الإرهاب التربوي ( أدوات السيطرة وطرق التحصين )
أ.د. أحمد محمد القزعل
بدايةً تؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن التربية الديمقراطية توفر للطفل البيئة المثلى للنمو والازدهار، وتسعى السياسات التربوية في العديد من الدول المتطورة إلى تجسيد المبدأ الديمقراطي في العملية التربوية متبنية النظريات الحديثة في مجال التعليم والتربية، لكن وعلى الرغم من ذلك لا تزال بعض مظاهر العنف موجودة في أروقة بعض المدارس والمؤسسات التربوية ولا تزال وجوه الأطفال تلهب تحت وطأة الصفعات وأيديهم ترتجف تحت تأثير العصا…
فما هو مفهوم الإرهاب التربوي وما دور السياسات التربوية في صناعته؟ وما الفرق بين العقوبة التربوية والإرهاب التربوي؟ وما أسس الإرهاب التربوي ونتائجه وطرق التخلص منه؟
مفهوم الإرهاب التربوي
يشير مفهوم الإرهاب التربوي إلى استخدام الوسائل القمعية والقسرية في العملية التعليمية، بهدف السيطرة على الطلاب وإخضاعهم تحت مظلة الخوف والعقاب المستمر، مما يقيد الإبداع ويضعف حرية التفكير، ويتمثل الإرهاب التربوي في ممارسات مثل العنف الجسدي أو النفسي والإذلال العلني وفرض العقوبات القاسية مما يؤدي إلى تربية بيئة تعليمية مسمومة، ويتجلى الإرهاب التربوي عبر ممارسات تربوية سلبية متنوعة تخلق بيئة تفريغ نفسي واستلاب روحي، فهذه التجارب التربوية المؤلمة التي تمر على الطفل عبر مراحل حياته تؤثر سلباً في نمو الطفل وتطوره، ولقد أثبتت الدراسات الاجتماعية والتربوية أن الأطفال الذين ينشأون في بيئات تسودها العلاقات الديمقراطية هم الأكثر نجاحاً وتفوقاً دراسياً، كما كشفت تلك الدراسات أن الإبداع والابتكار مرتبطان بدرجة الحرية التي يتمتع بها الأطفال في تلبية احتياجاتهم والتحرك بحرية، فالتربية القائمة على التسلط تؤدي إلى تجريد الإنسان من محتواه الإنساني وقمع قدراته على التفكير الإبداعي وحرمانه من المساحة الضرورية لنمو شخصيته الإنسانية.
دور السياسات التربوية في صنع الإرهاب التربوي
تساهم السياسات التربوية في صنع الإرهاب التربوي عندما تتجاهل حقوق الطلاب في بيئة تعليمية هادفة وعادلة مما يساهم في إساءة استخدام السلطة من قبل بعض المعلمين والإداريين، فالأنظمة التعليمية التي لا تعترف بحقوق الطلاب أو تهمش تطورهم النفسي والاجتماعي تكون أرضاً خصبة لهذا النوع من الإرهاب، كذلك تساهم السياسات التربوية في صنع الإرهاب التربوي عندما تعتمد على مناهج تستخدم القمع بدلاً من التشجيع؛ لأن مثل هذه السياسات قد تعزز الضبط الصارم على حساب الإبداع وتقلل من دور الحوار والمشاركة الفعالة، ومما لا شك فيه أن العنف التربوي يؤدي إلى إنتاج شخصية سلبية تعاني من الهزيمة والضعف وتُحاصرها مشاعر القصور، وهذا المسار يعوق نمو الشخصية وتكاملها ويعرض الأطفال لعملية استلاب شاملة تعزز كافة مظاهر الضعف والقصور في الشخصية الإنسانية.
