الأدباء والمثقفون المغاربة والعرب
في مقاربة مغرب/ مشرق
إعداد قسم التحرير
ملحق ثقافات وآداب – صحيفة “قريش” – لندن – الرباط
يشارك معنا في سلسلة حلقات استطلاع ملحق ثقافات وآداب لصحيفة قريش في لندن.. عدد من الأدباء والمثقفين المغاربة والعرب في مقاربة مشارقية، من خلال أسئلة نطرحها للاقتراب من ذواتهم وانشغالاتهم في التعبير عن رؤيتهم حول ما ينتجونه وما يتصورونه كأفق للإبداع داخل هذه المتاهة من الحياة .. متاهة الذات، ومتاهة الإبداع في الأوقات المدهشة من حالات المزاج ، الذي قد لايطاوع شخص الفنان المبدع في مواجهة صعوبات العصر الحالكة والشائكة.
******
هي أسئلة نطرحها على الأصدقاء والزملاء من الأدباء والفنانين والإعلاميين .. للاقتراب من ذواتهم وانشغالاتهم في التعبير عن رؤيتهم حول ما ينتجونه وما يتصورونه كأفق للابداع داخل هذه المتاهة من الحياة .. متاهة الذات، ومتاهة الإبداع في الأوقات المدهشة من حالات المزاج ، الذي قد لايطاوع شخص الفنان المبدع في مواجهة صعوبات العصر الحالكة والشائكة.
3
الشاعرة التونسية أفراح الجبالي: تدهشني قصائد شعراء مشارقة أحبّهم.. وتشدني كل دراسة تكشف مواطن قوّة ما خلّدوه
طفولتي،، كان بيتنا على شكل متحف للأعمال الفنيّة
*ماذا يقرأ المغاربة للمشارقة من القدماء والمعاصرين ؟
**شعراء أحبهم وما تزال نصوصهم تدهشني كلما أعدت قراءتها على سبيل الذكر أدونيس وقاسم حداد وسعدي يوسف وسركون بولص ووديع سعادة وكثيرين، وأقرأ للكاتبة إنعام كجه جي وإيمان حميدان مثلا، ثم إرثنا الأدبي زاخر بالنصوص التي لم نقرأها بعد كما يليق بها معلقة امرئ القيس ماتزال تشدني وأعود إليها كذلك قصائد لأبي نواس مقامات بديع الزمان وأقرأ في الفكر الصوفي، وتشدني كل دراسة جديدة تذهب نحو إعادة إكتشاف ما كتب وإبراز مواطن قوّته وما خلّده.
*هل فعلاً تصدقين أنك تبدعين لتعيشي الحياة؟
**نحن نبتدع الحياة. الشعر هو شكل وجودنا على هذه الأرض.. وليس ترفا ما نقوم به ولا هو عرضيّ. إن وجودنا على هذه الأرض ليس بالسهولة التي يبدو عليها، وجودنا شعريّ بامتياز. والإنسان هو هذا الإله الصغير الذي يمشي على الأرض صانعا تاريخه وكائناته ومؤسسا لوجوده عبر إبداع أفكاره وخلق إيقاعه الخاص به وهو يواصل نحت شكل العالَم كل يوم وباستمرار..
فالحياة ليست معطى جاهزا ودورنا هو مجرد السكون إليه. أن نكتب هو أن نرفع حدودا كنا نظنها حدود العالم، كما عشناه وألفناه إلى حد اللحظة، الشعر يفعل ذلك.. الشعر يشكّل إمكانيّة الحياة
*الفنان … الرسام .. المغني والمثقف هل هو كائن انطوائي .. أحيانا يعجز عن حل مشكلات صغيرة تخصه فبالأحرى يحل مشكلات المجتمع …؟
**من عادة السياسيّ إذا فشل مطالبة الثقافيّ بالقيام بلملمة ما أفسده، وتنظيفه أو ترقيعه،وقد يذهب بعيدا فيحاول تحميله مسؤولية ما كسره عوضا عنه.. وليس الأمر تقاذفا للتهم ولا تملّصا، لكن الإنسان كائن فريد وفرادته تكمن في قدرته على الخيال والتخييل، بما فيها من دور للذات في ذلك، بما تحمله الذات من حريّة، والشعر من بين كل الفنون كان الخطاب الجماليّ الأشدّ خطورة وسط الحياة العامة لا لأنه قد يوجّه النظر ويسائل ويخلخل كل ما هو مهيأ للسيطرة والقهر والتشيؤ وحسب، و إنما لأنه “بحث عن الواقع المفقود”..
