّوا السيف بقانونٍ وقت الأخطار
يحمي امرأة طفلاً شيخاً
ويقيم حصوناً وحصوناً في كل مسار
السيف بنُبل سجيته قد عَلِمَ الكون بغايته
لا يقطع أبداً أشجار
لا يهدم صومعةً تحوي حضرتها حبر الأحبار
السيف تحرّك ليقاوم ظلماً وحصار
يتوثب صوب المتجبّر ينقض البطل المغوار
ويطل على كل الدنيا فكرٌ وسطي معناه
بالنور الثاقب يتوهج تلمع عيناه
والدور الرائد للمثل العليا
سيظل مداه يقوّمنا بمداد هُداه
اقرأ لم تنشر بسيوفٍ بل كانت عدلاً ذقناه
بل كانت نبضاً يتدفّق حباً وحياه
اقرأ جدّد قم وتعلم
وانشر فكرتك ولقنها عقل الأجيال
واجعل إبداعك عنواناً وصروح نضال
لا تُسلم قلبك لخضوعٍ واستنفر عزم الأبطال
أحلام الأمس لقد صارت للعين حقيقة
واليوم سنصنع أحلاماً تمتد بها الروح رقيقة
تتعهد بالأمل الساطع أن يعكس بالدُرِّ بريقه
وعهود أخوتنا بحُبٍ ستظل بوحدتنا وثيقة
اقرأ وتمعَّن في الماضي لترى الأمجاد
وترى من يصعد ربوته بين الأشهاد
يتوشّح بعلومٍ يشدو ويرابط فوق الأوتاد
من رحم العلم يُطالعنا فخرٌ ومداد
والفجر وليدٌ يتمدّدُ بين الأصقاع
وتراه العين فيقرضنا حُباً يلتاع برقته
ويزف نسيماً وأماني للقلب متاع
والموج هناك يداعبه نورٌ وشعاع
كي يُبحر بالعقل الأسمى ويجوز اليم
بإقدامٍ ويزيل الهم
ويصافح نوراً يغمره وجهٌ أواب
فإلى العلياء مفتّحةٌ تلك الأبواب
العلم تنزّل ليوظّف نُبل الألباب
العلم عيون شريعتنا في كل رحاب
إبداع لرُباه سيرق قد ميّز نطف الأصلاب
…..
zidaneramadan@gmail.com
عذراً التعليقات مغلقة