مداخل لقراءة قصة “العم عمر” ورواية “يوريديس في ليلة الرازم” للكاتب حميد عقبي
د. سمر السقا
ناقدة واكاديمية من السعودية
قصة العم عمر، أحدى قصص المجموعة القصصية «ثقوب» ورواية « يوريديس في ليلة الرازم»، هما عملان سرديان يتسمان بالتكثيف الرمزي للكاتب والمخرج السينمائي حميد عقبي، حيث تنعكس في كل منهما أبعاد نفسية واجتماعية معقدة. تدور أحداث العملين في بيئات تتراوح بين الواقعية والرمزية، وتتناولا قضايا وجودية مثل الخوف، البحث عن الذات، والاغتراب.
يتميز العملان بأسلوب سردي غني يعتمد على التبئير الداخلي والتصوير المكاني والزماني، مما يمنح القارئ تجربة عميقة ومؤثرة.
تحليل قصة العم عمر (ثقوب)
المكان في القصة يتوزع بين بيئات واقعية وأخرى متخيلة. تظهر المعصرة (معصرة زيت السمسم التقليدية) كمكان اجتماعي مركزي يمثل فضاءً للسرد وتبادل الحكايات بين الشخصيات، بينما يظهر الزقاق وحوش المعصرة كأماكن تعكس لحظات الخوف والجرأة التي يعيشها السارد.
الزمن في القصة يتراوح بين النهار، الذي يمثل حياة طبيعية مليئة بالنشاط، والليل، الذي يرمز إلى لحظات الغموض والخوف. كما يظهر الزمن النفسي بوضوح من خلال تجربة السارد أثناء مواجهته للجنّي.
الشخصيات فيها تلعب دورًا محوريًا في تقدم السرد. الشخصية الرئيسية هي الطفل السارد الذي يعيش تجربة الخوف والفضول، بينما يمثل العم عمر الحكمة الشعبية، وتأتي شخصية الجنّي لتعكس ذروة الخوف الذي يواجهه السارد.
تعتمد القصة على التبئير الداخلي، حيث يتم تقديم الأحداث من منظور الطفل السارد، مما يجعل القارئ يختبر مشاعره وتجربته بشكل مباشر.
الفكرة العامة للقصة تدور حول تأثير الحكايات الشعبية والخرافات في تشكيل وعي الإنسان، خاصة في مرحلة الطفولة، وكيف يمكن لهذه الحكايات أن تترك أثرًا نفسيًا طويل الأمد.
يبدأ السرد بوصف المعصرة كفضاء اجتماعي آمن، وينتهي بوصول السارد إلى البيت منهكًا وخائفًا، مما يعكس تأثير التجربة عليه.
تحليل رواية ( يوريديس في ليلة الرازم)
المكان في رواية « يوريديس في ليلة الرازم» يتسم بطابع سوريالي وغامض، حيث تنتقل الشخصية الرئيسية بين مشاهد حضَرية مجردة وأماكن متخيلة تعكس حالتها النفسية.
الزمن في الرواية يبدو وكأنه زمن ليلي ممتد ومطلق، مما يعزز من الطابع الغرائبي للسرد. لا يتم تحديد الزمن بدقة، مما يخلق إحساسًا بعدم الاستقرار.
الشخصيات في الرواية رمزية وغامضة، حيث تعيش الشخصية الرئيسية حالة من التأمل الذاتي والصراع الداخلي، بينما تأتي الشخصيات الثانوية كتمثيلات لأفكار داخلية.
الرواية تعتمد على التبئير الداخلي، مع التركيز على الحالة النفسية للشخصية الرئيسية وتأملاتها الوجودية.
الفكرة العامة للرواية تدور حول الاغتراب والقلق الوجودي والصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصية، حيث تنعكس هذه القضايا في السرد الرمزي والمشاهد السريالية.
تبدأ الرواية بوصف مشهد غامض يضع القارئ في حالة من التساؤل، وتنتهي بنهاية مفتوحة تعزز الطابع الفلسفي والرمزي للنص.
المقارنة بين الروايتين
رغم اختلاف الأسلوب السردي بين العملين، إلا أن كلاهما يشترك في الاعتماد على الرمزية والتبئير الداخلي لإبراز الحالة النفسية للشخصيات. تتميز قصة «العم عمر» بواقعية مكانية وزمانية ترتبط بالبيئة الاجتماعية والخيال الشعبي، بينما تميل رواية « يوريديس في ليلة الرازم» إلى السوريالية والرمزية الفلسفية.
الزمان في القصة يتسم بالوضوح والديناميكية بين النهار والليل، بينما في الرواية يتسم بالغموض وعدم التحديد. أما الشخصيات، فتظهر في «العم عمر» واضحة المعالم وتؤدي أدوارًا محورية في تقدم السرد، بينما في « يوريديس في ليلة الرازم» تأتي رمزية وغامضة، ما يجعلها أقرب إلى تجسيد أفكار مجردة.
الفكرة العامة في القصة تركز على تأثير الحكايات الشعبية في تشكيل وعي الإنسان وخوفه من المجهول، بينما في الرواية تدور حول القلق الوجودي والبحث عن الهوية.
ـ ثقوب :مجموعية قصصية، 2023 ـ صدرت عن دار الدراويش للنشر والترجمة، ببلغاريا والمانيا
ـ يوريديس في ليلة الرازم: رواية قصيرة جدا ـ صدرت 2024 عن دارأطياف للترجمة والنشر بالمغرب والسويد
حميد عقبي، قاص وروائي، سينمائي وفنان تشكيلي يمني مقيم في فرنسا، صدرت له أربع مجموعات قصصية وعشر روايات وخمسة دواوين شعرية وكتب متنوعة سينمائية ومسرحية.
كل الشكر والتقدير للناقدة السعودية د. سمر السقا ولموقعكم الابداعي الانيق