الحرب..الشرق ثمّ الشرق ، والهبوط الاضطراري 1944 -قضية

1 يناير 2025
الحرب..الشرق ثمّ الشرق ، والهبوط الاضطراري 1944 -قضية

 د. توفيق رفيق التونچي

 السلطة الحاكمة التي تحمل السلاح لتقتل أبناءها تفقد الشرعية أينما كانت. الحرب وهبوط الطائرات الاضطراري كان موضوع المعرض المقام في متحف مدينة يونشوبنگ السويدية. ازور المعرض الذي يأخذني الى ربوع بلادي، بلاد الرافدين وساحات المعارك فيها وعبر الدهور. هدير محركات النفاثة للطائرات الروسية (ميگ، سيخوى) وهي تمر من سماء مدينتي كركوك إبان الستينات لا تزال صداه يرن في آذاني. تلك الطائرات التي كانت تقصف بحممها جبال وروبا كوردستان. 

كلنا متفقون قارئي الكريم على ان الحرب خراب للديار وفناء للبشر ولجميع الأطراف، وهناك دوما هناك مستفيدون من الخبيثين والأشقياء من تجار الحروب. ولكن لا يوجد غالب ومغلوب في اي حرب، أقولها كما قالها قبلي رجال الموحدين في الأندلس ” ولا غالب إلا الله “ لكن عادة كل طرف يدعي الانتصار ولا يهم في واقع الأمر من هو أو هم البادئين بإعلان الحرب. 

وأنا أدور في قاعات المتحف متفكرا فيما وصلت اليها دول شرقنا الحزين من خراب ديار وفناء بشر ،أقول وانا في حالي تلك دخلت قاعة كتب على لوحة في بوابتها “الهبوط الاضطراري ١٩٤٤ “. هؤلاء هم الطيارون الذين جاءوا محاربين قوى الظلام النازية في سنوات الحرب العالمية الثانية ولأمر ما عطلت طائراتهم او تم قصفها واضطروا بالهبوط في مملكة السويد. 

تأمل قارئي الكريم في الحروب بين شعوب الشرق والتي اقل ما يمكن تسميتها بحروب بين “الإخوة الأعداء ” مع الاعتذار من دوستويفسكي لاستخدامي عنوان احد اهم أعماله الأدبية “الإخوة كارامازوف” مشيرا إلى ان جميع الحروب الماضية والقادمة في الشرق هي بين أناس تربطهم التاريخ المشترك والدين والقومية والتراث والثقافة المشتركة والقاسم المشترك هو الوطن اي تراب دول الشرق. هذا الشرق الذي كان يوما ما مهد الحضارات الإنسانية وبوتقة الثقافة والأديان السماوية.

علينا ان نذكر ومع الأسف الشديد بان تلك الربوع ستكون ومع الأسف دوما ساحة للصراعات والحروب القادمة في المستقبل وستزول من خارطة العالم يوما ما حين يكون بمقدور قوى الظلام الحصول على أسلحة متطورة ينهي الحياة في تلك الربوع بعد مئات السنين. حيث نرى اليوم يتحضر لها في الخفاء قوى ظلامية وعدائية السلوك بين حكامها هنا وهناك والله المعين لشعوب هذه المنطقة التي اختارها الرحمن لينزل فيها الأنبياء والرسل والمصلحين دهور عدده ليصلح شعوبها ويعلمهم المحبة والعفو عند المقدرة.

المعرض يعرض فيه صور ومقتنيات الطيارين اللذين هبطوا اضطراريا في سنوات الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٤ الذي انقل بعض الصور والمعلومات حول الطيارين اللذين اظهروا للهبوط في مدينة يونشوبنگ والمعرض جزء من التراث التاريخيّ للمدينة ويمكن مشاهدة الكثير في متحف مدينة او مصيف” گرينا” القريبة حيث متحف رائد المنطاد السويدي العالم سالمون أوغست اندري والذي ضحى بنفسه في رحلته لاكتشاف مجاهل القطب الشمالي. 

من المعلوم تاريخيا ان مملكةً السويد لم تدخل اي حرب خلال القرنين الماضيين والتي شهدت حربين عالميين في اوربا. سياسة الحياد التي اتّبعتها مملكة السويد يؤهلها دوما كي تكون علىً راس الدبلوماسية في الحرب والسلام وكان ثاني الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة ١٩٥٣ وهو مواطن من مدينتي “داك هامرشولد” من مواليد ١٩٠٥ والذي لقىً حتفه في حادث طائرة في ١٩٦١ الكونغو وهو يؤدي مهمة سلام. 