الشعر لا يتملّص من الواقع، الشعر يبحث عنه. الشعر يخترعه. وكثير من الشعراء سبقوا العلم وسبقوا الفلسفة عبر تاريخنا وتمكنوا من تحويل بوصلة الإنسانية قبل فوات الأوان
*هل تعيشين أو عشت حالة من الانطوائية والعزلة .. لماذا؟
**ليس خيارا أن تجد نفسك شاعرا أو رساما أو نحاتا أو موسيقيا ووو. أنت فعلا تستقبل العالم بمكبرات صوت هائلة و منظار وميكروسكوب ومجسات وقرون استشعار وسعة للروائح والذكريات التي لن تكون دائما مريحة خاصة إذا كنت تباشر حياتك بمحبة لا تطاق في كل الأيام وعليك أن تتناسب مع عملك ومع رصيفك الذي تقطعه وحجم الهواء الذي خصص لك.
ولأنك كل هذه الحساسيّة وأكثر، أنت لن تجد من الممكن أن لا تلتقط التفاصيل، إنها تسكنك، تشتغل داخلك، أنت تستقبل العالم كله دفعة واحدة وهذا ليس مريحا دائما وقد يحتاج المبدع إلى الإبتعاد قليلا، إلى الصمت والهدوء لا ليَنسى وإنما لكي يعبّر عما يشكّله كل ذلك. ويحتاج إلى أن يُنسى ربما لكي يحقق التعالي المطلوب عن الحديث اليوميّ كي يمنحنا ما يكتب صمتنا بكل حريّة
*الكتابة.. الرسم .. الفن .. الإبداع .. هل كل هذا يمثل طبيعة ذاتك ..وتجربتك في الحياة أم إن ذلك مجرد خيال ؟
**ولدت في بيت فنان هو أبي، اختص في دراسة الهندسة الميكانيكيّة ثم في مرحلة موالية طلق الهندسة ليعانق فنّه، فنّ الرسم والنحت على الخشب، وكامل فترة طفولتي كان بيتنا على شكل متحف للأعمال الفنيّة بحق، وكنت صغيرة أرسم كما أتكلم تلقائيا دون الحاجة إلى طرح أسئلة كثيرة عن سبب ذلك أو غايته. الخيال كان رفيقي الحميم في سنوات صباي ومعه الحلم، والكتب والمطالعات لم تزده إلا تعميقا أكثر فأكثر حتى خشيت عليّ أمي أن أتشبث بالطفولة أكثر مما ينبغي ولعله ما حدث حقا. ثم مع الدراسة والثقافة اكتشفت أنه العالم الذي نذرت للعيش فيه ولم تكن أمي مخطئة ولا أبي ولا كل الذين قرأت لهم: أنا في عالم الرموز والصور والخيال والحلم.
*وأنت تبدعين ما درجة الصدق الذي ينبع من قلبك وإحساسك ؟
**النص أحيانا يوقعنا في فخاخه وقد يكتب نفسه بنفسه أحيانا وقد يحدث أن نخال أننا نكتب عن الأشياء والأماكن مثلا فيكتبنا وهكذا..، لا أقلق كثيرا بشأن ما قد يأخذني النص إليه فأنا مثلما أحب أن تدهشني نصوص الآخرين أسعد عندما يفعل معي نصي ذلك. الكتابة عالم جميل جدا وهي ما تنفكّ تأتي بالجديد وباستمرار، والنصوص القويّة والعظيمة عبر التاريخ هي التي أحدثت فيها طفرة أو ربما فجوة في جدار ما وكانت مستحيلا وفاجأت لا قارئها أو متلقيها فحسب بل وحتى شاعرها، ولكن طبعا المفاجأة أو الدهشة هنا أعني بها القدرة على قولِ جديد من منطلق أن الشعر هو المتكلّم الوحيد الذي مايزال يملك ما لا يقول.
* أنت والذكاء الاصطناعي ما محلكما في الوجود .. هل أنت معه أم ضده ؟
**لا شيء يخيف الإنسان أو يهدّد وجوده طالما يحِبّ و يأمَل وما يزال يتأمّل ويقبل الاختلاف. لست مع أو ضدّ، انا أواصل الإيمان بأن الأسئلة تتغيّر مع الراهن وأواصل التعلّق بما يعلّمنا إياه الشعر : سنقرأ ذلك بالتخلّص من كلّ ما قبل، وبالتخلّص من كلّ ما بعد.