دائرة الفوضى والعبث في مسرحية “حلقات فارغة”- رؤية نقدية

3 يناير 2025
دائرة الفوضى والعبث في مسرحية “حلقات فارغة”- رؤية نقدية

عبد النبي بزاز

كاتب من المغرب

تتشكل مسرحية ” حلقات فارغة .. ” للكاتب المسرحي العراقي نشوان عزيز عمانوئيل من أربعة مشاهد، لكل منها عنوان ما عدا المشهد الأول ، وعشر شخصيات هي : ليلى ، سارة ، مريم ، ندى ، ريم ، علي ، كريم ، يوسف ، حازم ورامي .

فالمشهد الأول ، والذي لا يحمل عنوانا ، تدور أحداثه في غرفة واسعة على منتجع الساحل ، يؤثثها ديكور عشوائي غير منسق وموضب ( الكراسي والطاولة مائلة … ساعة معلقة تدق بشكل غير منتظم … ) ، فيظهر علي مقترحا لعبة ( تعري الأرواح) عبر زجاجة فارغة ، اقتراح يثير سخرية سارة من خلال تساؤلها : “هل تظن أننا نملك أرواحا بعد كل هذا ؟” ، وما يثيره ،السؤال ، ويتضمنه من أبعاد وجودية تستشرف آفاق القلق ، ومظاهر تجلياته ، في حين تنبري ندى لتأييد فكرة علي بقولها : ” علي محق ، الحقيقة تطهرنا. ” بعرض دور الحقيقة  في تطهير النفس من أدران الريبة ، وأمشاج الحيرة . في حين تعارض ريم رأي ندى بخصوص الحقيقة : ” الحقيقة تشبه هذه الساعة : تدق حينا وتتوقف حينا آخر . ” ، مبرزة ما يشوب الحقيقة من اختلال ونقصان . فيعلن علي بدء فصول اللعبة بإدارة الزجاجة التي تتوقف على يوسف .

نشوان عزيز عمانوئيل

بينما يحمل المشهد الثاني عنوان : “بدايات التشظي .”  وفيه يتواصل موضوع الحب الذي لا يرسو على علاقة بين طرفين بل يشكل تقابلا بين الإقرار والرفض ، الإفصاح والنكران . فبينما يصدع يوسف بحب مريم تعلن هي عن حب حازم الذي يرفض ذلك مما يخلق فجوة بين أطراف الحوار : مريم ، ويوسف ، وحازم الذين يعجزون عن إرساء إرهاصات عشق منفتح على أبعاد وجدانية وفكرية ، إلا أن  ذلك لا يتم ، فيلج ، أي الحب ، في دائرة الاستعصاء ، ويظل معلقا، مع بروز حالة من لامبالاة تجلت في عدم الرد على الهاتف، الذي ظل يرن حتى توقف ، ويتكلف ، هذه المرة ، كريم بإدارة الزجاجة بطريقة يشوبها الملل والفتور ، مع طول الفترة التي استغرقتها عملية الدوران ( يدير كريم  الزجاجة بملل، لكنها تدور أطول مما ينبغي ، وكأنها عالقة في دوامة لا تنتهي …) وتوقف الزجاجة على ندى.

 المشهد الثالث الموسوم ب : “عبثية المواجهات ” التي ينطلق فيها الحوار بسؤال  توجهه سارة لندى : ”  ندى ،هل تحبين  حازم أيضا ؟ … ”  ، والتي تقر بحب كريم : ” لا ، أحب كريم .”  مما يثير استغرابه واندهاشه ، أي كريم ، مستبعدا ذلك لحداثة تعرفه على ندى ( لكننا بالكاد نتحدث !) ، التي تعرب عن تصورها للحب الذي تختزله في ( لحظة عابرة ) ، وما تفتأ معه ريم  معقبة ، بشكل ساخر : ” أو خيال مريض .” ، فيتزامن بكاء ندى مع إضاءة الغرفة بضوء أحمر خافت ، وصدور ضحك مكتوم منبعث من وجهة مجهولة . فيسأل رامي ريم عن حبها له ، وتنفي ذلك معلنة حبها لعلي الذي يذهله الأمر فَيَهّم بالتساؤل قبل أن تقاطعه ريم معلنة حبه لليلى التي لا تحبه ، والتي ، أي ليلى ، تصيح بصوت عال : كفى ! فينهض الكل دفعة واحدة ، ثم يتحدثون بصوت عال متداخل يفرغ الحوار من معناه. 

وفي المشهد  الرابع والأخير والذي يحمل عنوان ” العبث المطلق ”  تتوقف الساعة عن الاشتغال ، وتختفي الإضاءة ، فيعود ضوء أزرق خافت ، وتجلس جميع الشخصيات أرضا ، وينهمكون بالتحديق في الزجاجة التي تتحرك من تلقاء نفسها منهية تحكم علي فيها ، ليجدوا أنفسهم عالقين ، حسب ما أعلنته سارة :” نحن عالقون هنا ، أليس كذلك ؟ “، تساؤل يغدو أكثر إشكالا حسب  تصريح رامي :” هنا ؟ في هذه اللعبة ؟ أم هذه الأكاذيب؟ “، في إشارة وتلميح إلى عبثية اللعبة ( لعبة الزجاجة ) ، وأكاذيب حب غير محدد المعالم والعلائق ، فيواصل يوسف :” أو في هذا الحب الزائف الذي نظنه حبا ؟ ” مؤكدا زيف وخداع  ما  اعتبروه حبا . وينخرطون جميعا في ضحك هستيري ، ثم يدخل من النافذة التي تنفتح ورقة مكتوبة  عليها ( الحب دائرة لا تنتهي إلا عندما تنهار . ) ، ويتمتم علي : ” نحن مجرد ظلال تبحث عن نور لن يأت. ) ، ليختتم المشهد بخفوت الضوء ( تاركا ظلالا باهتة تتراقص في الفراغ . ظلال غامضة تملأ الفراغ . وكأنها تأتي من العدم ) .

فمسرحية ” حلقات فارغة ”  تجسد ما شاب علاقات شخوصها من عبث أفرغها من محتواها الإنساني المرتهن لنزعات الحس والإدراك في انفتاحها على آفاق لا تقوم على أي نظام ، ولا تخضع لأي منطق مما يزج بها في نفق الفوضى عبر ما أفرزه من جدل لم يسفر سوى عن فراغ هو محصلة سلسلة من أسئلة واستنتاجات استنفدتها فصول وتفاصيل حلقا ت ومشهديات تجسدت عبر تعابير ورؤى وسلوكيا ت شخوص المسرحية .

حلقات فارغة .. ( مسرحية ) لعزيز نشوان عمانوئيل.

نشرت بجريدة قريش اللندنية ( ثقافات وآداب ) / 18 ديسمبر2024 .  

خاص بصحيفة قريش

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com