بدأ الحرب العالمية الثانية على حدود المملكة الشمالية اولاً حيث تعرضت دولة فنلندا عام ١٩٣٩ لهجوم من قبل جيش الاتحاد السوفيتي، وفي العام التالي تعرضت كل من الدنمارك والنرويج لهجوم واحتلال من قبل ألمانيا النازية. 

رغم ان مملكة السويد لم تدخل الحرب ووقفت الى الحياد، بل ينتقد أحيانا لوقوفها بجانب القوات النازية وتزويدهم بالسلاح والمعدات حيث نرى ذلك في معروضات متحف صغير على أطراف المدينة وعلى مقربة من احد اهمً مناجمً المعادن في السويد في “وادي تأبري ” الجميل. لكن أثار الحرب ظهرت بسرعة في المجتمع السويدي المسالم. خاصة في هذه المدينة حيث مقر الفوج المدفعي السادس وكان الانتشار المكثف للجنود في شوارع وأحياء المدينة والجدير بالذكر ان تلك المنطقة تحولت اليوم إلى مركزا تجاريا (مول) فيها مئات المحلات الىً جانب بنايات المستشفى العام للإقليم (ريهوف) في المدينة. 

باعتبار السويد دولة محايدة لجأ لها العديدونً وحتى بعض الطائرات من جميع الأطراف التي شاركت في الحرب حيث هبطت اضطراريا ما يقارب ٣٣٧ طائرة منها ١٤٢ طائرة أمريكية في المدينة. 

اذ قامت السويد بعقد العديد من الاتفاقيات في تسليم طواقم الطائرات ومن ثمً تحويل جميع تلك الطائرات إلى الاستخدام المدني. في يوم السبت 7 كانون اول أكتوبر من عام 1944، عرف سكان يونشوبنگ بقرب الحرب حين قامت طائرتان من سلاح الجوي الأمريكي منً نوع بوينگ، بي، ١٧، جي بالهبوط اضطراريا في احد الحقول في منطقة يونگارومً جنوب المدينة. تعرضت الطائرة الأولى لأضرار بالغة بسبب النيران المضادة للطائرات مما أدى إلى تفكيكها واستخدم أجزائها كأدوات احتياطيةً في حين تم معاملة طاقم الطائرة بكل الاحترام وتم إقامة شعائر الجنازة علىً أرواح الطيارين اللذين فقدوا حياتهم في كنيسة كرستينا وسط المدينة بحضور أبناء المدينة. بعد الحرب نقل رفاتهم إلى المقابر الأمريكية وتم إعادة جميع الطيارين الأحياء إلى بلادهم.

اليوم اصبح كل ذلك من الماضي في الغرب وتاريخا دون ووثق في الكتب وبعد حربين عالميين تمكن الحكماء منهم ان يتحدوا على فكرة اتحاد طوعي. اتحدت تلك الدول المتخاصمة في وحدة طوعية واصبحً أعداء الأمس أصدقاء يحلمون سويا بمستقبل زاهر لأحفادهم واعني دول “الاتحاد الأوربي”. هذا الاتحاد الذي يضمن حركة الأموال والأشخاص والمنتوجات بحرية ويتعامل اليوم العديد من دولها بعملة مشتركة بعد ان الغي الحدود أمام حركة وإقامة مواطنيها وربما سنشاهد في المستقبل قوات عسكرية مشتركة وجواز مشترك وخطوات أخرى نحو توحيد دول الأوربية مع احترام تعددية ثقافاتها.

 لكن يجب ان لا ننسى ورغم ان هذه الفكرة التوحيدية قديمة تاريخيا لكنها تجد دوما لها معارضين ينغلقون فكريا في صومعتهمً كي يحافظوا على انفسهم وأنانيهم في إدارة شؤونهم بأنفسهم بعيدا عن فكرة الجماعة وقوتها في بيئتهم محاولين تمزيق الاتحاد ومن يدري ربما يتأسفون على فعلتهم تلك لاحقا وفي المستقبل.

ليجلب الرحمن في العام القادمً الخير والسلام الىً ربوع العالم وخاصة الى دول الشرق عسى ان يمحو الخوف من قلوب البشر ويمسخ الأشرار وأفكارهم الى الأبد الأبدين.

السويد عشية نهاية عام ٢٠٢٤

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com