استطلاع
الأدباء والمثقفون المغاربة والعرب
في مقاربة مغرب/ مشرق
إعداد قسم التحرير
ملحق ثقافات وآداب – صحيفة قريش – لندن – الرباط
يشارك معنا في سلسلة حلقات استطلاع ملحق ثقافات وآداب لصحيفة قريش في لندن.. عدد من الأدباء والمثقفين المغاربة والعرب في مقاربة مشارقية، من خلال أسئلة نطرحها للاقتراب من ذواتهم وانشغالاتهم في التعبير عن رؤيتهم حول ما ينتجونه وما يتصورونه كأفق للإبداع داخل هذه المتاهة من الحياة .. متاهة الذات، ومتاهة الإبداع في الأوقات المدهشة من حالات المزاج ، الذي قد لايطاوع شخص الفنان المبدع في مواجهة صعوبات العصر الحالكة والشائكة.
******
هي أسئلة نطرحها على الأصدقاء والزملاء من الأدباء والفنانين والإعلاميين .. للاقتراب من ذواتهم وانشغالاتهم في التعبير عن رؤيتهم حول ما ينتجونه وما يتصورونه كأفق للابداع داخل هذه المتاهة من الحياة .. متاهة الذات، ومتاهة الإبداع في الأوقات المدهشة من حالات المزاج ، الذي قد لايطاوع شخص الفنان المبدع في مواجهة صعوبات العصر الحالكة والشائكة.
17
الشاعر المغربي عبدالدين حمروش: يمكن الزعم بأن ما ينتجه المشارقة، ويستحق القراءة فعلا، هو ضئيل، باستثناء بعض النصوص السردية
الحياة في الإبداع، هي الأكثر جدارة واستحقاقا
*ماذا يقرأ المغاربة للمشارقة من القدماء والمعاصرين ؟
**يبدو السؤال جد بحصر القراءة عند هؤلاء دون اولئك. القراءة، بالمعنى الحقيقي، ليست منحصرة في اتجاه واحد. ولو افترضنا ان للقراءة اتجاها معيناً، فهو القيمة المضافة التي يمكن ان يجنيها القارئ. لهذا، أنا أقرأ للجميع، حيث توجد الجودة، أو بالأحرى حيث تجنى الفائدة والمتعة.
في هذا الإطار، يمكن الزعم بأن ما فتئ ينتجه المشارقة، ويستحق القراءة فعلا، هو ضئيل. باستثناء بعض النصوص السردية، لا أستفيد من مقاربات المشارقة النقدية، أو المعرفية بصفة عامة، إلا لماما. الجودة، الصادرة عن كتاباتهم وابداعاتهم، باتت قليلة.
*هل فعلا تصدق أنك تبدع لتعيش الحياة ؟
**السؤال ينطوي على مفارقة عجيبة، تستحق المقاربة والتفكيك. الإبداع عيش وحياة بالمعنيين، وفي الاتجاهين. غير ان الحياة في الإبداع، هي الأكثر جدارة واستحقاقا، بحكم ما تمنحه للكاتب من معنى، لاختبار ممارسة الكتابة. لولا الحياة المختلفة، التي نحياها في الكتابة، بخلاف الحيوات الأخرى، ما كان هناك توجه إلى الكتابة أصلا. الحياة داخل الكتابة، هي التي تدفعنا إلى الكتابة وليس غيرها.
إن الحديث عما يمكن ان تحققه الكتابة للكاتب، خارج اللذة “البارتية” نفسها، وهو يتحول إلى مجرد قارئ بالتبع، لا يعدو شيئا ذا بال. ذلك ان ما يجنيه الكاتب من منافع مادية، على أمل ان تحقق له الحياة خارج الكتابة، هو جد ضئيل. ماذا غيرت الكتابة في أوضاع الكتاب الاجتماعية، مثلا، باستثناء فئة قليلة محظوظة منهم؟
*الفنان .. الرسام .. المغني … المثقف هل هو كائن انطوائي .. أحيانا يعجز عن حل مشكلات صغيرة تخصه فبالأحرى يحل مشكلات المجتمع ؟
**الكاتب كائن انطوائي فعلا. الإنطوائية، هنا، بالمعنى الإيجابي، حيث الدلالة على التفرد هي البداية، والسبيل، والنتيجة. الإنطوائية، بتعبير آخر، هي ذلك الاستبطان الداخلي، الذي يبعدنا عن لغة “القطيع” وحساسيته (بالمعنى النتشوي أو قريباً منه). الإنطوائية في الإبداع مطلوبة، مادامت تنآى بنا مسافات عما يسميه سوسيولوجيو الثقافة “الحس المشترك”. إنها وقود الكتابة الأصيلة والمتفردة.
هل المبدع يعالج مشاكل الناس والعالم، وهو الذي لا يستطيع حل مشاكله الشخصية؟ السؤال، هنا، في غير وضعه ومحله. ما هي هذه المشاكل؟ ما طبيعتها؟ ما حجمها؟ لماذا في غير موضعه؟ لأنه يختزل الإبداع في تحقيق منافع مادية مباشرة. وإن افترضنا ان للإبداع منافع مباشرة، فهي التربية على الإحساس بالجمال، والتربية على اكتساب الذوق الرفيع. هل هذهِ المنافع، التي يمكن ان يحققها الادب، هينة، في بناء الأوطان والمواطنين؟!!
*وأنت تبدع ما درجة الصدق الذي ينبع من قلبك وإحساسك ؟
** الصدق، مفهوم أشبع درسا. الصدق في ماذا؟ في أن تنقل الواقع كتابة وإبداعا؟ هل في التجرد من تحقيق المنافع المباشرة؟ مالا ؟ شهرة؟ وضعا إجتماعيا؟ أم الصدق في نقل ما تحسه؟ أم ما يحسه الآخرون؟
قد يكون كل ذلك، أو بعضه؟
لا ينبغي نسيان أن معادلة الصدق، هنا، تستدعي معادلة الكذب. ألم يقولوا ان أعذب الشعر أكذبه، على أساس أنه إبداع؟ يمكن أن ننحي “الكذب” عن حديثنا، ونستعيض عنه بمفهوم الخيال. هكذا، يمكننا الحديث عن سعة الخيال، وفرادته، وأصالته..الخيال المنطلق من الواقع، والمندمج معه، والمتعالي عليه أيضا. الخبرة بأدوات الكتابة / الإبداع، حد الإتقان، ضرورية للسيطرة على ما ينتابنا من خيالات، فريدة، عميقة ومتأصلة. الموهبة ليست كافية بالتأكيد، في غياب تملك أدوات الصناعة.