الفرق بين العقوبة التربوية والإرهاب التربوي
العقوبة التربوية هي وسيلة لتوجيه الطلاب وتصحيح أخطائهم بطريقة بناءة وتكون متدرجة ومتناسبة مع الخطأ وتهدف إلى تحسين السلوك بشكل إيجابي وبناء، ومن خلالها يتطور لدى الطالب الوعي بالمسؤولية والانضباط الذاتي.
أما الإرهاب التربوي يتجاوز هذا الحد ويعتمد على التخويف والعقوبات القاسية وغير المناسبة مع استخدام القوة أو السلطة بشكل مفرط، والإرهاب التربوي يخلق حالة من الخوف والانطواء ويضعف ثقة الطالب بنفسه ويضر بالنمو النفسي والشخصي للطالب ويمكن أن يدفعه إلى سلوكيات عدائية أو انسحابية.
وبناء على هذا الفرق نوضح أن العقوبة التربوية تستخدم كأداة لتحسين سلوك الطالب بشكل إيجابي وتطوير شخصيته، أما الإرهاب التربوي فهو استخدام سلبي وقمعي للسلطة يؤدي إلى تدمير وتحطيم نفسية الطالب مما يؤدي إلى فقدانه الثقة بنفسه وضعفه وتراجعه الدراسي .
أسس الإرهاب التربوي
1- السيطرة المفرطة على الطلاب باستخدام وسائل عنيفة أو استبدادية واعتبار العقاب وسيلة رئيسية للتحفيز بدلاً من التشجيع والتوجيه.
2- غياب الإشراف الأخلاقي وعدم وجود قواعد واضحة للتعامل مع الطلاب بكرامة واحترام وعدم إتاحة الفرصة للطلاب في التعبير عن أفكارهم أو مشاعرهم بحرية.
3- التلاعب النفسي واستخدام التخويف والتهديدات لجعل الطلاب يشعرون بالضعف، وبالتالي فإن هذه الثقافة المؤسسية القمعية تعزز الرهبة في نفوس الطلاب على حساب التعلم الفعلي الحقيقي الهادف.
4- التعامل الفوقي والتمييز فينظر إلى الطلاب على أنهم أتباع يحتاجون إلى السيطرة وليسوا أفراداً يحتاجون إلى التوجيه، وقد يتم تفضيل بعض الطلاب على الآخرين بناءً على عوامل غير تعليمية مثل الخلفية الاجتماعية…
أساليب معالجة الإرهاب التربوي
1- تعزيز السياسات التعليمية الداعمة بحيث تقوم الأنظمة التعليمية على مبادئ الشمولية والدعم النفسي والاجتماعي.
2- تأهيل وتدريب المعلمين للتعامل مع الطلاب بأساليب تربوية فعالة غير قمعية، وتعزيز الحوار بين المعلمين والطلاب والتركيز على بناء علاقات مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.
3- تقييم دوري للأداء التعليمي وضمان وجود بيئة تعليمية تشجع الطلاب على التفكير والإبداع دون خوف.
4- ضمان مشاركة المجتمع في صنع القرارات التربوية لضمان تربية صحية، ووضع قوانين وتشريعات تمنع أي ممارسات قمعية في البيئة التعليمية.
5- تنظيم ورشات عمل وحلقات تدريبية ومراقبة وتقييم بيئة التعليم لضمان تطبيق معايير التربية الإيجابية وتعزيز مهارات المعلمين في إدارة الصف بأساليب تربوية.
ومن نافلة القول: فإن الإرهاب التربوي هو من أكبر التحديات المعاصرة التي تواجه الأنظمة التعليمية في مجتمعاتنا، فهو يعيق التطور الشخصي والنفسي والفكري عند الطلاب، ويمكن الحد من هذا النوع من الإرهاب وتحويل بيئة التعليم إلى مساحة داعمة وآمنة للنمو الشخصي والمهني من خلال إعادة النظر في السياسات التربوية وتعزيز المناهج التي تشجع على الإبداع والتفكير النقدي .
عذراً التعليقات مغلقة