د.محمد عياش
– كاتب وباحث سياسي
لو كنت مكان الرئيس الأمريكي العائد للبيت الأبيض للمرة الثانية دونالد ترمب، والتي قطعتها الانتخابات السابقة بفوز الديمقراطيين، وتولي جو بايدن الحكم، وإصراره أي ترمب على الفوز بها وتعرضه لمؤامرة تزوير وتحريف النتائج، وهجوم أنصاره على مقر الكابيتول في سابقة أولى في بلد الواسع الكبير. وانشغال الحزب الديمقراطي طيلة فترة الحكم بتدبير المكائد وتحريك القضايا، والمثول أمام المحكمة للتحقيق، والطعن مراراً بكل ما تعرّض له من اتهامات، والأهم من كل ذلك محاولات الاغتيال التي نجا منها بأعجوبة، وتصميمه المضي قدماً لآخر الطريق الانتخابي وتموضعه الآن في البيت الأبيض رئيساً منتخبا ً معترف به من خصمه اللدود وبلاد العالم .
ماذا عن ترتيب الأولويات في ذهن الرئيس، وخصوصاً ما يتعلق بالقرارات التي اتخذها بايدن قبل أربع سنوات، وذلك بعد رفضها كاملة جملةً وتفصيلاً، ماذا عن الحروب التي اندلعت كالحرب الروسية – الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان واليمن وسوريا، وتهديد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشن غارات لتدمير المنشآت النووية، وموقفه من الصين التي تشكل تهديدا ً حقيقيا ً، والاتحاد الأوروبي الذي لا يعيره انتباه، والشرق الأوسط الذي وعد رئيس العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو بتغييره وفق الرؤية الصهيو- أمريكية؟
بأي سيبدأ، وعن الطريقة المثلى التي تفتح الباب أمام الاستحقاقات الأخرى، لا سيما وأن العالم يقف متشنجاً بأعصاب مشدودة، وهو الذي تحالف مع كبار مالكي الوكالات الدولية كـ إيلون ماسك ، وقطب العقارات الأول ستيف ويتكوف الذي أرسله على عجل لتهديد نتنياهو وتخويفه من العواقب إذا لم يوقف العدوان على غزة والانخراط فورا في عملية تبادل الأسرى والرهائن، وهو ما حصل بالفعل ! وعن انسحابه من الاتفاقات الدولية المعنية بالبيئة والاحتباس الحراري والانبعاثات السامة للغازات والكربون، والكثير من المعاهدات الأخرى ذات الشأن، وماذا عن كوريا الشمالية الصداع المزمن، ونياته المعلنة بشراء جزيرة غرينالاند، واستعادة قناة بنما، وضم كندا، وربما المكسيك إلى الاتحاد الأمريكي، وإصدار قراره العاجل بتصنيف أنصار الله اليمنية بالإرهابية، وفرض الرسوم والغرامات، والعقوبات يمنةً وشمالاً، وامتلاكه العصا السحرية magic wand لكل مشكلة ومعضلة وبفترة قصيرة جدا ً !
من يجرؤ على الكلام، في حضرة الرئيس الجديد الساخن الرأس المنتشي، الحاقد، الذي بقي أربع سنوات يجلس على السورsitting on the fence، وكيل الاتهامات والمحاكمات تطارده والإشاعات ومواقع التواصل الاجتماعية بكل مسمياتها، من القادر على الوقوف بوجه العاصفة، ترمب الذي جندل بايدن من أول مناظرة، وطرحه أرضاً، وأبعده وهو الذي فاز على نسوة في الجولتين، بالرغم من الشعبية والكاريزما التي تمتعت بها كاملا هاريس.
من يجرؤ على الهمس، إذا جاز التعبير، أمام الرجل الذي عاقب جون بولتون الرجل الجمهوري القوي في الإدارات السابقة، الواسب الأمريكي البيوريتاني الحالم باستعادة الامبراطورية الأمريكية النقية التي تخلو من الشوائب العرقية، الصافية من الأيديولوجيات السيكولائية البائدة، الذي يرنو إلى “أمريكا أولا وثانيا وثالثا” … رجل الاقتصاد وسليل وادي السيلكون، وحفيد الدولار، ونديم البنوك والأرصدة، حيث لا صديق مخلص ومؤتمن إلا الصفقات والضربات الاقتصادية التي تأتي بأقل التكلفة والمجهود، لا يعير اهتمامه بأي منظمة عالمية، إذ يراها كالمطية التي يركبها في سبيل الوصول إلى مبتغاه الذي يدغدغ شعوره ويرسم الابتسامة على وجهه .
دونالد ترامب الرجل الأبيض الجالس في البيت الأبيض في المكتب الدائرة حيث لا زواية فيه لدلالة المرواغة والتدليس والكذب، الانجلوساكسون الهارب من الانتلجنسيا الماشقة، اللائذ إلى النوستالجيا الأمريكية القديمة عصر الكابوي، والصراعات في الميدان ضمن ضرب الكؤوس وكسر الزجاجات والمراهنة على الطلقة القاتلة في المسدس الدوار أو الفتل، ولف الحبل على رأس الخيل في السبق والاستباق، الرجل الذي لا يمل من الظهور حبا ً ورغبة ً في زيادة الغيض لخصومه الديمقراطيين وحتى خارج السور الأمريكي الذي يغلي على إرهاصات الانقسام والاستقلال، والعودة إلى الوطن الأم الذي يحضن أبنائه حسب العرق والمصاص ( الأصل ) والتخلص من الوافدين المارقين الذين يعملون بعقلية الرجل الصهيوني الذي يرى العالم خدم وعبيد .
من يجرؤ على الكلام والهمس، أو حتى اللمس ! ذاك كتاب للأمريكي بول فندلي، عندما علم بنيات وخبث اليهود في إدارة البلاد والعباد، واستدل عبر الوثائق والمستندات للدور التي تلعبه القوة الخفية الصهيونية في مصير الولايات المتحدة الأمريكية وانقيادها الأعمى في تحقيق رغباتهم، هنا للاستدلال على اندماج الأفكار الأمريكية بالصهيونية إلى اندماج عضوي والذهاب بهذا العالم إلى نهايته وهو على هذا الحال، أي، الاندماج الصهيوني الأمريكي وتربعه على قيادة العالم شاء من شاء وأبا من أبا .