الحوار مع الآخر .. لتحقيق السلام

24 يناير 2025
الحوار مع الآخر .. لتحقيق السلام

الحوار البناء مع الآخر مفتاح لحل الخلافات وتحقيق السلام

أ.د. أحمد محمد القزعل

تعد ثقافة التسامح من المبادئ الأساسية التي تساهم في بناء المجتمعات السليمة والمستقرة، فهي تدعو إلى احترام التنوع والاختلاف، سواء في الدين أو العرق أو الثقافة أو الآراء،  وعندما تتوفر بيئة تحتضن هذا التنوع وتقدره، يثمر ذلك في خلق مجتمع أكثر انسجاماً واستقراراً ويعزز من قدرته على التقدم والابتكار، لكن في عالمنا اليوم حيث تتشابك العلاقات بين الشرق والغرب  تظهر الكثير من  التحديات التي تتطلب منا العودة إلى أسس الحوار والتفاهم.

على مر العصور كانت العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب محفوفة بالصراعات والتوترات، وقد أسهمت بعض الموروثات السلبية في هذه الصورة المتوترة، ففي الغرب لا يزال هناك من لا يعترف بمساهمة الحضارة العربية الإسلامية في تقدم الحضارة الغربية، كما أن النزاعات السياسية مثل الصراع العربي الإسرائيلي قد ساهمت في تشويه صورة العرب والمسلمين، ومع ذلك تبقى الحقيقة الثابتة أن غياب الحوار والتواصل هو ما يغذي تلك الصراعات ويزيد من سوء الفهم بين الشعوب.

وليس من الضروري أن تكون الصورة السلبية للعرب والمسلمين في الغرب حاجزاً دائماً أمام بناء جسور الحوار، ففي الواقع هناك العديد من البلدان العربية والإسلامية التي تحتفظ بعلاقات جيدة ومتينة مع الغرب على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن التفاعل بين الشرق والغرب يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام، حيث كانت هناك علاقات تجارية وثقافية بين العرب والغرب، وقد ساهمت الحضارة الإسلامية في إغناء الثقافة الأوروبية خاصة في فترات ازدهار الأندلس وما تلاها، واليوم عندما نفتح أبواب الحوار مع الآخر يجب أن يكون هدفنا بناء علاقة متوازنة وليس بالضرورة أن نتقبل كل ما يعرضه الآخر، ولكن في الوقت ذاته يجب ألا نغلق أنفسنا عن فهم وجهات نظرهم، ومن من المهم أن نتعامل مع تلك المعطيات بعقلانية مستندين إلى أسس علمية ومنهج موضوعي في تقييمها.

تكمن أهمية ثقافة التسامح في قدرتها على تعزيز التفاهم والاحترام بين مختلف الثقافات والأديان، ذلك أن التسامح يساهم في تقليل النزاعات والصراعات ويؤدي إلى قبول التنوع الفكري والديني وهذه البيئة المسالمة لا تساهم فقط في استقرار المجتمع بل تفتح الأفق للإبداع والابتكار مما يخلق مجتمعات غنية ومتعددة، والأهم من ذلك أن الأفراد في المجتمعات المتسامحة يشعرون بالقبول والتقدير وهو ما ينعكس إيجابياً على صحتهم النفسية وجودتهم الحياتية، ولضمان نجاح الحوار مع الآخر يجب أن يبدأ بتحديد القواسم المشتركة مثل الوحدة الإنسانية والاحترام المتبادل ويجب التركيز على القيم الأخلاقية التي تجمع بين جميع الشعوب،  كما أن القرآن الكريم يوجهنا إلى التأكيد على أن البشر جميعهم من أصل واحد وأنه لا يوجد فرق بين الناس إلا بالتقوى، قال تعالى : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات: 13).

كما يجب التركيز على الجوانب الإيجابية والتعريف بالمساهمة الكبيرة التي قدمتها الحضارة العربية الإسلامية في إثراء الثقافة الغربية، كما يقول المؤرخ جوستاف فون جروينباوم: ” ليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يضرب فيه الإسلام بسهم”، وفي إطار الحوار بين الحضارات من المهم أن نعترف بقيمة التبادل الحضاري وأن نعمل على تطوير العلاقات الإنسانية بعقلية منفتحة ويجب أن نبتعد عن سياسة تحريف المفاهيم والتركيز على تعزيز الجوانب الإيجابية في ثقافاتنا وأن نعمل على إقامة اللقاءات والمؤتمرات التي تسهم في تبادل الأفكار والخبرات، فمن  خلال تعزيز ثقافة التسامح سوف نتمكن من خلق بيئة من الاحترام المتبادل التي تشجع على التعايش السلمي بين مختلف الأديان والثقافات، كما أن التسامح يعزز من السلام الاجتماعي ويخلق مجتمعاً متنوعاً يعج بالإبداع، وبذلك يصبح لدينا مجتمع متماسك قادر على التعامل مع التحديات بروح من التعاون والمشاركة.

في الختام: إن الحوار البناء مع الآخر ليس فقط وسيلة لفهم الاختلافات، بل هو أيضاً أداة قوية لتحقيق السلام والتفاهم بين الأمم والشعوب، ويجب أن نواصل بذل الجهود لفتح قنوات الحوار وتعزيز ثقافة التسامح والحوار مع الأخر مما يساعد في بناء مستقبل أفضل وأكثر استقراراً للجميع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com